سقوط الإنسانية في زلزال سوريا

سقوط الإنسانية في زلزال سوريا
ملكية الصورة: الإنترنت
عبد التواب بركات

فضح الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سورية بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر قبيل فجر 6 شباط/ فبراير، وخلف 46 ألف قتيل حتى الآن، الوجه الآخر لمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الدولية التي ترفع شعارات الإنسانية والكرامة والمساواة. 

فلم تدخل شاحنة واحدة تابعة للأمم المتحدة لإغاثة الضحايا في شمال سورية إلا في اليوم الرابع من وقوع الزلزال. 

وكانت عبارة عن ست شاحنات فقط يكللها العار، فقد كانت محملة بعبوات الصابون السائل ومنظفات الملابس وأدوات التنظيف، وخالية من الأدوية والأغذية والأغطية وأي مواد مخصصة لإغاثة وإنقاذ ضحايا الزلزال. 

وكانت مجدولة سلفا ضمن المساعدات الروتينية لضحايا عمليات قمع بشار الأسد وحليفه الروسي فلاديمير بوتين. وكان الأولى بهذه المنظفات هي الأمم المتحدة لتغسل العار عن وجهها. فلم تدخل قافلة أممية تحمل مساعدات لمنكوبي الزلزال، أدوية وأدوات طبية وخيما وأغذية وأغطية، إلا في اليوم السابع من تاريخ وقوع الزلزال. 

الأمم المتحدة، من خلال برنامج الغذاء العالمي المفوض بتلقي المساعدات من الدول المانحة وتوزيعها على الضحايا، مسؤولة عن إدارة عمليات الإغاثة الدولية في مدن شمال غربي سورية التي يقطنها أكثر من 4 ملايين مواطن، نصفهم تقريبا من النازحين والمهجرين وضحايا عمليات القمع التي يقودها الأسد وبوتين منذ سنوات، ويعتمد 90% منهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة وهم بلا مأوى آدمي يحميهم من القصف الجوي بالمتفجرات ويؤويهم من عضات البرد القارس. 

ورغم ذلك، تعمدت الأمم المتحدة خذلان الضحايا في الشمال السوري منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال، حيث اتخذت قرارا غير إنساني بتعليق عملية نقل المساعدات العاجلة التي تقدمها المنظمة إلى شمال سورية عبر تركيا بمجرد وقوع الزلزال، لأسباب غير مقنعة ومن دون تحديد موعد لعودة المساعدات. 

وقالت المتحدثة باسم المنظمة لعمليات تنسيق المساعدات الإنسانية، في تصريح صحافي، إن التعليق المؤقت لعملية نقل المساعدات إلى الشمال السوري جاء على خلفية الدمار الهائل الذي خلفه الزلزال في البنية التحتية والطرق، وفق ما نقله موقع ياهو الأميركي. 

وللبحث عن مبرر يبيض وجه الأمم المتحدة، خرج المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أوتشا، في مؤتمر صحافي من جنيف، يقول إن المعبر الإلزامي المستخدم لإيصال المساعدات من تركيا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في سورية تضرر جراء الزلزال، وإن العملية عبر الحدود نفسها تأثرت، وإن الزلزال دمر الطرق في تركيا وأثر على موظفي الأمم المتحدة المحليين والدوليين وسائقي الشاحنات الذين ينقلون المساعدات، وأصابهم ما أصاب الجميع، وإنهم يبحثون كذلك عن عائلاتهم تحت الأنقاض. 

ولكن بعد تصريحات الأمم المتحدة، نقل مراسلون لقنوات فضائية على الهواء مباشرة رحلتهم من المدن التركية إلى مدن في شمال سورية المدمرة، مرورا بمعبر باب الهوى الذي يستخدم في نقل المساعدات الإنسانية المخصصة لشمال غربي سورية من تركيا، وهو نقطة العبور الوحيدة التي يضمنها قرار مجلس الأمن الدولي، وأثبتوا سلامة الطرق الفرعية المؤدية إلى المعبر، وأن المنظمة تتذرع بحجج لتبرر القرار غير الإنساني، ما يذكر بمواقف متكررة كان ينتظر أن تتحلى فيها بالمسؤولية والإنسانية ولكنها تخاذلت، في العراق والصومال ومع روهينغا بورما ومسلمي الصين، وقبلهم في سربرنتسيا البوسنة. وقد كان دونالد ترامب، أكثر رؤساء الولايات المتحدة تحررا من نفاق الدبلوماسية، محقا عندما طالب بتطهير المنظمة من الفساد المالي والإداري.

