كان قرب القصير.. "نصر الله" كشف الجهة التي اخترقت حزبه قبل ساعات من مقتله
لا تزال قضية السقوط المُزلزل لـ "حزب الله" اللبناني موضعَ جدَلٍ سواء في الأوساط السياسية أو العسكرية، وحتى المخابراتي في الشرق الأوسط وحتى على مستوى العالم.
"حزب الله" الذي حمل منذ 2006 بيرق "المقاومة والممانعة" وكانت له قاعدة شعبية كبيرة في سوريا ولبنان (من طائفة واحدة "الشيعة") أصبح في أسابيع مهزوزاً بلا قائد، وتحوّل من حزب يُقلق إسرائيل إلى مجرد وجبة أخبار دَسمة عبر وسائل إعلامهم العبري، مرة باغتيال قاعد وأخرى بتفجير نفق..
كيف حدث هذا الخرق الكبير في صفوف الحزب، ومقتل قادته وعلى رأسهم حسن نصر الله، وتحوّل الحزب إلى مجموعة عناصر بلا قائد، تتصيّدهم إسرائيل في جنوب لبنان وحتى في سوريا؟
للإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ حسن عبد الكريم نصر الله، هو من مواليد عام 1960، شيعي المذهب، وهو الأمين العام الثالث لحزب الله، وقد تولَّى هذا المنصب في 16 فبراير 1992 بعد اغتيال عباس الموسوي على يد إسرائيل.
على عكس ما يظهر في الإعلام من تماسك بين قادة الحزب، إلّا أنّ سنوات حسن نصر الله الـ 32 في قيادة الحزب لم تكن بهذا الانسجام الذي يُسوِّق له الحزب، فقد كان قُبيل اغتياله في 27 سبتمبر 2024. على خلاف عميق مع قائد كبير في حزبه بسبب اختلاس مالي ضخم.
تحدّثت مصادر خاصة لـ "تفاصيل برس" عن وجود خلاف كبير بين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، الذي سيصبح بعد اغتيال "نصر الله" محور أخبار وسائل الإعلام حتى اغتياله أيضاً.
أسباب الخلاف:
تؤكد المصادر (نتحفظّ عن ذكرها) إلى أنّ الخلاف بين "نصر الله وصفي الدين" سببه فقدان أموال بملايين الدولارات من خزينة الحزب (بنك الحزب الأساسي) ونظراً لكون صفي الدين هو الذي يربط الحزب بإيران فإنّ التحقيق بهذه الأموال لم يكن يأخذ طابع حدّ لدى حسن نصر الله، علماً أن جميع الأموال المفقودة تمّ صرفها اسم صفي الدين، وفق المصدر.
ظلّت قضية اختلاس الأموال مطوية إلى أن ظهرت قضية الخروقات الأمنية، لا سيما "البيجر"، وقد حظيت القضية باهتمام بالغ لدى الحزب، حيث أنّ الأوامر صدرت وفق وسائل إعلام وقتها بألا يتمّ استثناء أي أحد من الشبهة ويجب التحقيق حتى مع مرافقي حسن نصر الله الشخصيين.
وتسبب انفجار آلاف أجهزة "البيجر" وأجهزة الراديو، الشهر الفائت، في سلسلة حوادث منفصلة بعناصر في حزب الله إلى إصابة ومقتل الآلاف.
سرّبت وسائل إعلام في تلك الفترة، معلومة تقول إنّ حزب الله بدأ يشكّ في إيران ذاتها، أن يكون لها دور في هذا الخرق الأمني الكبير، حيث أنّ هذه القصة لا يمكن أن تمرّ بهذا الشكل ويتم عبرها اختراق الحزب إلا وأن تكون عبر جهة يثق فيها الحزب.
تشير مصادرها إلى أنّ الحزب كان يتفاجئ في كل محطة من محطّات التحقيق في الطريق الذي قطعت فيه "البيجر" إلى أن وصلت إلى الحزب، بورود اسم شخص من "آل صفي الدين".
بدأ حزب الله بتحقيق مرتفع السقف في هذا الشأن، مع وضع علامات سوداء حول اسم عبد الله صفي الدين وهاشم صفي الدين، الأمر الذي استدعى طلب حسن نصر الله إلى حضور اجتماع طارئ للحزب لاستكمال التحقيق، الذي سينتج عنه قرارات لا يمكن إلّا أن يكون حسن نصر الله هو مَن يُصدرها وحده.
أين كان حسن نصر الله؟
كان حسن نصر الله بعيداً عن الضاحية الجنوبية، وكان قد انتقل إلى منطقة جوسيه (قرب القصير السورية) التي تربطها بالضاحية منفذ بري آمن، فتحه الحزب في وقف سابق.
تشير مصادرنا إلى أنّ حسن نصر الله على غالباً ما يتنقّل بسيارة إسعاف، وكذلك يؤكد محمد علي الحسيني، بأن حسن نصر الله كان يقود دراجة نارية في بعض الأحيان للتنقل.
