حين يمتزج الشعر بالأسطورة.. تأملات في دواوين أحمد برقاوي

"حين يمتزج الشعر بالأسطورة" تأملات في دواوين "أحمد برقاوي"
مصدر الصورة: الإنترنت
مريم الإبراهيم – تفاصيل برس

"أحمد برقاوي" الفيلسوف الشاعر، الذي يجمع بين عمق الفلسفة ورقة الشعر في دواوينه الأربعة الجديدة التي أطلقتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود""إله الريح" "أحمد"_"أحوال النهر"،_و"آيات ذو الشرى"،في هذه الدواوين، لا يقدم برقاوي مجرد قصائد، بل يفتح أبواباً إلى عالم مفعم بالتأملات الفلسفية والشعرية، حيث يختلط الوجود بالأسطورة، وتختلط الحقيقة بالخيال، في رحلة تتجاوز حدود الزمن والمكان.

من هو أحمد برقاوي؟


الفيلسوف الشاعر "أحمد برقاوي" هو مفكر نحت اسمه في الفلسفة والشعر على حد سواء، وُلد في مدينة الهامة غرب دمشق لأبوين فلسطينيين من طولكرم، ودرس في دمشق حيث أصبح رئيس قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق، لم تكن حياته الفكرية مجرد محاضرات أكاديمية، بل كانت رحلة بحث عن المعنى في كل شيء، من الفلسفة إلى الشعر، يسير برقاوي بخطى ثابتة نحو الكشف عن أسرار الحياة والوجود.

"حين يمتزج الشعر بالأسطورة" تأملات في دواوين "أحمد برقاوي"

أطلق برقاوي العديد من الكتب الفلسفية والفكرية التي تجسدت في مجالات عدة، منها الفلسفة العامة، والتنوير، والعلمانية، لكنه في دواوينه الشعرية يبدو أنه يعود إلى البدايات، حيث الكلمة تحمل في طياتها روحًا جديدة، وتطرح تساؤلات لا نهاية لها، في دواوينه الأربعة، نجد هذا التناغم بين الشعر والفلسفة، بين الأسطورة والواقع، حيث يعيد برقاوي تشكيل العالم من جديد، ويقدم لنا رؤية شعرية فلسفية تحمل في طياتها تجربة إنسانية عميقة.


فلسفة في شكل شعر

عندما تقرأ برقاوي، تدرك أنك أمام كاتب لا يُكتب شعره للقراءة السطحية، كل قصيدة تُحمل رسالة، ومضمونها لا يقل فلسفة عن كتاباته الفكرية، فهو يمزج بين تأملات الفلاسفة القدماء وأسئلة الإنسان المعاصر، في ديوانه "أحمد"، يظهر البطل كالنهر، نهر من الأسئلة التي لا تعرف السكون. تسير قصائده كجداول تتدفق بالأفكار والشكوك، تتحدى كل اليقينيات، وتعيد صياغة مفاهيمنا حول الذات والآخر، حول الوجود والمعنى. "وقالت العرافة لأمي: ستلدين نهرًا اسمه أحمد.."، هذه الجملة البسيطة تحكي قصة الحياة، حيث يولد الإنسان محملًا بأسئلة لا تنتهي، ويتدفق مثل نهر لا يعرف الراحة.


أسطورة الحياة

"آيات ذو الشرى" يعيدنا إلى الأساطير القديمة، لكن برقاوي لا ينقلها كما هي، بل يعيد بناءها بمنظور معاصر في هذا الديوان، يتأمل في الصراع الأبدي بين الخير والشر، بين القوة والضعف، يعكس هذا الديوان رؤية عميقة حول طبيعة الصراعات الإنسانية، سواء كانت داخلية أم خارجية، يتأمل في آلام الإنسان ومعاناته، ويطرح أسئلة حول معنى الحياة والموت. "يا أبناء الحب والحرية والحياة، اكتبوا آلامكم وأحزانكم..."، يدعو برقاوي من خلال هذه الكلمات الجميع إلى مواجهة الألم بدلًا من الهروب منه، إلى الكتابة عنه كجزء من عملية التحرر الذاتي.

الحرية المطلقة

أما في "إله الريح"، فنحن أمام شخصية إلهية، رمزية، تحلق في فضاء لا نهائي، عاشقة للحرية بلا قيود الريح، في هذا الديوان، ليست مجرد عنصر طبيعي، بل هي تمثيل رمزي للحرية المطلقة، الإله في قصائد برقاوي يتحدى الزمن، يرفض القيود، ويعيش بلا نهاية. "إله الريح لا يموت... ويحمل بين أجنحته زوادة لا تنتهي"، عبارة تفتح لنا بابًا للتأمل في ما هو أبعد من العالم المادي، وتدعونا إلى التفكير في الحرية كحالة وجودية، كمفهوم لا يعترف بأي حدود.


بين الماضي والمستقبل

الديوان الرابع "أحوال النهر" يغوص في الذات الإنسانية، حيث يترك الإنسان الماضي خلفه ويتحرر من قيود الأحلام الضائعة، في هذا الديوان، يتجول القارئ مع برقاوي بين قبور الأوهام، يواجه أشباح الماضي، ويبحث عن الذات الحقيقية بعيدًا عن الأوهام التي رافقته في مراحل حياته "مررت، وأنا في طريقي إلى النهر، بمقبرة الأوهام الواسعة.."، إنها صورة شاعرية تمزج بين الألم والتحرر، بين الماضي والمستقبل، وتعيد تأملنا في فكرة الزمن والتجربة.

إن قراءة أحمد برقاوي ليست مجرد تجربة شعرية، بل هي رحلة تأملية في الذات والوجود، في الحرية والموت، في الشك واليقين، دواوينه الأربعة تمثل انعكاسًا لعقود من التفكير والتأمل، وتحمل بين طياتها مزيجًا من الفلسفة والشعر، لتقدم للقارئ تجربة فريدة تأخذه بعيدًا عن اليومي والمألوف، إلى عوالم جديدة من التساؤل والتمرد.

 أحمد برقاوي ليس مجرد فيلسوف أو شاعر، بل هو صوت ينبض بالحياة والحرية، يترك وراءه قصائد كأنها نهر لا يعرف التوقف.