أوضاع السوريين في تركيا حرجة للغاية وشروط إعادتهم غير متوفرة

أوضاع السوريين في تركيا حرجة للغاية وشروط إعادتهم غير متوفرة
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس (وحدة الرصد)

شددت تركيا مؤخرا من سياساتها الداخلية تجاه اللاجئين السوريين على أراضيها، فزادت القرارات المحلية الخاصة بإقامة السوريين، وحركة تنقلهم وسفرهم، كما تضاعفت التصريحات والتحركات الحكومية التي تشير إلى ما بات يُعرف بـ «العودة الطوعية» للسوريين نحو مدن وبلدات الشمال السوري. تطورات متلاحقة وصلت إلى منع بعض السوريين في أوروبا من دخول الأراضي التركية وإرجاعهم من المطارات لأسباب متعددة. بين النهج الجديد للسياسة الرسمية في تركيا، وبين التجييش الذي تبنته أحزاب المعارضة التركية طيلة السنوات السابقة، بات اللاجئ السوري محملا بمزيد من الأعباء والتحديات وسط تزايد الحوادث العنصرية والجرائم التي تستهدفهم، ليبقى الحل السياسي هو الرئة التي يتأمل منها اللاجئ السوري وكذلك دول الجوار تنفس الصعداء.

مواقف ومشاريع

الرئيس رجب طيب اردوغان قال خلال خطاب وجهه للشعب التركي: نستقبل 4 ملايين سوري إثر بدء الاضطرابات الداخلية في بلادهم، وأن أكثر من مليون سوري مستعدون للعودة الطوعية، وقال أيضا وفق ما نقلته وكالة «الأناضول» عدد السوريين في بلادنا سينخفض إلى مستويات معقولة كلما وفرنا الإمكانات اللازمة للعودة الطوعية، ونعمل على إنشاء 200 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية بتمويل من المنظمات الإغاثية الدولية. وذكّر اردوغان أنه كان قد اقترح على الزعماء المشاركين في قمة العشرين بأنطاليا التركية عام 2015 بناء مدن في سوريا من شأنها إيواء مليون شخص، وأعرب عن أسفه لعدم إبداء الدول الغربية على وجه الخصوص الدعم لذلك المشروع، الذي كان من الممكن تنفيذه بمبلغ أقل بكثير من الأموال التي تنفقها تلك الدول لإبقاء اللاجئين بعيدا عن حدودها. أما وزير الداخلية التركي سليمان صويلو فأعلن من جانبه عن عودة 503 آلاف و150 سوريًا إلى بلدهم بشكل طوعي بحسب آخر إحصائية، ولفت إلى حملة «معًا، نقف مع إدلب» اُطلقت عام 2020 بتعليمات من الرئيس رجب طيب اردوغان وتنسيق من «آفاد» ودعم من المنظمات المدنية وكانت تهدف لبناء 20 ألف منزل طوب في المرحلة الأولى، مشيرًا إلى الرقم ارتفع إلى 100 ألف حاليًا. وشدد صويلو على استكمال بناء 59 ألفًا و679 منزلًا من قبل منظمات ومؤسسات تركية عديدة، 45 ألفًا و903 منها في إدلب، و13 ألفًا و776 في منطقة عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، سكن ضمنها 51 ألفًا و427 أسرة حتى الآن. وبين أن مشاريع المنازل تضم 69 مسجدًا و24 مركزًا صحيًا و68 مدرسة، و23 حديقة أطفال، و26 منشأة اجتماعية و21 فرنًا و95 بئر ماء و3 مخابز، منوهًا إلى استمرار العمل على 15 مسجدًا و6 مدارس و14 منشأة اجتماعية، وفق ما نقلته وكالة «الأناضول». في حين أعلن صويلو عن عدم السماح للسوريين بزيارة بلادهم في إجازة عيد الأضحى المقبل، وقال: «على غرار عيد الفطر لن نسمح للسوريين بزيارة بلادهم في إجازة عيد الأضحى».