أعلنت المنظمة في اليوم الثامن من وقوع الزلزال أنها كانت في انتظار موافقة من حكومة بشار الأسد في دمشق، حصلت عليها بعد كل هذه المدة، لتتمكن من إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبري السلامة والراعي الحدوديين مع تركيا ولمدة ثلاثة أشهر. 

وبذلك، صدمت المنظمة مشاعر السوريين، وهي التي أعلنت عبر مكتب حقوق الإنسان التابع لها، في بيان صدر في يونيو/حزيران 2022، أن ما لا يقل عن 306 ألف مدني سوري، لا يحملون سلاحا، لقوا حتفهم في سورية بعد احتجاجات سلمية ضد بشار في آذار/مارس 2011، وهو ما يعادل نحو 1.5 بالمئة من عدد السكان السوريين قبل الحرب. 

وأظهر تقرير آخر صدر عن الأمم المتحدة نفسها بالتزامن مع البيان السابق، قالت فيه إن 35 بالمئة من القتلى السوريين المدنيين قضوا في كمائن ومذابح، وإن 23 بالمئة من القتلى سقطوا نتيجة ضربهم بالأسلحة الثقيلة. 

فكيف للمنظمة الأممية التي ترفع شعار الإنسانية حول العالم أن تستأذن بشار، الذي قتل ثلث مليون مواطن سوري أعزل، في إغاثة ضحايا زلزال قتل ستة آلاف فقط؟! 

من الطبيعي أن يتهم مدير الدفاع المدني في الشمال السوري الأمم المتحدة بتسييس المساعدات بطلبها الموافقة من نظام بشار الأسد على فتح المعابر، وبإعادة تدوير ودمج نظامه في المنظومة الدولية. 

ذلك أن القانون الدولي والبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة يتيح للمنظمة الأممية تنفيذ عمليات الإغاثة عبر الحدود من دون الحاجة لتفويض من الدول أو من مجلس الأمن، الذي أسند إلى مؤسساتها عمليات الإغاثة الإنسانية للمتضررين من عمليات النظام الحاكم. لكن غير الطبيعي أن فريقا من الأمم المتحدة ينزعج من اتهام المنظمة بالتقصير والتخاذل عن إغاثة السوريين ويوجه تهديدات لأصحاب الخوذ البيضاء، وفق تصريح مدير الدفاع المدني السوري. 

إن كل دقيقة كانت تمر في شمال سورية تعني أن روحا بريئة كان يمكن إنقاذها زهقت تحت الأنقاض، وأن فرص إنقاذ العالقين كانت تتلاشى بمرور الساعات والدقائق والثواني تحت أنظار المجتمع الدولي المتخاذل والمتجرد من الإنسانية وغياب معدات الإنقاذ، ورغم وعود الأمم المتحدة بإرسالها، ولكنها لم تفعل. 

وبالتالي، فإن كثيراً من ضحايا الزلزال في سورية هم ضحايا الأمم المتحدة والحكومات التي كانت تتسابق في إرسال جيوشها المدعومة بالطائرات لتدمير الأحياء السكنية في مدن الشمال السوري المعارض لنظام بشار، بحجة أن أحد مسلحي داعش مر من هذا الحي أو ذاك. 

ذلك أن الدفاع المدني السوري أعلن، منذ اللحظات الأولى للزلزال، عن العجز التام والحاجة الماسة للمعدات الثقيلة اللازمة في عمليات الإنقاذ وانتشال العالقين، مثل الروافع الهيدروليكية بالأذرع الطويلة، ومعدات البحث والإنقاذ، واستغاث بالمجتمع الدولي لإنقاذ الضحايا من تحت الركام، لكن الأمم المتحدة لم تستجب للاستغاثات، وتجرد المجتمع الدولي من الإنسانية وصم آذانه.

نظم إعلاميون وسكان في ريف إدلب، شمال غربي سورية، وقفات احتجاجية من على الأبنية المدمرة فوق جثث العالقين، ورفعوا شعار الأمم المتحدة في وضع مقلوب منددين بازدواجية معايير المنظمة الأممية وتخاذلها عن إنقاذ الضحايا. 

وكشف آخرون عن ضخ المنظمة المساعدات في المناطق التابعة للنظام السوري وتجاهل مناطق شمال غرب سورية التي دمرها بشار قبل الزلزال، وحمّل كثير من السوريين الأمم المتحدة صراحة مسؤولية الوضع الكارثي في مدن شمال غرب سورية نتيجة التأخر في الاستجابة للكارثة التي أحدثها الزلزال. 

