حوار مع العميد حسن حمادة.. أول ضابط طيران منشق عن النظام السوري

حوار مع العميد حسن حمادة.. أول ضابط طيران منشق عن النظام السوري
ملكية الصورة: الإنترنت
رزق العبي - نداء بوست (تفاصيل برس)

حاوره: رزق العبي

ظهر الخميس 21 حزيران/ يوليو عام 2012، أعلن "تلفزيون النظام السوري" نقلاً عن مصدر رسمي فقدان الاتصال مع طائرة من نوع ميغ 21 روسية الصنع، أثناء طلعة تدريبية. وخلال ساعات، بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن انشقاق أول ضابط في سلاح الجوّ السوري، ولجوئه إلى الأردن، في أعقاب حملة عسكرية مستمرة للنظام ضدّ المدنيين.

العميد، حسن مرعي حمادة، رتّب انشقاقه وقرر أخيراً الخروج عن "طاعة المجرمين" معلناً وقوفه إلى جانب الشعب السوري وتطلعاته في الحرية، رافضاً تسخير المؤسسة العسكرية لصالح شخص واحد ممثل بـ "بشار الأسد".

لقاء بالعميد حسن حمادة، ليستعيد لحظات الانشقاق، والمراحل التي سبقته، ويتناول آخر المستجدات العسكرية على الساحة السورية.

السيادة العميد، لنبدأ من تلك اللحظات التي كنتَ فيها في السماء، وقررت الهبوط في الأردن لتعلن انشقاقك عن قوات النظام.

- يوجد دوافع أدّت للانشقاق، وسنتحدث عن الشقّ العسكري، حيث من المفترض أن يكون الجيش يدافع عن الوطن والشعب لأنه جزء من أبناء الشعب، ومن غير المعقول إقحام الجيش لمحاربة الشعب بدلاً من حمايته وحماية الوطن، وضدّ أي اعتداء خارجي، وما حدثَ من تسخير للجيش لصالح عصابة تغتصب السلطة، وسوريا ككل من جميع النواحي كان أحد أبرز أسباب الانشقاق.

أنا ابن هذه المؤسسة العسكرية، ولا يُشرفني أن أدافع عن عصابة حاكمة، متمثلة بـ "بشار الكيماوي"، وأن أكون مجرماً، لمصلحة شخص وعصابة حاكمة للبلد، وليس لمصلحة وطن.

كيف قررت الانشقاق؟

خرجت هذه المؤسسة عن مسارها، وبالتالي أنا أمام خيارين إما أن أقف مع الحق أو مع الباطل، فكان لابد من الوقوف مع أهلنا وشعبنا، مع أناس طالبوا بالحرية والعدالة، ومحاربة الفساد، وأخيراً عندما صار هناك إمعان بالقتل والإجرام عبر الأجهزة الأمنية والعسكرية، كان لابدّ من الوقوف مع الشعب.

كنّا مع الإصلاح، ولكن ما فعله النظام جعل خيار المطالبة بإسقاطه ضرورياً والعمل لأجل ذلك أيضاً، ولم تعد العودة إلى الوراء مطروحة أبداً.

قلت لابدَّ أن أصنع شيئاً له وقع خاص، مدوّ، فأخذت قراراً أن أخرج بالطائرة لدولة مجاورة، وبعد الترتيب، قررت أن تكون الأردن، لأن تركيا بعيدة، وبالتالي سأقطع مسافة طويلة، ولم يكن أمامي خيار سوى الأردن، وتمّ الأمر من خلال طلعة عادية في 21 حزيران 2012.

حدّثنا عن تلك الطلعة.

- مباشرة بدأت بطلعة جوية مخططة، هي طلعة عادية تدريبية، اخترت منطقة خربة غزالة، ونفّذت 5 دقائق تمريناً طبيعياً تدريبياً، ونزلت لارتفاع منخفض جدّاً باتجاه مطار المفرق، وتجاوزت الحدود خلال 1.30 دقيقة وصلت المطار عن طريق خبرتي العسكرية.

