منذ تدخلها العسكري في سوريا، كان للولايات المتحدة دور محوري في شمال شرق البلاد، خاصة في دعم الميليشيات الكردية لمكافحة تنظيم “داعش”، ومع تزايد الحديث عن الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من سوريا، تتزايد المخاوف بشأن التداعيات الإقليمية لهذا القرار، وما إذا كان سيؤدي إلى خلق فراغ أمني قد تستغله قوى أخرى، مثل روسيا.
يعد شمال غرب سوريا منطقة ذات أهمية جيوسياسية بالغة، فهي منطقة تلاقي المصالح بين العديد من الفاعلين الدوليين ووجود القوات الأمريكية هناك كان يشكل عامل توازن يحول دون تصعيد التوترات بين الأطراف المختلفة، خاصة بين الأكراد والقوى التركية.
بغياب هذا الوجود الأمريكي، قد تجد تركيا نفسها أمام فرصة سانحة لتعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة في ضوء قلقها من تنامي قوة الميليشيات الكردية التي تصنفها كتهديد أمني مباشر، ومع غياب الدور الأمريكي كوسيط أو رادع، قد نشهد تصعيداً عسكرياً تركياً يستهدف المواقع الكردية بهدف توسيع مناطق نفوذها أو تحييد التهديدات الحدودية.
من ناحية أخرى، قد ترى روسيا في الانسحاب الأمريكي فرصة لتعزيز سيطرتها على ما تبقى من سوريا، حيث أن موسكو كانت تسعى منذ فترة طويلة لاستعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية من خلال دعم النظام السوري وتوسيع نفوذها العسكري في المنطقة، وانسحاب الولايات المتحدة قد يمنح روسيا مزيداً من الحرية في التحرك والضغط على الميلشيات الكردية، مما قد يجبرها على عقد صفقات سياسية مع دمشق.
الانسحاب قد يُحدث أيضاً إعادة توزيع للقوى العسكرية والسياسية في البلاد، حيث يمكن أن تقوم روسيا بدور الوسيط بين النظام السوري الميليشيات الكردية، وهو ما قد يؤدي إلى تقارب بين الجانبين.
وبعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات، فمن المحتمل أن نشهد تغييرات جذرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا والمنطقة بشكل عام، ترامب قد يعيد التأكيد على موقفه من الانسحاب الكامل من سوريا، مما يعزز الضغط على حلفاء واشنطن المحليين والدوليين للبحث عن حلول مستقلة للأزمات الإقليمية.
تحت إدارة ترامب، يمكن أن يكون هناك تركيز أكبر على تقليص التورط العسكري الأمريكي في الخارج، وهو ما قد يسرع عملية الانسحاب من سوريا، وهذا التوجه قد يسمح لتركيا بتوسيع نفوذها في الشمال السوري، خاصة في ظل تأكيدات سابقة لترامب بتخفيف الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية.
من جهة أخرى، قد يؤدي الانسحاب إلى تقليل الدعم الدولي والإغاثي للمدنيين، مما يفاقم الأوضاع المعيشية، كما أن الأطراف المتصارعة قد تستغل هذا الفراغ لفرض مزيد من السيطرة على الموارد والثروات الطبيعية، مثل النفط والغاز، مما يعمق الأزمة الاقتصادية في البلاد.
ختاماً إن الانسحاب الأمريكي التدريجي من سوريا لا يمثل فقط تغيراً في المشهد العسكري، بل هو عامل قد يغير التوازنات الإقليمية بشكل كبير، سواء كانت تركيا أو روسيا أو حتى إيران، فإن غياب الولايات المتحدة قد يفتح المجال أمام مزيد من التحركات الإقليمية التي قد تؤدي إلى تعقيد الوضع في شمال غرب سوريا.