المرأة السورية تحت الظلال الثقيلة: نحو أفق جديد

المرأة السورية تحت الظلال الثقيلة: نحو أفق جديد
مصدر الصورة: الإنترنت
براء الجمعة - تفاصيل برس

في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، يقف العالم للتأمل في معاناة النساء ومحاولاتهن المستمرة للتحرر من الظلم والعنف. هذا اليوم ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو دعوة للوقوف مع النساء اللاتي يعانين من القهر والاستبداد، وإعادة النظر في الهياكل الاجتماعية والثقافية التي تسهم في تكريس هذا العنف.

بالنظر إلى المرأة السورية، نجد تاريخاً حافلاً  بالتحديات والنضال، من عصورٍ سابقة كانت فيها المرأة رمزاً للقوة والتأثير، إلى عقودٍ من التهميش والاستبداد جعلت أكبر طموحاتها أن تحظى بحياة كريمة. في الوقت الحالي، ومع تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية، أصبحت المرأة السورية تواجه مستويات مضاعفة من القمع، ليس فقط كأنثى، بل كإنسانة تعيش في ظل منظومات استبدادية.

لكن الحرية، بمفهومها الشامل، ليست مطلباً نسائياً فقط، إنها ضرورة مشتركة لتحرر كل فئات المجتمع. ففي سوريا المستقبل لن يكون هناك تقدم حقيقي إلا إذا تحررت المرأة والرجل على حد سواء من قيود الاستبداد والقهر، وعملوا معاً لبناء مجتمع قائم على العدل والكرامة.

المرأة والرجل في سوريا المستقبل

في سوريا التي نحلم بها، سيكون مبدأ العدالة بين الجنسين حجر الزاوية لبناء مجتمع حر وديمقراطي. هذه العدالة ليست مجرد شعارات نظرية، بل هي قيمة أساسية تضمن أن يحصل كل فرد، رجلًا كان أو امرأة، على فرص متكافئة لتحقيق إمكاناته.

القيم الإنسانية مثل الحرية والكرامة ليست حكراً على أحد. إنها معايير يجب أن تحكم الجميع بغض النظر عن النوع الاجتماعي. فكل إنسان، رجلاً كان أو امرأة، يمتلك خصائص فردية وقدرات مميزة، وهذه الفروق لا تُلغي الحاجة إلى مناخ عادل يضمن للجميع الفرصة للتميز والمشاركة الفاعلة في بناء الوطن.

في سوريا المستقبل، لن يكون هناك تنافس بين الرجل والمرأة، بل سيكون هناك تعاون مشترك من أجل تحقيق نهضة مجتمعية شاملة.

الحرية كشرط أساسي لتطور المرأة

الحرية ليست رفاهية ولا مطلباً هامشياً. إنها شرط أساسي لتمكين المرأة من استعادة دورها الفاعل في المجتمع. لكن مفهوم الحرية يتجاوز الصور النمطية التي تختصرها في مجرد التحرر من القيود التقليدية. الحرية هي قدرة المرأة على أن تكون نفسها، أن تختار طريقها، وأن تُعيد تشكيل هويتها بعيداً عن القيود التي فرضها الاستبداد.

تحرر المرأة لا ينفصل عن تحرر الرجل. فكلاهما يعيش في مجتمع يعاني من عقلية القمع والسيطرة. عندما يتحرر الرجل من هذه العقلية، يصبح شريكاً حقيقياً للمرأة في بناء مجتمع عادل، ويصبح الوعي الاجتماعي هو الأساس الذي يُبنى عليه هذا التحرر المشترك.
في سوريا المستقبل، ستكون الحرية المناخ الذي يسمح للمرأة بإعادة اكتشاف ذاتها، لتكون شريكة في كل مجالات الحياة، من السياسة إلى الاقتصاد، ومن التعليم إلى الإبداع الفني والثقافي.

أثر الاستبداد على المرأة السورية

لقد لعب الاستبداد دوراً رئيسياً في تكريس أدوار محدودة للمرأة السورية، حتى باتت تُختزل في أدوار خادمة ممتعة أو أم مطيعة. هذه الصورة النمطية لم تكن مجرد نتيجة للثقافة المجتمعية، بل كانت أداة سياسية استُخدمت لتقليص دور المرأة وحصرها في زوايا محدودة.

الآثار النفسية والاجتماعية التي لحقت بالمرأة نتيجة القمع كانت كارثية. فالمرأة التي تُقمع يومياً تفقد ثقتها بنفسها، وتشعر بأنها أقل قدرة على تحقيق ذاتها. أما على المستوى الاجتماعي، فقد ساهم القمع في تشويه العلاقات بين الرجل والمرأة، وتحويلهما إلى خصمين بدلًا من شريكين.

هذا التشوه لم يقتصر على النساء، بل أصاب المجتمع بأسره. فالرجال أيضاً كانوا ضحايا نظام قمعي غرس فيهم مفاهيم خاطئة عن القوة والسيطرة، مما أدى إلى تعزيز دائرة الاستبداد والعنف.

نحو إعادة ابتكار المرأة لذاتها

رغم كل هذه التحديات، لا تزال المرأة السورية تحمل في داخلها قدرة هائلة على النهوض. التعليم والوعي والعمل المجتمعي هي الأدوات التي يمكن أن تُعيد للمرأة مكانتها، وتمنحها الفرصة لتكون عنصراً فاعلًا في بناء سوريا الجديدة.

هناك العديد من الأمثلة على نساء سوريات نجحن رغم كل التحديات. من الناشطات الحقوقيات إلى المبدعات في مجالات الأدب والفن، ومن النساء اللواتي أعَلْنَ أسرهن وحدهن إلى العاملات في أصعب الظروف، كل واحدة منهن هي رمز للأمل وللإرادة التي لا تُقهر.

الحرية ليست مطلباً نسائياً فحسب. إنها شرط أساسي لنهضة المجتمع بأسره. فعندما تتحرر المرأة، يتحرر الرجل، ويتحرر المجتمع من قيود القمع والاستبداد.

في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ندعو جميع أفراد المجتمع السوري إلى تبني مفهوم شامل متكامل للحرية. حرية تبدأ بتغيير المنظومة الفكرية والثقافية التي تدعم الاستبداد، وتنتهي بمجتمع يحترم كل أفراده.

المرأة السورية في سوريا المستقبل لن تكون مجرد شريكة في الوطن، بل ستكون أساساً في بنائه. ولكن هذا لن يتحقق إلا إذا توفرت لها الحرية والكرامة، المناخ الذي يسمح لها بإعادة تشكيل ذاتها، واستعادة إنسانيتها التي فقدتها في ظل القمع والاستبداد.

الحرية ليست مجرد حلم. إنها ضرورة. ومن أجل سوريا حرة ومستقبل كريم، علينا أن نعمل معاً، رجالًا ونساءً، لتحقيق هذه الحرية.