العميد الركن مصطفى الشيخ – تفاصيل برس
يعذرني الأخوة والأصدقاء لاستعمالي مصطلحات طائفية للضرورة والتوضيح وتسمية الأمور بمسمياتها بهدف الإيضاح وليس ايماناً بهذه المسميات الطائفية التي تفقد من يؤمن بها انسانيته ودينه وشرفه ووطنيته، والتي استقدمها نظام الملالي وقبله كرسها واقعاً عملياً نظام الأسد في سوريا والحال يشهد بذلك، فالعذر من كرام الناس سلفاً، وما اكتبه لا ينمّ عن موقفي الشخصي فهو توصيف مجرد وبأمانة وفق مراقبتي للمشهد في الشرق الأوسط.
أعلم أن الكثير من أبناء شعبنا السوري لديه قناعة أن النظام السوري مرعي من قبل إسرائيل وأنها تحمي بقائه في السلطة {وهذا هراء، وتلك أيام قد خلت}، فهو مجرَّب ولديه خدمات واسعة لإسرائيل بدءً من عام 1967 عندما أعلن حافظ الأسد عن سقوط الجولان قبل وصول القوات الإسرائيلية، وبالتالي كانت واضحة لدى الغالبية الساحقة من شعبنا والشعوب الغربية أن هناك صفقة أبرمها حافظ الأسد تتضمن التنازل عن الجولان مقابل استقرار السلطة له.
وللأمانة فإنني سمعت الكثير من الشخصيات السياسية المهمة تؤكد هذا الأمر كما سمعها كل الشعب السوري، وما يؤكد ذلك سلوك النظام مع إسرائيل منذ عام 1967، وخاصة في مجال القوات المسلحة، والتي خدمت فيها لأكثر من ثلاثة عقود ويمكنني أن أجزم أن بنية الجيش وتدريباته والفساد الذي نخر كل زاوية فيه تشير وبوضوح إلى أن تحرير الجولان كان مجرد شعار فارغ ليس له أي مصداقية في إعداد الجيش وتدريبه الصوري بحيث يدرك أي عنصر فيه أن هذا الجيش ليس من مهامه خوض أي معركة على الإطلاق، وهناك أدوار مارسها النظام خدمة لإسرائيل منها القضاء على منظمة التحرير وإخراجها من لبنان، ولولا الغطاء الأمريكي الإسرائيلي لما استطاع حافظ الأسد أن يدخل لبنان.
ثم مارس أدواراً لا تقل قيمة عما أسلفت في قتل كل الرموز الوطنية في سوريا ولبنان، ثم جاءت حوادث الإخوان المسلمين وتدمير حماة، وبذلك قدّم الإخوان المسلمين لقاحاً مانعاً من السقوط لنظام الأسد كانت نتيجته أن النظام بات الولد المدلل لدى النظام الدولي وإسرائيل ورفع شعار {قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد} كما حاول هذا التنظيم أن يقدم جرعة ثانية له من خلال الثورة السورية حيث فتح الإخوان المسلمين (..) الباب مشرعاً لأسلمة الثورة وتقديمها للعالم بأنها ثورة تشكل خطراً على النظام الإقليمي والدولي ، وهكذا كان بالفعل والواقع الحالي يخدم بقاء نظام الأسد مئة بالمئة، ولا ننسى أن حافظ الأسد وبالتنسيق والتحالف مع إيران قام بدعم إيران ضد العراق في حربها ، وارسل فرقة مدرعة لتشارك في غزو العراق ، وهو الذي أسس منظمة أمل وحزب الله على أنقاض منظمة التحرير الفلسطينية بعد طردها لتونس، وبالتالي فإن الدور الطائفي بدعم المكون الشيعي بدء يتبلور على الأرض منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان، ثم ذهب بشار الأسد إلى أبعد مدى مع إيران بعد اندلاع الثورة عام 2011، وتفاصيل الدور الإيراني لا تحتاج لشرح فهي معروفة ولا زالت حتى تاريخه.
هذه التوطئة لأقول كل ما تقدم صحيح ومعروف وموثق وقطعي الثبوت، أما اليوم فالأمر بات مختلفاً جداً، بل ومعاكس تماماً لكل الفترة الماضية، واليوم من مصلحة إسرائيل أولاً ومن مصلحة الإقليم ثانياً تغيير النظام في سوريا، لماذا؟ سبق وأن أشرت بتغريدة مقتضبة على الفيس بأن عمليات الإنزال الثلاثة في مصياف والبترون والجنوب السوري هل تنحصر وبوضوح في استكمال دائرة المعلومات عن حقيقة الموقف السوري ومدى تغيره اتجاه الوجود الإيراني في سوريا بعد أن صمت الأسد منذ اندلاع حرب غزة، والحقيقة كما ذكرتها لكم سابقاً أن التحالف بين سوريا وإيران هو تحالف مصيري وجودي ايديولوجي من المحال أن يتنازل عنه بشار الأسد..