قرر قادة الحزب أن يكون الاجتماع مصيريّاً في تحديد مسار الحزب مستقبلاً، وقرر وقتها حسن نصر الله عدم دعوة هاشم صفي الدين إلى الاجتماع. في إشارة إلى أن الاجتماع أساساً يُناقش احتمال تورّطه في قضية الاختراقات.
اللافت في الأمر بأن إسرائيل نفسها اعترفت بأنها في ذلك الوقت لم تكن تُخطط لاغتيال حسن نصر الله، لكنّ وجود "علي كركي" في الاجتماع فتح شهية إسرائيل على اغتياله، خصوصاً وأنّها فشلت عدة محاولات لاغتياله، وتبدو الفرصة وقتها سانحة لذلك.
لماذا علي كركي؟
ولد علي كركي في مدينة النبطية في العام 1967 وهو يحمل جنسية "غينيا، إضافة لكوني لبناني. كما أنه عضو في "مجلس الجهاد" وهي أعلى هيئة في هرم حزب الله التنظيمي ومهمة المجلس اتخاذ القرارات الاستراتيجية والعسكرية ويدير الحرب ضد إسرائيل.
يعتبر علي كركي الرجل الثالث وقائد الجبهة الجنوبية في حزب الله، وهو أيضاً أرفع قائد عسكري وفق معلومات متطابقة من محللين عسكريين عرب.
كما أنّ "كركي" هو عضو في "المجلس الجهادي"، وهو الجناح العسكري والأمني لـ "حزب الله"، وقد تمّ تعيين علي كركي خلفاً لـ "فؤاد شكر"، وذلك بعد اغتيال شكر.
ووفق رصد إعلامي لكيفية تناقل اسم علي كركي في الإعلام العبري فإنه كان يُعتبر شخصية مهمة و قوية في الحرب ضد إسرائيل، بحكم موقعه كمسؤول عن القطاع الجنوبي الذي يأتي منه قسم كبير من مقاتلي الحزب.
كما أنّ علي كركي يقود الجهاز الأمني لحزب الله، وقد استطاع كشف عشرات العملاء والمخبرين من داخل الحزب وخارجه، ويناديه جمهور ما يسمى "المقاومة" بـ "صياد العملاء".
حاولت إسرائيل اغتياله قبل أيام من اغتياله رفقة حسن نصر الله، لكنّها لم تنجح، كذلك حاولت في فبراير الماضي لكنه لم يكن داخل السيارة المستهدفة، وفق وسائل إعلام لبنانية.
حين علمت إسرائيل بأنّ "كركي" موجود في هذا الاجتماع الذي يتواجد فيه حسن نصر الله، رأت في ذلك "فرصة ذهبية" للتخلّص من شخصية قيادية حاولت مراراً اغتيالها.
من الذي قدّم الفرصة الذهبية؟
مصادر مفتوحة تقاطعت مع مصادرنا الخاصة تشير إلى أنّ إيران لها اليد الطولى في انهيار حزب الله الأخير، هذه الترجيحات والمصادر تتزامن اتهامات حالية لإيران بأنها تركت حزب الله وحيداً في معركة عسكرية غير متكافئة مع إسرائيل.
وقد يكون هاشم صفي الدين نفسه الذي مدّ إيران بالكمّ الهائل من المعلومات عن حزب الله، لتُقدّم تلك المعلومات إلى إسرائيل، وقد نضجت تلك المعلومات إلى أن تصبح قابلة لاستخدامها ميدانياً، وقد انعكست نتائجها على الأرض، متمثّلة بهزائم يومية للحزب المتروك يعدّ قتالاه قادة وعناصر واحداً تلو الآخر.
متحدث (فضّل عدم الكشف عن نفسه) رأى بأن إيران قدّمت حسن نصر الله والقادة الذين كانوا معه "كبش فداء" لإتمام صفقة دولية، يكون فيها الحزب أضعف.
حزب الله اليوم
قرر الحزب (ما تبقى من القادة) بعد تفجير الضاحية الذي قُتل فيه حسن نصر الله والكركي وعدد آخر من القادة، اختيار "حسن خليل ياسين"، لقيادة الحزب، وهو واحد من أهم الوجوه البارزة داخل حزب الله. فتمّت تصفيته لاحقاً.
تشير المصادر إلى أنّ ما تبقّى من حزب الله يرى بأن سلسلة الاغتيالات التي لا تزال مستمرة، والتي طالت أي شخص محتمل لقيادة الحزب، ومن بينهم "هاشم صفي الدين" ستستمر لإخفاء الجهة التي كانت فاعلة الخرق الأمني، وهو ما يُعزز فكرة بأنّ الخرق حقق أهدافه، لا سيما القضاء على حزب الله عسكريّاً. والإبقاء عليه حزبّاً سياسيّاً بقائد ممتلئ بالشعارات.. الشعارات فقط.