وقتها، كنت قادما إلى مطار لا أعلم عنه أي شيء، هل هو مشغول بالطيران أو لا، ليس لدي فكرة عنه أبداً.. كنت أريد مراقبة المجال الجوي وهل هو مشغول أو لا. طبعاً في تلك الفترة، كنت قد أمّنتُ عائلتي، في مكان آمن، وتم التنفيذ في الوقت المحدد.

ولكن كان بإمكانك الخروج عبر خطّ بري كمواطن مدني، لماذا لم تفعل؟

- كان هدفي توجيه رسائل عديدة، الرسالة الأولى للعالم، باتجاه الثورة السورية ووضع الشعب السوري وما يعانيه من عصابة الأسد، أما الرسالة الثانية، كانت داخلية لتشجيع الضباط على الانشقاق وفعلاً حصل ذلك، وزادت نسبة الانشقاقات، والرسالة الثالثة، تقول مهما كان النظام السوري والقبضة الأمنية محكمة، على مؤسسات الدولة أو على الشعب، فإن الإرادة هي التي تغلب الطغيان.

ماذا حصل عند وصولك الأردن؟

- منذ وصولي إلى الأردن أبلغتهم بأنني أريد أن أدخل تركيا ومنها إلى سورية إلى الشمال لأجل أن أشتغل في الداخل السوري في المجال العسكري لخدمة الثورة لسورية وبالفعل حصل هذا الأمر وما زلت بين تركيا وسوريا.

وفي هذه المناسبة أترحم على الشهداء الذين بذلوا أغلى ما يملكون لإنارة طريق الحرية لمستقبل سورية، وأستذكر المعتقلين، وأنا شخصياً أفضّل الموت على الاعتقال لأن معتقلينا يموتون كل يوم للأسف. وهناك روايات كثيرة تروى عن الملف السوري، ملف مليء بالعذاب والآهات، ومليء بالدموع ومليء بالإجرام إجرام الأسد وحلفائه.

الثورة السورية مرّت بمراحل عديدة، ولكن بما لا يترك مجالاً للشكّ أنها اليوم في مراحل ليست جيّدة، ماذا تقول في هذا السياق؟

- لن ننسى أعداءنا، سننتصر بإذن الله، والحرية للشعب السوري، وسورية حرّة بإذن الهي، نتمنى محاكمة عادلة، أتمنى من الشعب أن يحاكم الأسد، وكل المجرمين الذين اعتدوا على سورية وشعبها.

هل كنتم تعرفون ما يحصل في المدن والبلدات؟

- كنتُ أتابع كل ما يحصل عبر القنوات التي كانت تبث أخباراً عن الثورة السورية. وأعرف أدق التفاصيل.

اليوم وبعد عقد من الزمن، كيف تنظر إلى مسار الثورة السورية عسكرياً؟

- من جهتي كنتُ ضد تحرير المناطق، وكنتُ أفضّل أن يبقى النظام ناشراً لجيشه على كامل الجغرافيا السورية، وأن يتمّ استنزافه وضربه بعمليات كرّ وفرّ بدون تحرير، على مبدأ حرب العصابات. لأن ذلك كان سيُنهك النظام أكثر، وتكون الثورة حمت نفسها من استهداف حاضنتها بالطيران، لأن هناك تداخلاً كبيراً لقوات النظام في المدن، لكن الوضع الذي نشأ شكّل ما يشبه العبء على المدارس والمستوصفات التي كانت سوف تنجو، وذلك العبء بدل أن نتحمله نحن، كان سيبقى على عاتق النظام، عند ذاك كنت تكشف أنك حيّدت الطيران. ولكن هذا لم يحصل. أيضاً.. كان ضروريا إيجاد قيادة للثورة السورية التي مع الأسف بقيت جسداً بلا رأس.

