زلزال سوريا.. فرصة "الدكتاتور" الثمينة للإجهاز على السوريين
رزق العبي - تركيا
الرابعة والربع فجر الاثنين الفائت وحين كان مئات الملايين بتوقيت الشرق الأوسط يغطّون في نوم عميق، صحى أولئك الناس على زلزال وُصف بـ "المدمّر" باستثناء "خالد الشاهين" وزوجته وجميع أفراد أسرته ظلّوا في نومٍ أبدي بعدما قضوا رِفقة ما لا يقلّ عن 2274 مدنيّاً في شمال غرب سوريا وحدها، بحسب آخر إحصائية رسمية نشرتها منظمة الدفاع المدني السوري، فيما أعلنت الحكومة السورية أنّ عدد الضحايا لديها بلغ 1414 مدنيّاً مستثنية بذلك ضحايا المناطق الخارجة عن سيطرتها.
ظلّت فرق الدفاع المدني وحيدة وسط ركام عظيم خلّفته هزّة أرضية بلغت 7.6 على مقياس ريختر، متّهمة الأمم المتحدة والكثير من دول العالم بالتخلّي عن السوريين في شمال غرب البلاد.
"الشاهين" وعائلته كانوا من بين 2170 شخصاً انتشلت "الخوذ البيضاء" جثثهم خلال أيام الزلزال، فيما انتشل باقي الجثث مواطنون محلّيون، وضعوا أيضاً آلياتهم الخاصة الخفيفة والثقيلة تحت تصرّف "الخوذ البيضاء" وفق ما أكّد رائد الصالح مدير المنظمة.
"الصالح" لم يُخفِ وفق سلسلة من التصريحات الصحفية، الصعوبات الكبيرة التي واجهت فرقهم أثناء عملية انتشال الجثث أو الجرحى، حيث قال: لقد كان الدمار هائلاً وكان يلزمنا معدّات ثقيلة تتعامل مع طبيعة وحجم هذا الدمار، كما أنه كان ينقصنا أجهزة متطورة منذ اليوم الأول للزلزال تكشف عن الأشخاص الأحياء تحت الأنقاض" في إشارة إلى الكاميرات بالأشعة تحت الحمراء، التي ترصد أعداد الأشخاص تحت كل بناء، وهو ما قد يسرّع عمليات الإنقاذ.
على مدار 7 أيام من الزلزال ظلّت الأمم المتحدة عاجزة عن تقديم يد العون للسوريين في شمال غرب البلاد، وجاء هذا باعتراف "مارتن غريفيث" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، حيث قال: إن المنظمة خذلت السكان في شمال غرب سوريا، في وقت كانت المساعدات الأممية والعربية والدولية تتدفق إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، مساعدات سرعان ما بدأ متنفّذون في نظام الأسد ببيعها في الأسواق وفق عشرات الصور التي تداولها ناشطون في دمشق وحلب.
ظلّت الأمم المتحدة تنتظر لأيام موافقة الحكومة السورية لفتح معابر جديدة لتسهيل دخول المساعدات، في وقت لا لم يعترف نظام الأسد أساساً بضحايا الزلزال في إدلب وريف حلب. إلى أن تمّ فتح معبري "السلام والراعي" وهو ما اعتبرته الخوذ البيضاء "منح الأسد مكاسب سياسية مجانية".
"الديكتاتور يسخر من السوريين"
بشار الأسد الذي وجد في "الكارثة" فرصة سانحة لكسر عزلته الدولية المفروضة منذ أكثر من عشر سنوات، ظهر عبر وسائل الإعلام الموالية له ضاحكاً متحدّثاً عما وصفه انتصار الميليشيات الإيرانية في شرق سوريا، كما أنّه في كثير من الصور كان يتجوّل في أماكن مهدّمة بفعل طيرانه والطيران الروسي لا بفعل الزلزال وفق ما اتّهمه سوريون.
مفيدة عنكير وهي صحفية وناشطة سورية قالت: من المرعب ما يحدث، لقد ظهر الدكتاتور وهو يضحك وهذا أمر فظيع والأفظع أنه خدع المنظمات الدولية التي هبّت لدعمه وأوهمهم بأن المباني التي أمامه هي مدمّرة بفعل الزلزال في حين أنّ الكثير منها بدا مدمر في وقت سابق بفعل طيرانه، ولدينا ما يُثبت ذلك بالصور المؤرشفة في وقت سابق.
إدلب.. خذلان جديد
يشعر ملايين السوريين في شمال غرب البلاد بخذلان كبير يرافقه تعويم واسع لبشار الأسد بعد سنوات من قتله للسوريين، حيث أنّ الكثير من الدول هبّت منذ اللحظة الأولى لمساعدة سوريا وفق قولهم لكنّ المساعدات كانت تصل إلى الأسد الذي بدوره يمنعها عن السوريين في شمال غرب البلاد، يرافق ذلك مماطلة في موافقته على فتح معابر لإدخال مساعدات لأولئك الناس الذين يفترشون حتى ساعة إعداد هذا التقرير العراء في ظروف مناخية قاسية.
