الشتاء الأقسى.. كيف يبدو حال اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان؟

الشتاء الأقسى.. كيف يبدو حال اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان؟
ملكية الصورة: تفاصيل برس
تفاصيل برس - محمد الصطوف - خاص

ضربت عاصفة ثلجية مصحوبة بأمطار ورياح شديدة، في منتصف شهر كانون الأول / ديسمبر الماضي، منطقة عرسال شرقي لبنان، إذ يتركز في تلك المنطقة مخيمات للاجئين السوريين في لبنان.

واستمرت العاصفة على مدار عدّة أيام، عانى فيها اللاجئون السوريون، إذ غطت الثلوج معظم مخيمات اللاجئين في المنطقة، مع نقص حاد في مواد التدفئة والمستلزمات الأساسية، في ظل ضائقة اقتصادية يعيشها اللاجئون ولبنان عموماً.

الشتاء الأقسى!

رغم أن المأساة الشتوية تتكرر في كل عام، وظروف اللاجئين صعبة، إلا أن هذا الشتاء هو الأقسى على اللاجئين السوريين في عموم لبنان، بحسب ما يقول الناشط الإعلامي فادي وحيد المقيم في لبنان ويعمل كمصور صحفي في البلاد منذ لجوئه إلى لبنان عام 2013 مهجراً من مسقط رأسه حمص السورية خوفاً من ملاحقة النظام السوري للمعارضين.

ويضيف "فادي" في حديثه، أن سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان وانتشار البطالة بشكل كبير، إضافةً إلى هبوط سعر صرف الليرة اللبنانية إلى مستويات متدنية مقابل الدولار، كل ذلك أدى إلى ازدياد سوء أوضاع اللاجئين السوريين.

الشتاء الأقسى.. كيف يبدو حال اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان؟

ويقيم في مخيمات بلدة عرسال اللبنانية بمفردها نحو 60 ألف لاجئ سوري (12 ألف عائلة بحسب الإحصائيات الرسمية)، موزعين على عدّة مخيمات في البلدة ذات الطبيعة الجبلية، ويعتمد معظمهم في التدفئة، على بقايا البلاستيك والنايلون والثياب القديمة، والأحذية المهترئة، وعجلات السيارات غير الصالحة للاستعمال، والزيت المحروق، والكرتون والورق، وعبوات اللبن الفارغة، كبدائل عن مادتي المازوت والحطب اللتين وصلت قيمتهما لأسعار فلكية قياسا إلى المنحة المالية المقدمة للاجئ السوري من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان.

وأوضح "فادي" أن أسعار السلع والمواد الغذائية، وخاصةً مادّتَي الغاز والمازوت، ارتفعت بشكلٍ كبير، أدت إلى عجز اللاجئين عن تحمّل الأعباء الباهظة لتأمين وسائل التدفئة والإنارة والطبخ، ما يجعل شتاء قاطني المخيمات صعباً في ظل العواصف والصقيع وسط أزمة معيشيّة خانقة، مشيراً إلى أن مساعدات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، تبقى قاصرة عن تلبية احتياجات المسجّلين وغير المسجّلين لديها.

وقسّمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، العائلات اللاجئة إلى مفصولة وغير مفصولة، وكانت قد حددت المفوضية قيمة المساعدة المالية المخصصة لكل عائلة سورية مفصولة من قيودها (قيود المفوضية)، لشتاء هذا العام مبلغ 930 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل نحو 40 دولاراً أمريكياً، للشهر الواحد توزع على 4 أشهر طيلة فترة فصل الشتاء.

كما خصصت المفوضية للعائلات السورية اللاجئة غير المفصولة من قيودها، مبلغ 930 ألف ليرة لبنانية تصرف على شهرين فقط، أي ما قيمته 40 دولار لكل شهر، طيلة فصل الشتاء.

الشتاء الأقسى.. كيف يبدو حال اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان؟

توزع المخيمات

تتوزع مخيمات اللاجئين السوريين، على مختلف المناطق في لبنان، إلا أن العدد الأكبر من المخيمات تعتبر من المخيمات العشوائية غير المنتظمة.

وتحتوي منطقة عرسال العدد الأكبر من مخيمات اللاجئين السوريين معظمها مخيمات غير منتظمة أو عشوائية، فيما تعتبر منطقة البقاع الأوسط من أكثر المناطق التي تحوي مخيمات منتظمة.

وتفتقر أغلب المخيمات للبنية التحتية والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الأساسية، إضافة إلى خيم ضعيفة لا تقي برودة الشتاء وأمطاره الغزيرة، وفق ما يقوله الناشط الإعلامي فادي وحيد.

وكان تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، صدر مطلع عام 2021، كشف عن ظروف قاسية يعيشها اللاجئون السوريون في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا، وقالت إن هؤلاء ليست لديهم بُنى ملائمة يؤويهم خلال أشهر الشتاء القاسية.

