مدينة القصير.. تاريخ عريق وإمكانات زراعية وتجارية
يعود تسمية مدينة "القصير" بهذا الاسم إلى أنها كانت في القديم مرتعا للغزلان، وقيل إن اسم "القصير" تصغير لكلمة "قصر"، والمقصود قصر أسرة "مردم بك" الذي كان يعمل فيه آل عوض وآل الخطيب.
تبعد هذه المدينة عن مدينة حمص غربا حوالي 35 كم، وعن الحدود اللبنانية 15 كم، وهي في أغلبها أرض سهلية لا تتخللها ارتفاعات كثيرة، و تتميز بمساحتها الكبيرة، وقربها من نهر العاصي، وكثرة القرى التابعة إدارياً لهذه المدينة.
كما كانت قديما محطة مهمة في خط السكك الحديدية التي تربط سورية بلبنان، من خلال سكة حديد "رياق حلب"، ولكن بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 توقف العمل بهذا الخط.
ويعد موقع القصير على طريق حمص-بعلبك الدولي استراتيجياً، منح المدينة أهمية مضاعفة لربطها البقاع اللبناني بمحافظة حمص وسط سوريا عبر معبر جوسية.
وتشكل الموارد الطبيعية المحيطة بالقصير عاملاً أساسياً في حياتها الزراعية. حيث تعتبر الأراضي الخصبة المحيطة بالمدينة، بفضل نهر العاصي والينابيع المتدفقة، من أهم العوامل التي ساعدت في تحقيق استدامة النشاط الزراعي. كما كان الاعتماد على الزراعة التقليدية يشكل جزءًا كبيرًا من اقتصاد المدينة.
ويوجد في "القصير" العديد من المواقع الأثرية المعروفة وغير المعروفة، منها ثلاث طواحين مائية تعود للعهد البيزنطي الأول، كذلك يوجد "تل النبي مندو" أو ما يسمى "قادش"، على بعد 5 كيلومترات إلى الغرب من مدينة القصير، والتي شهدت معركة قادش الثانية بين الفراعنة والحثيين والتي وقع بموجبها أول معاهدة سلام موثقة في التاريخ، في عام 1269 قبل الميلاد، من قبل هاتوسيلي الثالث، ملك الحثيين، ورمسيس، فرعون مصر. كانت المعاهدة بمثابة نهاية لحرب طويلة بين الإمبراطورية الحيثية والمصريين. (1)
وحديثاً تم اكتشاف مغارة "زيتا" بريف القصير، التي تمتد نحو الداخل لمسافة 150 م بمناظر رائعة من الصواعد والنوازل والأحجار ذات الأشكال الفريدة وتعود للفترة التاريخية 80 مليون سنة قبل الميلاد وذلك حسب تقرير الدراسة الجيوفيزيائية وتقرير مدى حالة الأمان اللذين قامت بوضعهما الهيئة العامة للاستشعار عن بعد.
تشتهر المدينة بمبانيها التقليدية التي تعكس العمارة الريفية السورية، حيث كانت بيوت الطين والحجر هي السائدة. ومن المعالم الأثرية البارزة في القصير وجود عدد من الكنائس القديمة والمساجد التي تحمل طابعاً معمارياً مميزاً، وهو ما يعكس التنوع الثقافي والديني الذي شهدته المدينة عبر العصور. ومن أبرز الكنائس الموجودة في القصير هي كنيسة القديس يوحنا المعمدان، التي تعود إلى العصور البيزنطية، وكانت تشكل رمزًا للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في المدينة.
من الناحية الثقافية، كانت المدينة تشتهر بالاحتفالات الشعبية والمناسبات الاجتماعية التي كانت تجمع الناس من مختلف الأعمار. وكانت المناسبات الدينية والأعراس المحلية فرصة لتجمع العائلات وتوطيد العلاقات الاجتماعية. كما كان هناك اهتمام خاص بالموسيقى التقليدية، حيث كانت القصير مكانًا يحتضن الفنون الشعبية كالغناء والدبكة التي كانت تشكل جزءًا من الهوية الثقافية لسكانها.
الخلاصة:
مدينة القصير، بما تمتلكه من تاريخ عريق وإمكانات زراعية وتجارية، قادرة على استعادة مكانتها كمدينة محورية في ريف حمص الجنوبي. ورغم ما عانته خلال السنوات الماضية، إلا أن إعادة إعمارها تُعد خطوة نحو تحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة. في يوم المدن العالمي، تمثل القصير مثالاً على الأمل والتحدي، ورمزًا للصمود أمام الصعوبات التي تواجه المدن حول العالم.