آلاء كريم تكتب.. أولئك الذين تمنيت لو بقيت بعيداً عنهم

آلاء كريم تكتب.. أولئك الذين تمنيت لو بقيت بعيداً عنهم
مصدر الصورة: تفاصيل برس
آلاء كريم - تفاصيل برس

قد نجد في حياتنا من الأشخاص من يجذبنا لمعرفة جوانبهم وحقيقتهم، حتى أن الفضول قد يدفعنا للتعمق في دواخلهم، لنكتشف عوالمهم ونفوسهم عن قرب. لكن أحياناً، بعد تلك المعرفة، ينمو بداخلنا شعور بالندم، شعور يوحي بأننا ربما كنا في راحة لو بقينا على بُعد، نراهم فقط من بعيد دون الاقتراب، فنحافظ بذلك على صورة مثالية لهم، صورة لا تُعكرها التفاصيل الدقيقة التي تفصح عنها تلك المسافة القريبة.

يقول الفيلسوف الإغريقي سقراط: “اعرف نفسك”، لكن لعل المعرفة ليست حكراً على الذات فقط، بل تمتد لتشمل الآخرين. هذه المعرفة هي سيف ذو حدين؛ فقد تمنحك قوة الفهم، لكنها قد تجرحك بتفاصيل لم تتوقعها. فالأشخاص الذين يكذبون، والذين يلبسون قناعاً زائفاً ليخفوا حقيقتهم، يشتركون في صفات تجعلهم يفتقرون إلى الاتساق والصدق. كثيراً ما نجدهم متهربين من الإجابة المباشرة، يحرفون الكلام عن مساره، ويضيعون النقاط الواضحة تحت سيل من الحديث الملتوي.

فالكذب، كما قال الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، هو ضد طبيعة العقل والعقلانية، فهو ينافي المبادئ الأساسية للصدق التي تُبنى عليها كل أشكال التفاعل الإنساني السليم.  ومع ذلك، يبرع هؤلاء الأشخاص في الكذب إلى حد يجعلهم يقدمون تفسيرات لا تبدو منطقية لكنها قد تُقنع من يحكم عواطفه على حساب عقله.

الكاذبون.. صفات مشتركة وأسلوب مُتكرر

يمتلك الكاذبون سمات مشتركة تكاد تتكرر في كل زمان ومكان. أولها النسيان، حيث أن الذاكرة لا تحتمل ثقل الأكاذيب المتراكمة، ما يجعلهم يقعون في التناقضات سريعاً. ومن ثَم، يلجأون إلى أساليب أخرى مثل التحوير، إذ يبدأون بتشتيت الموضوع وتضييعه كلما شعروا بأن الحقيقة أوشكت على الانكشاف.

وإذا واجهتهم بأسئلة مباشرة، تجدهم يلجأون إلى العصبية، يثورون ويغضبون محاولين إبعادك عن المسار، كأنما الغضب برهانهم الوحيد، يقول المفكر جان بول سارتر: “الغضب هو الحل الضعيف لأولئك الذين لا يجدون جواباً”. ويُضاف إلى ذلك محاولاتهم الدائمة لتقديم حجج واهية وإلباسها ثوب المنطق، في حين أنها تخلو من أي عقلانية، يلتفون حول الموضوع بأفكار سطحية تبدو قريبة من الفلسفة لكنها بعيدة كل البعد عن المنطق السليم.

لماذا ينخدع الناس بالكاذبين؟

السؤال هنا: لماذا ينخدع بهم البعض؟ الإجابة ببساطة تكمن في العاطفة؛ فالأشخاص الساذجون الذين يحكمون قلوبهم قبل عقولهم هم أكثر عرضة للسقوط في شباك الكاذبين. وقد قال أفلاطون: “العاطفة هي العدو الأول للحقيقة”، فالعاطفة تعمي البصيرة وتضعف قدرة العقل على التفريق بين الصدق والزيف.

هذه السذاجة العاطفية تجعلهم يتقبلون حتى أكثر الأكاذيب سخافة، ما دام الكاذب قد قام بتغليفها بأسلوب يبدو عاطفياً أو يجعلهم يشعرون ببعض الراحة، ولو كان زائفاً. هؤلاء الأشخاص يعطون ثقتهم بسهولة ويتوقعون من الجميع النزاهة التي يحملونها في قلوبهم، ولكن الحياة ليست دائماً بنفس النقاء.

فلسفة العلاقة بين الذات والآخر

الاقتراب من الناس، كما نراه من منظور فلسفي، تجربة تعري الروح، سواءً روحك أو روح الآخر. فمن عرف الناس على حقيقتهم، وتجاوز السطح إلى العمق، هو من يعي جيداً أن هذا العمق ليس دائماً جميلاً. أفلاطون في محاوراته يناقش فكرة أن إدراك حقيقة النفس والآخرين يحتاج إلى حكمة، فليس كل من اقترب نجح في الحفاظ على صورته النقية للآخر، وليس كل من ابتعد فشل في فهم الناس.

لكن الحكمة الحقيقية ربما تكمن في قدرتنا على التمييز، في أن نعرف متى نبقي مسافة تتيح لنا الرؤية دون التورط، متى نتوقف عن الاقتراب حتى لا نكتشف عيوباً لن نتحملها.

الوسوم