استثمار سياسي

مدير تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل، قال من جانبه لـ «القدس العربي»: ليس خافيا أن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا باتت حرجة للغاية بسبب كم غير طبيعي من الخطاب والسلوك العنصريين، والذي يفضي في بعض الحالات لارتكاب جرائم قتل بحقهم، وبسبب الإجراءات التضييقية الكثيرة حتى صارت أي هفوة ثمنها الترحيل. وأشار إلى ما يقدر بحوالي 7 آلاف شخص يتم ترحيلهم لشمال سوريا من تركيا بسبب مخالفات «بعضهم يسكن في ولاية غير ولايته التي حصل فيها على الحماية، بعضهم سافر دون إذن سفر وتم ضبطه، بعضهم لم يحدثوا عناوين إقامتهم، بعضهم تم إيقاف قيودهم من قبل إدارة الهجرة وزعم انه بالخطأ ولم يعاد تفعيل بطاقته فتم ترحيله» وغير ذلك. ملف اللاجئين هنا صار مادة للاستثمار السياسي والانتخابي وكلا الفريقين بالسلطة والمعارضة يفعل ذلك، لكن مشكلة المعارضة أكبر على اعتبار خطابها فيه تحريض حقيقي على اللاجئين. وحول طبيعة معاملة السوريين في تركيا، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ «القدس العربي»: المعاملة لا تسير وفق القوانين الدولية، وأن إعادة اللاجئين إلى مناطق سورية باعتبارها آمنة في الواقع هذه المناطق ليست كذلك، ولا يمكن الاعتماد على أي دولة في تصنيفها لسوريا كدولة آمنة أو لا. فعلى سبيل المثال، في بريطانيا المحكمة الأوروبية تدخلت لإيقاف ترحيل اللاجئين إلى راوندا، فمثل هذا القضاء القوي غير موجود في تركيا، حتى يتمكن اللاجئ السوري الذي صدر قرار ترحيله إلى سوريا، من الذهاب إلى المحكمة وإثبات إمكانية تعرضه للخطر في حال ترحيله، فهذا لا يحدث في تركيا. ورأى عبد الغني، أن الحماية هي من أهم الاحتياجات المطلوبة للاجئين السوريين في تركيا التي من المفترض أن تقوم الحكومة بتأمينها للاجئين ومنع الاعتداء عليهم، إضافة إلى توفير تسهيلات الإقامة والعمل علاوة عن حق التعليم، وتقديم صفة اللجوء لهم، وما يجري الآن أنها لا تعطيهم حق اللجوء وتمنعهم من اللجوء إلى أي دولة أخرى

هل عودة اللاجئين طوعية فعلا؟

مشروع العودة الطوعية الذي أعلنته تركيا لمليون سوري قرأه مدير تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل، أنه لن يقتصر على هذا المليون المعلن عنه رسميا، وإنما سيشمل 90 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا، ولكن على مراحل. ويزعم المتحدث، أنه خلال بضعة سنوات لن تتجاوز الخمس لن يبقى في تركيا أكثر من نصف مليون سوري ومن ضمنهم المجنسين بطبيعة الحال، وأن المصيبة أن المنطقة التي سيرحلون لها لا تحمل أي مؤشر يصنفها آمنة أو ستكون كذلك في الوقت القريب. أما مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، فأشار من جانبه إلى أن الحكومات ليست هي الجهات التي تحدد ما إذا كانت سوريا دولة آمنة أو ليست كذلك، ولا يتم الاعتماد على أي حكومة في ذلك، ولو كان الأمر متروكا للدول، لكانت غالبيتها ستذهب إلى خيار إعلان سوريا دولة آمنة بهدف إعادة اللاجئين إليها. واعتبر، أن الحكومات تتبع ما يفيد مصالحها وما يلبي مطالب الأحزاب لديها، لذلك هي جهات مسيسة لا مستقلة، لذلك يتم الاستناد في تصنيف المناطق الآمنة أو سواها على ما تصدره الجهات الحقوقية المعنية بالحدث مع تقييم الأمم المتحدة، لذلك ما لم يصدر عن الجهات الحكومية لا قيمة قانونية أو حقوقية له، أما باستخدام القوة فهذا شيء منفصل إذ أن النظام السوري أو روسيا، هي جهات تخرق القانون باستخدام القوة لتنفيذ أهدافها. وحتى تتم عملية عودة السوريين بشكل طوعي يجب تحقيق المطالب الأساسية لها، وهي أن تكون المناطق التي سيعودون إليها آمنة وطوعية معًا، فإذا لم تكن العودة آمنة فهي عودة غير طوعية، بل هي إعادة قسرية.

