د. رياض نعسان أغا: حول عودة اللاجئين السوريين

د. رياض نعسان أغا: حول عودة اللاجئين السوريين
ملكية الصورة: الإنترنت
صحيفة الاتحاد - د. رياض نعسان أغا 

مع انتهاء مؤتمر عودة اللاجئين إلى سوريا الذي انعقد يوم 11نوفمبر الجاري برعاية روسية وبغياب ممثلين عن أهم دول اللجوء المعنية، ظهر انطباع لدى اللاجئين بعدم جدية الدعوة إلى العودة. وتساءل اللاجئون الذين يتمنون أن يأتي يوم يتمكنون فيه من العودة إلى بلدهم، إلى أين سنعود؟ ما الذي تغير لنشعر بالأمان؟ لقد غفل المؤتمر عن هذه الأسئلة الواقعية، ولم يقدم إجابات. وعلى افتراض حسن الظن بالرغبة الروسية بإعادة اللاجئين وإنهاء معاناتهم في المغتربات.

 

ومن المعلوم أن ظاهرة اللجوء الشعبي السوري إلى الدول المجاورة بدأت في شهر مايو 2011، قبل أن تتحول التظاهرات السلمية إلى حالة الصراع بين طرفي السلطة والمعارضة. آنذاك لم يكن ثمة وجود لتنظيمات دينية أو متطرفة، والمتابعون يعرفون أن ما حدث في مايو من هجوم على منشقين في كفرعويد وكنصفرة في جبل الزاوية أسفر عن مقتل أكثر من 280 رجلاً وامرأة، وتسبب بأول نزوج جماعي ولجوء إلى تركيا أولاً. وبوصفي شاهداً على الحدث، قدمت اقتراحاً بعد أول موجة هجرة بأن يذهب وفد سوري رسمي وشعبي إلى تركيا لإقناع الهاربين من القتل بالعودة إلى وطنهم آمنين، وقد وجهت هذه الدعوة في مقال صحفي، ثم في صفحات التواصل، وبدل أن ألقى استجابة حكيمة، هاجمني عدد كبير.

وثمة إحصاءات دولية لتزايد أعداد اللاجئين يومياً قبل ظهور «الجيش الحر» أو سواه من الفصائل. وبالطبع تضاعفت الأعداد حين دخل الصراع مرحلته العسكرية. والمهم أن أكثر من نصف الشعب السوري بات مهجراً، ومع مرور عشر سنوات تمكن عدد كبير من المهجرين تحقيق نوع من الاستقرار، ولاسيما أولئك الذين هاجروا إلى أوروبا، وحاز كثير منهم على جنسيات البلد المضيف، وتمكن كثير منهم من إيجاد فرص عمل، ودخل أبناؤهم المدارس وبعضهم تابعَ المراحل الجامعية، ونخب عديدة من السوريين تمكنت من تحقيق تفوق وحضور اجتماعي راقٍ، وبات صعباً على الآباء إقناع أبنائهم (المجنسين) بالعودة إلى وطن لا يزال يعاني من ويلات شديدة، وأما الذين لم يتمكنوا من تحقيق نجاحات تؤهلهم للبقاء في دول اللجوء، فهم على سوء أوضاعهم ينعمون بالحرية والأمان والأمل بتحسن ظروفهم. ولكن فريقاً ضخماً من اللاجئين إلى لبنان يعانون ظروفاً قاسية جداً، وغالبيتهم هم من هجّرهم «حزب الله»، حين احتل مناطقهم في القصير والقلمون، والمناطق القريبة من لبنان ورفع فيها شعاراته الطائفية، التي كانت سبباً في ظهور رد فعل من ذات النوع، ويبدو غير ممكن أن يعود هؤلاء ليسلموا رقابهم للحزب الذي قتل أبناءهم ودمر بلدانهم وقراهم وهجرهم، لأن «حزب الله» لا يزال محتلاً لمناطقهم ومتحكماً فيها، والمنطقي أن يخرج «حزب الله» من بلدهم ويعود إلى لبنان، كي يعودوا إلى وطنهم سوريا.

 

وأما النازحون من داخل سوريا إلى مناطق الشمال السوري، فقد أهملت قضيتهم وهم يعدون بالملايين، ولا يزالون يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بلا غذاء أو دواء أو تعليم لأبنائهم، وهم لا يزالون يعانون فقدان الأمن والأمل معاً. ومع دخول الشتاء القاسي، تزداد معاناتهم، وقد انخفض مستوى الإغاثة والدعم الدولي، وهؤلاء ينتظرون ظهور حل سياسي ينهي معاناتهم ويعيدهم إلى بلدانهم. إن أي بحث عن عودة اللاجئين وعن بدء الإعمار دون حل سياسي شامل هو عمل بلا جدوى، ومجرد ملء للفراغ بالفراغ ذاته.