وفي أيلول الماضي أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن قلقهما البالغ إزاء التدهور السريع في الظروف المعيشية للاجئين السوريين في لبنان. فجميع اللاجئين السوريين تقريباً باتوا عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة.

وقال تقرير المفوضية، إن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي يشهدها لبنان، أثرت بشكل خاص على العائلات اللبنانية واللاجئة الأكثر فقراً. فقد كشفت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2021، الصادرة اليوم، عن وضع بائس يُرثى له، إذ أن تسعة من أصل كل 10 لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون اليوم في فقر مدقع.

وأضاف أنه في عام 2021، واصل غالبية اللاجئين الاعتماد على استراتيجيات مواجهة سلبية للبقاء على قيد الحياة، مثل التسول أو اقتراض المال أو التوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة أو تقليص النفقات الصحية أو عدم تسديد الإيجار. يشير هذا التقييم إلى أنه في عام 2021، ازداد عدد أفراد الأسر الذين اضطروا إلى قبول وظائف زهيدة الأجر أو شديدة الخطورة أو نوبات عمل إضافية لتأمين الدخل نفسه الذي كانت الأسرة قادرة على توفيره في العام 2020. وتؤثر استراتيجيات المواجهة هذه بشكل سلبي على القدرة على التأقلم وعلى توليد الدخل في المستقبل، مما يجعل أسر اللاجئين أكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي وأكثر اعتماداً على المساعدات الإنسانية.

وأكد أن اللاجئون لا يزالون يعانون للعثور على مأوى لائق وآمن؛ فحوالي 60 في المائة من عائلات اللاجئين السوريين يعيشون في مساكن معرضة للخطر أو دون المعايير المطلوبة أو مكتظة. كما تظهر الدراسة زيادة في متوسط بدلات الإيجار لجميع أنواع المساكن وفي جميع المحافظات، فضلاً عن زيادة في احتمالية الإخلاء.

وأوضح أن التضخم في لبنان أثر بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية. وخلال الفترة الممتدة بين تشرين الأول 2019 وحزيران 2021، ارتفعت تكلفة المواد الغذائية بنسبة 404 في المائة، مما أدى إلى مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي وسط عائلات اللاجئين السوريين. في شهر حزيران من العام 2021، بلغت نسبة عائلات اللاجئين السوريين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي 49 في المائة. وقد اضطر ثلثا العائلات إلى تقليص حجم حصص الطعام أو تقليل عدد الوجبات المستهلكة يومياً.

وأشار التقرير إلى أنه فيما يتعلق بالنظافة الصحية الأساسية، بيّنت الدراسة التي أجرتها المفوضية، أن عائلتين من أصل كل عشر عائلات لاجئة غير قادرتين على الوصول إلى مستلزمات رعاية الطفل الأساسية، وواحدة من أصل كل عشر عائلات غير قادرة على الحصول على مستلزمات النظافة الصحية النسائية.

وتابع أنه يتحمل الأطفال السوريون اللاجئون الجزء الأكبر من أعباء الأزمة. فثلاثون في المائة من الأطفال الذين هم في سن الدراسة (بين 6 و17 عاماً) لم يدخلوا المدرسة قط. وقد انخفض معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاماً بنسبة 25% في عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، استمر الاتجاه التصاعدي في عمالة الأطفال في أوساط الأطفال السوريين في عام 2021، إذ بلغ عدد الأطفال السوريين اللاجئين المنخرطين في سوق العمل ما لا يقل عن 27,825 طفلاً. كما يكشف التقييم أن فتاة من أصل كل خمس فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً متزوجة. أكثر من نصف (56%) الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1 و14 عاماً قد تعرضوا لشكل واحد على الأقل من أشكال التأديب القائم على العنف.

ويعيش اللاجئون السوريون في لبنان أوضاعاً إنسانية صعبة سواء داخل المخيمات أو خارجها، حيث يقدّر عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان بنحو 1.5 مليون لاجئ، ويتطلع معظمهم للخروج من لبنان بطرق قانونية عبر مفوضية شؤون اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي أو بطرق غير قانونية.

وبحسب تقرير صادر عن مفوضية اللاجئين فإن لبنان يحتل المرتبة السابعة عالمياً في عدد اللاجئين الذين يستضيفهم، إذ يبلغ عددهم نحو 870 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية.

إلا أن السلطات اللبنانية تقول إن العدد الفعلي للاجئين في لبنان يبلغ نحو مليوني لاجئ، فكثير منهم غير مسجل في لوائح المفوضية، وهذا العدد يشكل نحو 40 في المئة من عدد سكان البلاد البالغ نحو 5 ملايين.