شبح درعا يخيّم على الشمال السوري

شبح درعا يخيّم على الشمال السوري
انترنت
عنب بلدي

يخيّم شبح درعا على الشمال السوري بعد الأنباء عن محادثات سرية بين روسيا وتركيا، وبعد تصريحات وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، حول التقارب مع نظام الأسد والترحيل المحتمل للاجئين السوريين من تركيا.

كفلت روسيا الاتفاقات بين النظام والمعارضة في درعا، وقدمت ضمانات كاذبة، تسببت بتسليم درعا للنظام 2018، الذي انقلب على شروط المصالحات، وجعلها مرتعًا لأجهزة النظام ذات السمعة السيئة، من “الفرقة الرابعة” إلى أجهزة المخابرات المتعطشة للتنكيل بالسوريين.

بعد ثلاث سنوات من تلك المصالحات، وجدت السلطات الأردنية نفسها في ورطة مع الميليشيات الإيرانية التي تفرغت لرعاية إنتاج وتهريب المخدرات عبر الحدود مع الأردن، حتى إن “غرفة الموك” الأمريكية التي كانت تدير مساعدات “الجيش الحر” في سوريا، انتهت معداتها إلى أيدي عصابات المخدرات التي يديرها الإيرانيون مع رجالات نظام الأسد، وذلك بعدما دفعت “الموك”، بالتعاون مع روسيا، السوريين للقبول بتلك المصالحات على أمل أن يفتح النظام علاقاته مع الدول الخليجية بدلًا من إيران، وكانت دولة الإمارات هي الأكثر حماسة لتلك المصالحات، بالإضافة إلى الأردن الذي راح يسوّق إعادة تأهيل الأسد في واشنطن.

يطالب النظام والروس الأتراك بتسليم إدلب مقابل أن تسيطر روسيا على الحدود التركية- السورية مع قوات النظام المتهالكة، بدلًا من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التابعة لحزب “العمال الكردستاني” (PKK)، ما يعني عمليًا تسليم الحدود للميليشيات الإيرانية التي تسيطر على القوات البرية لدى النظام، وستكون هذه القوات أكثر قوة إذا تم رفع العقوبات عن إيران، وتحرير عشرات المليارات المحتجزة بعد الاتفاق المرتقب الذي يجري التفاوض عليه في فيينا.

وسبق لتركيا أن سهّلت السيطرة على حلب عام 2016 من قبل القوات الروسية والميليشيات الإيرانية والنظام، مقابل مصالح لها في أماكن أخرى كعفرين وتل أبيض ورأس العين، وتحولت حلب إلى مستعمرة إيرانية تتغلغل في أنحائها الميليشيات والبعثات التبشيرية الطائفية التي تسيطر على مخابرات وجيش النظام، فيما تعتبر السيطرة الروسية في حلب مقتصرة على بعض المواقع العسكرية.

تتحدث التسريبات عن شبه اتفاق تركي- روسي على ضمانات لعودة اللاجئين وحمايتهم، ولكن الحقائق والضمانات السابقة لم تكن ذات مصداقية، لا من قبل الروس، ولا من قبل الإيرانيين الذين يعتبرون السوريين المعارضين أعداء للنظام الإيراني، الذي يضع صبغة دينية على نهجه السياسي، ما يعني أنهم أشبه بالكفار، أو أعداء الحسين، أو هم أبناء يزيد، كما رددت ميليشيات إيران طوال السنوات السابقة في سوريا، وهذا ما يعادل الأوصاف التكفيرية “الداعشية” التي تلحق بالسوريين الذين يرفضون نهجها.

ورغم كل الغارات الإسرائيلية واستعراضات القوى، لم يتزحزح النفوذ الإيراني في سوريا قيد أنملة، بل سيتوسع مع التراجع التركي، وقد نجد يومًا أن الحدود التركية- السورية محكومة من قبل ميليشيات إيرانية وأفغانية وبقايا جيش النظام، ولن تكون تجارة المخدرات بعيدة عنها بعدما غمرت الحدود الأردنية بكثافة صارت تهدد استقرار الأردن، وستكون المخدرات حتمًا مصدر تمويل قوات النظام وميليشيات إيران على الحدود التركية.

السؤال الآن، ما مصير السوريين الذين تم ترحيلهم من درعا ومن ريف دمشق بالباصات الخضراء إلى الشمال السوري، هل سيتم احتجازهم وإعادة ترحيلهم إلى إحدى دول الجوار أم إعادة تأهيلهم في فروع المخابرات، والانتقام منهم ومن أفراد عائلاتهم بعدما رفضوا التوقيع على مصالحات 2018، وهل سيمرون على نفس الحواجز التي مثّلت بهم وأهانتهم أمام أطفالهم قبل عدة سنوات؟

لقد انخفض النفوذ التركي في سوريا منذ تسليم حلب للروس وللميليشيات الإيرانية، وسينخفض بشكل أكبر بعد تسليم الحدود للإيرانيين الذين يديرون جيش الأسد، ولن يكون أمام السوريين من حل إلا إعادة تنظيم أنفسهم، والكف عن تصديق الكلام المعسول الذي تقوله لهم الدول التي تتفاوض على مصالحها على حساب السوريين ومستقبل بلادهم.

لقد أثبتت السنوات العشر الماضية أن وعود الدول كانت مجرد أوهام، سواء بالنسبة للمعارضة التي سيطرت عليها تركيا ونقاط “الموك” الأمريكية وبعض الدول الخليجية، وكذلك بالنسبة للنظام الذي سيطر عليه الإيرانيون والروس، وجعلوا من قادته مجرد خدم لديهم يديرون مصالحهم في عقد الصفقات. والكثير من الأحزاب السياسية والائتلافات التي أُسست في ظل الوعود الدولية الخلابة، ليست سوى أدوات لتكرار أوهام متراكمة تزيد من مأساة السوريين وتسوقهم من جحيم إلى آخر.

التشبث بقرارات الأمم المتحدة وأهمها القرار “2254”، وفتح المجال السياسي أمام كل السوريين بعد طي صفحة النظام وجرائمه، هو المسار الذي قد يجلب السلام ويعيد الدولة السورية للسوريين.

فهل يبدأ السوريون مسيرة جديدة يحددون هم ضوابطها، ويعملون بإخلاص على تحقيقها، أم سيظلون مرتهنين لشبح الباصات الخضراء التي وصلت قبل سنوات من درعا ومن غوطة دمشق، وقد تقوم باصات مشابهة بنقلهم من تركيا إلى الحدود السورية لتستقبلهم الميليشيات الإيرانية وبقايا جيش الأسد مع حزمة جديدة من الوعود الروسية الكاذبة؟