وتضمّ منطقة إدلب وريف حلب، أكثر من 5 مليون سوريّ معظمهم من النازحين منذ سنوات تحت ضربات "الجيش السوري" الذي من إحدى مهامه حماية السوريين. ولا تصلهم سوى القليل من المساعدات الدولية، فيما وصلتهم من أبناء محافظة دير الزور عشرات قوافل المساعدات تمّ جمعها من الأهالي، الأمر الذي دفع ناشطين سوريين إلى وضع صندوق لجمع تبرعات من المنكوبين للأمم المتحدة، في إشارة لعجزها عن تلبية نداءاتهم التي لم تتوقف منذ وقوف الزلزال.
كما انتشرت صور على نطاق واسع، لمبانِ مدمّرة عليها العلم الرسمي للأمم المتحدة، وعبارات على الركام، كان أكثرها تأثيراً على قلوب السوريين عبارة "نحن متنا.. شكراً لخذلانكم".
الناشط والصحفي "محمد تعتاع" يسكن ريف إدلب نشر مقطع فيديو لصندوق زجاجي فوق ركام منزل مدمّر بفعل الزلزال، مكتوب عليه "نجمع التبرعات للأمم المتحدة" وداخل الصندوق بعض النقود من العملة التركية التي ستخدمها السّكان في شمال سوريا، تركيا التي وصل منها عبر معبر باب الهوى حتى مساء الثلاثاء 1366 جثة لمدنيين سوريين قضوا في الزلزال، وهو أيضاً ما تناسته حكومة الأسد، ويضاف إلى أعداد الضحايا في شمال غرب البلاد.
جثث بالمئات
في هذا السياق قال مازن علوش وهو موظف في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، في حديث خاص: إنّ المعبر استلم حتى الثلاثاء 1366 جثة لسوريين قضوا في تركيا"، مشيراً إلى أنّ الإحالات الطبية للمرضى من شمال سوريا إلى تركيا لتلقّي العلاج توقفت بسبب الضرر الذي لحق بالمستشفيات التركية في جنوب تركيا، وهو ما يجعل الوضع الصحي للكثيرين في شمال سوريا صعب للغاية.
بدورها تركيا فتحت المعابر، التي ظلّت مغلقة لأيام لتلبية المنكوبين، أمام السوريين الأحياء في تركيا لزيارة شمال غرب البلاد، لثلاثة أشهر، وهو ما يهدد باكتظاظ سكّاني متوقّع هناك، وسط مخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض، ومطالبات شعبية لتدخّل منظمة الصحة العالمية التي اكتفت بزيارة قصيرة، سبقها جولة طويلة رفقة بشار الأسد، حيث تجوّلوا معه في مناطق مدمّرة لم يصلها الزلزال أصلاً.
الطبيب "شاكر الحميدو" طبيب سوري مقيم في إدلب، دعا إلى تدخّل عاجل من منظمة الصحة العالمية لتلبية احتياجات المستشفيات والمراكز الصحية في شمال غرب البلاد، بسبب اكتظاظها بالسكّان ومخاوف من انتشار أوبئة، مع حاجة الآلاف لمتابعة يومية طبية لجرعات السرطان وأجهزة غسل الكلى.
وضع السوريين في تركيا التي أعلنت وصول أعداد القتلى الأتراك إلى أكثر من 30 ألفاً، ليس أحسن حالاً من سوريي شمال غرب سوريا، وسط تسجيل عشرات المواقف العنصرية من الأحزاب المعارضة لحزب العدالة التركية، في إقحام واضح للسياسة وسط الكارثة الإنسانية، حيث أنّ ما لا يقلّ عن 1.7 مليون سوريّ تركوا منازلهم في تركيا بسبب الزلزال من أثل حوالي 4 مليون سوري مقيم في تركيا معظمهم يحمل بطاقة الحماية المؤقتة.
"نجا من مات ومات من نجا" عبارة يستخدمها الآن مئات السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسط أحزان بالجملة ونعوات بالمئات، لأحبة وأصحاب، وعجز دولي "غير مبرر" يزيد من فاتورة قهر السوريين المستمر منذ عام 2011 عام خروجهم ضد دكتاتور ظهر ضاحكاً يسخر من أوجاع شعبه "الافتراضي" مستغلاً الكارثة لحشد دولي حوله وجد فيه السوريون تخلٍّ جديد عنهم والتفاف "معيب" على الأسد "لص المساعدات" كما أطلق عليه السوريون.