ولكن حصل التحرير، ماذا كان على الفصائل أن تفعل؟

- كان علينا أن نُغلق الحدود، ومصادر تمويلنا موجودة عبر النفط والمعابر، وبالتالي المعتاد يمكن شراؤه.

سياسيا.. ماذا تقول؟

- للأسف.. الدول لعبت فينا، وأغلب مؤسساتنا لم تكن رغبة ولا خياراً.. كانت فقط سبيلاً لتحقيق مرادنا لا أكثر. والنظام كان يرغب منذ البداية في تسليح الثورة، ليحاجج عالمياً وبالتالي تمّ التسليح.

لماذا لم تنجح الثورة عسكرياً؟

- من منطلق عسكري أتحدّث، مهما امتلكنا من الأسلحة والغنائم من دبابات وغيرها، فلن نقدر على التغلّب عسكرياً على الطيران الحربي وصواريخ أرض أرض التي يملكها النظام. هو لديه معدّات عسكرية ضخمة، سواء الموجودة أو التي تلك التي جاءت من الخارج لدعمه، بالإضافة إلى المرتزقة. عدا عن الروس والإيرانيين.

ماذا عن الجيش الوطني؟

- الجيش الوطني السوري، حصل فيه توحّد على عدّة مراحل، ولكنه لم يرتق بعد إلى مؤسسة عسكرية بصراحة، المرحلة الأولى من التوحدّ كانت عبر "الجبهة الوطنية"، في ريف إدلب وريف حلب الغربي. أما المرحلة الثانية، فكانت تشكيل الفيالق الثلاثة تحت مسمى جيش وطني بـ 2018، وآنذاك حاولنا كثيراً الارتقاء لمستوى أن تكون مؤسسة عسكرية، لكن توجد معوقات، أهمها التنظيم.

أما المرحلة الأخيرة كانت في أورفا بتركيا والتي سبقت عملية "نبع السلام“، وتم فيها دمج الفيالق الثلاثة مع الجبهة الوطنية، الكل تحت مسمى الجيش الوطني السوري. ولكن طموحنا كبير إلى الوصول إلى الصيغة المؤسساتية المنشودة، وقد بذلنا جهوداً جبارة وسنستمر بذلك حتى نحقق هذا الهدف.

على سبيل المثال، لدينا مؤسسة الشرطة العسكرية، بمناطق عمليتي "غصن الزيتون، ونبع السلام" على كامل الشمال السوري، وهي متواجدة كأفرع. وكذلك لدينا القضاء العسكري الذي تم تفعيله بشكل رسمي، وهناك الكثير من القضايا.

أيضاً لدينا إدارة التوجيه المعنوي ذات الدور الفعال في توعية وإعداد المقاتلين نفسياً ومعنوياً، وكذلك في مجال القانون الدولي الإنساني، وكيفية معاملة الأسرى ومنع تجنيد الأطفال، وكل هذه الإدارات تتبع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.

لا يفوتك أن الحديث يتكرر عن وجود أخطاء وممارسات كان يمكن تجنبها؟

- يوجد أخطاء بالطبع فأنت تتحدث عن مؤسسة تعدّ بعشرات الآلاف من المقاتلين، وهذا طبيعي. ولكن بالنتيجة مقارنة مع جيوش دول مستقرة فأنت تجد جريمة وفساداً وإشكالات أكبر مما لدينا. بالطبع لدينا حالات مشابهة، ولكن الأسباب متوفرة، وأهمها غياب المركزية، ولكن علينا النظر إلى التضحية التي قدّمها الجيش الوطني من دماء وشهداء. وبالتالي كل محاولات شيطنته لا مبرر لها. لأن الجيش الوطني هو رصيدنا في أي محفل تفاوضي وهو حماية للشعب والثورة، وضمان لمستقبل سوريا التي نريدها.