لماذا لا تمنح تركيا السوريين صفة لاجئ؟

مدير عام الاندماج في رئاسة إدارة الهجرة غوكشة أوك عرّف اللجوء بقوله «في حال حصول حرب في أوروبا، وقدوم الناس إلى تركيا يمكن منحهم صفة لاجئين، في حال طلبهم عند الاقتناع بوضعهم». وأردف خلال مقابلة أجرتها معه وكالة «الأناضول» أن «السوريين ليسوا لاجئين، لأنهم لم يأتوا من أوروبا، بل هم تحت الحماية المؤقتة لأنهم من جغرافية قديمة كان أجدادنا يحكمونها». أما فيما يخص تساؤلات السوريين حول حصولهم على الحماية المؤقتة، قال أوك: «سياسة الدولة أن الحرب ستنتهي ويعود الاستقرار ويعود السوريون لبلادهم، وهم أصحاب تلك الأرض» ولفت إلى أنه «ونظرا لرؤيتنا بعودتهم، كانت الحماية المؤقتة، ولكن مراعاة النظام العام والقوانين أمر هام». وأوضح «من المهم أن يتلقى الأطفال والمواليد تعليما جيدا عندما يعودون تكون عودتهم كمحبين لتركيا ليعودوا كأصحاب مهن وحرف، هذا هدفنا في توفير الانسجام في المجتمع بدمج الناس بالقوانين التركية، ونظامها، ومراعاة ذلك». بحسب ذات المصدر. وتابع «ما نطلبه وننتظره هو تعلم اللغة التركية، وهي لغة مهمة، ولغة الدولة، وتقوي الدولة، وكل السوريين يرغبون بتركيا القوية، ونحن نطلب منهم تعلم اللغة التركية بأقرب وقت».

بين المعارضة التركية والاحتقان

الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، قال من جانبه لـ «القدس العربي»: اعتقد مسألة اللاجئين السوريين والتي تثار من المعارضة التركية بشكل مستمر منذ فترة، وأصبحت ورقة رابحة لهم بالإضافة إلى حالة الاحتقان في الشارع التركي، تعد أحد الموضوعات التي سيكون لها تأثير على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى في حزيران/يونيو 2023. الحكومة التركية التي يتزعمها الرئيس اردوغان تحاول قطع الطريق أمام المعارضة لتوظيف هذه الورقة ضدهم في الانتخابات المقبلة وطرحت مشروعا يجري الإعداد له يسمح بعودة طواعية لمليون لاجئ سوري إلى المناطق الآمنة في شمال سوريا لتخفيف حالة الاحتقان في الشارع التركي وذلك قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات.

لكن الواضح بأن ملف اللاجئين السوريين في تركيا يشهد منذ فترة موجة جديدة من الشد والجذب بين الحكومة والمعارضة مع تصاعد الضغوط من أجل ترحيلهم واستغلال بعض أحزاب المعارضة الملف للضغط على حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب اردوغان، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في حزيران/يونيو العام المقبل.

أما الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم، فقال لـ «القدس العربي»: لا شك بأن هناك اختلافا كبيرا في التعامل مع اللاجئين السوريين في تركيا بسبب تغير المزاج الشعبي عما كان عليه في بداية النزوح السوري لتركيا.

ما يجري الآن ليس حالة طبيعية، بسبب تسييس هذا الملف وتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات والمشاكل التي تمر بها تركيا من قبل بعض الأطراف السياسية، وهناك مبالغة كبيرة في تحميل اللاجئين السوريين أعباء المشاكل الاقتصادية والسياسية التركية.

هناك تأثيرات إيجابية وسلبية مختلطة للوجود السوري في تركيا، والأرقام التي يتم الحديث عنها عن إنفاق الدولة التركية مبالغ كبيرة تصل لـ 40 مليار دولار في العام 2019 ليست دقيقة وتمت إساءة فهمها، فهي تشمل الأموال المنفقة في سوريا وتركيا من قبل المنظمات الإنسانية، والتي تأخذ الجزء الأكبر من تمويلها من المانحين الدوليين، مصير السوريين في تركيا مجهول للأسف، وباب الاحتمالات فيه مفتوح، وبات هذا مبعث قلق كبير للسوريين في تركيا.

المصدر: الشرق الأوسط - الكاتب: حسام محمد