فصمته أمام جمهوره وربما دول الشرق الأوسط مبررٌ وفق تصورهم أو ما هو مكرس على الأرض، وأن سوريا غير قادرة على خوض أي حرب أو دعم للمقاومة لأن ذلك يعني بكل بساطة تحرك قوى المعارضة وإسقاط النظام، بعد أن فقد الجيش السوري كل قواه وتلاشى وأصبح أشبه بمليشيات مختلطة مع المرتزقة والمأجورين الذي استقدمتهم إيران لسوريا، ولا يزال النظام وبشكل سري يدعم حزب الله ومن المحال أن يغدر بهم، وبالتالي سكوت بشار الأسد لا يتعدى أن يكون تقية لا أكثر، ونكرر السؤال هل من مصلحة إسرائيل إسقاط النظام في سوريا؟ بكل ثقة ويقين أجيب بنعم وبدون تردد، والسبب الجوهري هو التالي:
المشروع الإيراني في المنطقة مشروع منبوذ وفاشل ومحكوم عليه بالفشل الحتمي وإن طال الزمن، فبقاء المشروع بالحديد والنار والقتل والتشريد والمجازر وبغطاء أمريكي غربي واضح، ولولاه لما حصل كل ما حصل ، والسبب الأساس هو أن الشيعة في المنطقة وفي العالم هم الأقلية، وأقلية قليلة بالمقارنة مع المكون السني، وبالتالي مهما قتل المحور الإيراني من ملايين فإن المكون السني يحتمل ولا يتأثر، لتبقى المنطقة بأغلبيتها من المكون السني، ولأكون دقيقاً في توصيف الواقع الحالي والذي أشرت إليه من سنين وهو:
منذ نزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولغاية اليوم لم يحصل أن كان العرب السنة واليهود في خندق واحد ضد عدو مشترك كما هو اليوم، بفعل الدور الإيراني، ولدى الشعوب العربية اليوم قناعة بأن اليهود أهل ذمة وكتاب هم أقرب للمسلمين من شيعة الملالي، {ولا أعني الشيعة العرب} فالشيعة قسمان، شيعة معتدلة أغلبيتها الساحقة عربية وهي ضد شيعة إيران الفارسية، فشيعة إيران ليست مذهباً ولا ديناً بل هي ذات طابع فارسي حاقد على العرب والإسلام وعلى نبينه، وبلبوس ديني ومتلبسة مظلومية الحسين لتحقيق أهدافها في إعادة أمجاد إمبرطوريتهم الكسروية مع حملة تجهيل وتشييع وفق المقاس الذي يحول الإنسان إلى حيوان وبلا عقل، ومن لا يصدق عليه أن يراقب كيف هي طقوسهم الهندوسية والتي لا تمت للإسلام بصلة، ولا يرتضيها عقل ولا رب، فإله يحول البشر إلى حيوانات لا يستحق أن يعبد، وبالتالي عقلاً ومنطقاً فإن من مصلحة إسرائيل وفق منطوق نتنياهو ذاته بتغيير جذري واستراتيجي في الشرق الأوسط تكمن مع الأكثرية العربية السنية وليست مع الأقلية الشيعية، وخاصة في الحالة سوريا الملاصقة لإسرائيل هذا أولاً.
ثانياً من المؤكد أن النظام في سوريا مع حزب الله وإيران، والمعلومات المستقاة من الأسرى في مصياف والبترون وجنوب سوريا تشير إلى علاقة وثيقة ودعم مستمر لحزب الله دون توقف دون أن يصدر أي موقف رسمي من بشار الأسد بالتخلي عن إيران وحزب الله، ثم أي نجاح لتغيير استراتيجي كما يدعيه نتنياهو دون تغيير استراتيجي في سوريا؟ هذا نوع من الخبل والبساطة في التفكير، وإذا كان المستقبل مع دول الشرق الأوسط السنية فلماذا لا يتقدم نتنياهو بخطوة استباقية بقتل بشار الأسد وأخوه ماهر؟ من الذي يمنعه وبشار متلبس بجريمة دعم حزب الله وايران، ويظهر إسرائيل أنها مع الأكثرية السنية المتاخمة لإسرائيل والقادرة على استقرار سوريا وتوقيع سلام دائم معها بالتنسيق مع دول الإقليم؟ خاصة وأن المملكة العربية السعودية عادت لتمسك بالملف الفلسطيني بعد نزعه من إيران، من خلال ما تم من تنفيذه من عقد مؤتمر دولي لإحلال الدولتين حضرته ما يقارب مئة دولة، ثم لنؤكد ما ذهبنا إليه علينا أن نراقب التصريحات الفرنسية التي تظهر الصدام والعداء في المواقف بين فرنسا وإسرائيل، هذا العداء سببه أن فرنسا الداعمة لبقاء بشار الأسد والمحور الإيراني في حالة من الهيستيريا من قوة التصريحات الإسرائيلية ضدها، وهذا مؤشر آخر أن التغيير الجوهري في الشرق الأوسط سيلغي الدور الفرنسي الداعم لإيران ومحورها.
وأختم القول: إن الحرب اليوم على أبواب المرحلة الثالثة وهي معالجة الوضع في سوريا، والتصريحات الإسرائيلية اليوم عن انتشار مواقع لحزب الله في سوريا يؤكد ما ذهبنا إليه، ثم تأتي المرحلة الختامية والأساس في كل هذه الحرب والتي بدونها فإن كل النجاحات التي حققتها إسرائيل تعتبر في مهب الريح ما لم يتم ضرب رأس الأفعى في طهران، وهي قادمة وفق منطق الأحداث وبكل تأكيد، وإسرائيل نجحت في تجزئة الساحات واستفردت بها واحدة تلو الأخرى، والمتبقي أكثر مما تم لغاية اليوم، لكن بدون أدنى شكّ فإن النظام السوري بالتحديد هو مستهدف وسيكون خارج الشرق الأوسط الجديد حتماً مقضياً.