ومن بين ركام البيوت المدمرة، أرسل سوريون رسالة إلى الأمم المتحدة عبر القنوات الفضائية، قالوا فيها "خذلتمونا مدة 12 عاماً باسم السياسة والآن خذلتمونا باسم الإنسانية، أنتم كذبة وإنسانيتكم كذبة كبيرة". 

وفي الوقفة الاحتجاجية، قال أحد وجهاء مدينة سرمدا المنكوبة في حديثه لـ"العربي الجديد": "نحن اليوم بين الركام في مدينة سرمدا أتينا لتوجيه رسالة للأمم المتحدة، فمنذ بداية الثورة إلى الآن، رأينا أن المعايير التي تعمل بها الأمم المتحدة هي معايير لم تستعمل مع أي جهة ثانية، اليوم زلزال مدمر، وعند تعرض أي منطقة لكارثة أو زلزال تسارع الدول لمساعدتها، لماذا هذه المعايير لا تنطبق علينا، هل نحن لسنا بشرا، تركيا دولة كبيرة فسارعت كل الدول لمساعدتها، الأمم المتحدة تستعمل فقط معايير القوة وهذه رسالتنا لها".

وقال أحد الفنانين السوريين، وهو عزيز الأسمر: "من الضروري توجيه رسالة من على جدران بيوتنا التي دمرها الزلزال، التي كانت متصدعة بسبب القصف المستمر على مدار سني الثورة، نقول للأمم المتحدة: أنتم تركتم أبناءنا يموتون تحت الأنقاض وتركتم أحبابنا بمن ون إغاثة ومعدات، هذا الخذلان ليس بأمر جديد علينا، لم نكن نتوقع هذه القذارة بألا يلبوا نداء استغاثة الأطفال، رسمنا شعار الأمم المتحدة مقلوباً كون معاييرها كلها معكوسة، أرسلت المساعدات لبشار الأسد ليستأنف قتل المدنيين الأبرياء.. لن نسامحكم أبداً". 

إنسانية الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ليست أفضل حالا من إنسانية الأمم المتحدة. الأول استنكر اتهام الاتحاد بالتخاذل عن إغاثة السوريين وتوجيه اللوم للمجتمع الأوروبي، وقال مبعوث الاتحاد في سورية غن المساعدات الأوروبية للشعب السوري تسلم لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. 

وألقى باللوم على الأخير الذي قرر وقف قوافل الصابون السائل والمنظفات بعد الزلزال. أما جامعة الدول العربية، فلم تقدم أي دعم مادي أو معنوي للأشقاء المنكوبين، واكتفى أمينها العام بتقديم واجب عزاء دبلوماسي بكلمات معدودة وباردة للشعب السوري، وبمطالبة المجتمع الدولي بتقديم الدعم والمساعدة لغوث المنكوبين. 

فلماذا لم تقدم الجامعة علبة دواء أو وجبة غذاء أو خيمة لهؤلاء المنكوبين العرب؟ أليست محسوبة على المجتمع الدولي؟! 

وعلى الأرض، هناك جهود حثيثة من حكومات عربية، تعادي شعوب الربيع العربي، تستغل كارثة الزلزال وتمهد لكسر الحصار الدولي المفروض على بشار وتمهد لإعادة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، رغم قرار الجامعة الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بتجميد عضوية سورية في الجامعة لحين تنحي بشار الأسد وإسناد الحكم لنائبه، بسبب استخدامه القمع العسكري المسلح بكل أدوات التسليح التقليدي والمحرم لإخماد ثورة شعبية تاق أصحابها للحق في الحرية والديمقراطية وتداول السلطة، وأيد مجلس الأمن مطالب الجامعة العربية بالقرار 2042. 

تسعى هذه الدول لإعادة تدوير الأسد ودمجه مجددا في المجتمع الدولي، وتحاول، بضغط من روسيا، إلغاء قانون قيصر الذي اتخذته الولايات المتحدة في 2020 لحماية المدنيين السوريين، بحجة أن القانون يمنع وصول المساعدات إلى الشعب السوري. 

وهي حجة باطلة لأن القانون يستهدف الأسد ونظام حكمه فقط المتورطين في الدم السوري منذ 12 عاما. 

وقبل أيام، استغل سلطان عمان كارثة الزلزال واستقبل بشار في مسقط، في محاولة لكسر الحصار الخارجي المفروض عليه دوليا منذ 2011. وكذلك فعلت البحرين والإمارات، والتقى وزير الخارجية الإماراتي بشار الأسد في العاصمة دمشق، وهي اللقاء الثاني من نوعه منذ بداية العام الجاري. 

 

المصدر: العربي الجديد