عملت ودرست وتفوقت.. ديالا هلال تروي لـ "تفاصيل" قصتها مع النجاح
لم تكن تركيا هدفا دائما للبقاء لي ولعائلتي، كحال كل السوريين، فكل ماكنا نريده حين خرجنا من مدينتي الحبيبة، معرة النعمان، هو علاج أخي الذي تصوب في الحرب. حتى أننا لم نستأجر بيتا، بل أقمنا في بيت عمتي. إلى أن مضت سنة كاملة ونحن نأمل أن تنتهي الحرب ونعود لبيتنا.
لم نكن نعلم إلى متى سنبقى، كل شيء كان مجهولا، لا مدارس ولا مراكز لتعليم اللغة ولا شيء لنفعله. فكل من كان يأتي لتركيا، كان ينتظر فقط.
سنة كاملة خسرتها، إلى أن التحقت بمدرسة ليبية، ونلت المرتبة الثانية بشهادة البكلوريا، لكن صدمة إلغاء الاعتراف بالشهادة الليبية، كانت قوية، فاضطررت لأن انتظر سنة أخرى بين تعلم للغة التركية، وحزن وتفكير في مستقبلي، لأخسر سنة أخرى أيضاً.
سنتان مضيتا بين تعلم اللغة و اعتراف بالشهادة الليبية، والتحقت بالجامعة فرع الهندسة المدنية، في جامعة العثمانية.
الصعوبات الأولى والفشل
السنة الأولى لي في الجامعة، كانت الأصعب حقا، فاللغة التي تعلمتها مسبقا، كانت قد هيأتني فقط للحديث في الشارع وتلبية احتياجاتي اليومية، فالمستوى اللغوي لدي لم يرقى سوى لمرتبة جيد، لا أكثر. له>ا يمكن أن أعتبر ه>ه السنة سنة فشل تام، فلم أستطع أن أحصل معدلا جيدا بها، فطريقة دراستي كانت خاطئة، وضاع أغلب وقتي في الترجمة، ومحاولة الفهم، عدا عن أن طريقتي في الدراسة كانت مختلفة وخاطئة، لأن لغتي لا تعينني على الفهم الجيد للمطلوب، وكان هذا يحدث أيضا حتى في ترجمة أسئلة الامتحان، فلم يكن لدي الوقت للترجمة والحل.
تحدي الذات والتركيز
في السنة الثانية، فكرت بطريقة مختلفة، فحاولت أن أطور من نفسي، خاصة أني كنت أتوتر كثيرا في الامتحان، وهذا حدث معي فقط في السنة الأولى، إلى أن تعودت، وتغلبت على توتري في السنوات اللاحقة. خاصة أني بدأت بالتفكير بنقاط ضعفي وتجاوزها، وفعلا حققت معدلا جيدا فيها.
السنة الثالثة، كانت المفاجأة، فقد حققت معدلا تاما في بعض المواد، وتفوقت على دفعتي بأكملها، رغم أن هذه السنة من أصعب سنوات الجامعة كما يعرف بقية الطلاب. حيث يسمونها (مقبرة الهندسة) حيث كانت تحتاج لتركيز قوي. لكن تأثير السنة الأولى بقي يرافقني وبؤثر على معدلات السنوات التالية.
في السنة الرابعة كان مشروع تخرجي للفصلين، حيث نلت فيه معدلا تاما، إضافة إلى بقية المواد. لأكسب التحدي الذي تحديت به نفسي، وأٌقلب الأمور عكسها.
كان درسا كبيرا لي في التحدي، فالأمور التي بدأت بالإحباط، والفشل، ها هي الآن تنتهي بالتفوق والنجاح، فطالما كنت أسال نفسي، ما لذي يمنعني، أن أكون متفوقة كغيري، فالأمر لم يتطلب مني سوى تنظيم للوقت، ومضاعفة الجهد، والتركيز، والمثابرة.
العمل والدراسة معا
وفضل كبير لجدي "رحمه الله" السند الأكبر، حيث كان يمدني بكل ما ينقصني، حين كنت أحتاج، وخاصة أني كنت أمول دراستي بنفسي، فلم أستطع الحصول على منحة لتعينني في دراستي كبقية الأصدقاء. فكنت أعمل صيفا لأسند نفسي ماديا في الشتاء.
إضافة إلى عملي في منصات اكاديمية أون لاين، في تعليم بعض المواد للطلاب. وكان هذا صعبا عليَ.
المواقف التي لا تنسى
لا أنسى كل الليالي التي بكيت فيها، الساعات التي سبقت الامتحان، وتوترت فيها، وأحبطت، كما لا أنسى أيضا مواقفي مع كل من دعمني ولو بكلمة، ولا أنسى أيضا كل من أضحكني وضحك معي. و شد من عزيمتي.
ولا أنسى أيضا السنة الأولى، واليوم الأول، ومحاضرتي الأولى التي حضرتها في قسم هندسة الطاقة، بدل الهندسة المدنية، ظنا مني أنه قسمي مدرجي، إلى أن أردت أن أوقع على الحضور فاكتشف، وجودي الخاطئ في كل ما سبق، كان لدي كنز كبير من الأصدقاء والأهل، كانوا الاكثر دعما لي، فالسنة الأولى تطلبت مني الكثير من الصبر والقوة، فكان أهلي وأصدقائي السند الأكبر لي في دمعهم، ووقوفهم بجانبي، وتعزيز الثقة بالنفس لدي. فلولاهم لما كنت أنا عما عليه الآن.
وأخيرا أشعر بالفخر، بالفخر بنفسي، بأهلي، بأصدقائي، بالناس التي فرحت معي. بالسوريين الذين تفوقوا جميعا، بعد تضحيات كبيرة مشابهة لتجربتي وربما أصعب.