هاشم الأتاسي.. ثاني رئيس مُنتخب لسوريا و"أبو الدستور"
يستكمل موقع " تفاصيل برس" موسوعته الأرشيفية حول رؤساء سوريا، وعنا قد بدأنا في أول مادة من السلسلة الحديث عن "محمد علي العابد" أول رئيس لسوريا.
اليوم نستعرض السيرة الذاتية للرئيس الثاني للدولة السورية "أبو الدستور" هاشم بن خليل الأتاسي، فمن هو هاشم الأتاسي ولماذا لقب بأبو الدستور؟
ولادة ومنشأ هاشم الأتاسي
ولد هاشم بن خليل الأتاسي في 11 كانون الثاني سنة 1873 في محافظة حمص السورية، وهو ابن أسرة سياسية كبيرة من العلماء والقضاة.
نشأ هاشم الأتاسي في عائلة اهتمت بعلوم الدين والقضاء، فكان جده محمد الأتاسي مفتيا لحمص، في حين شغل والده منصب عضو في مجلس "المبعوثان" في إسطنبول، ثم خلف والده في منصب مفتي حمص.
تلقى تعليمه في مدارس حمص الحكومية وتابع دراسته في الكلية الإسلامية في بيروت وتابع بعدها تحصيله العلمي في المدرسة الملكية العليا في إسطنبول.
المناصب التي تقلدها هاشم الأتاسي
بعد تخرجه من المدرسة الملكية العليا في إسطنبول، عين نائب لوالي بيوت سنة 1894 ثم تسلم قائمية مقام كل من صفد 1902 ثم صور وجبل عامل سنة 1904 وبعدها عين قائم مقام السلط ووكيل متصرف في الكرك حتى العام 1907.
في العام 1908 وقع انقلاب عسكري في إسطنبول أطاح بحكم السلطان عبد الحميد الثاني وأطاح كذلك بكل الموظفين العرب المحسبين على العهد الحميدي، لكن فطنة ونزاهة هاشم الأتاسي جعلته متابعاً في عمله دون أن يتم تسريحه.
موضوع مرتبط: محمد علي العابد.. سيرة ذاتية لأول رئيس لـ "سوريا"
وفي عهد السلطان محمد رشاد الخامس، عُين الأتاسي قائم مقام عجلون وبعلبك الهرمل ويافا سنة 1912.
وبعدها تم تعينه متصرفا على حمص وحماة، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، نقل كحاكم لجنوب الاناضول حيث بقى حتى نهاية الحرب عام 1918.
تأسيس الكتلة الوطنية
بعدما عُقد مؤتمر سان ريمو الشهير، الذي أقر الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1920انتقلت القوات الفرنسية من بيروت إلى سوريا وبدأت بتأسيس دويلات منفصلة على أنقاض المملكة العربية السورية.
اصطدمت هذه المخططات باندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، وعلى إثرها اعتقلت القوات الفرنسية هاشم الأتاسي ومجموعة من الوطنيين ونقلتهم إلى سجن جزيرة أرواد السورية عام 1926.
سعى الوطنيون بعد انتهاء الثورة عام 1927 إلى تأسيس تنظيم سياسي جديد يمثل مطالب الشعب السوري بإنهاء الاحتلال وتوحيد الأراضي السورية، واجتمع الأتاسي مع نخبة من الوطنيين في بيروت يوم 23 تشرين الأول 1927 ليعلنوا ميلاد "الكتلة الوطنية" التي طمحت إلى مجابهة الاحتلال سياسياً.
دعت الحكومة الفرنسية في نيسان 1928 إلى انتخاب مجلس تأسيسي وكتابة دستور جديد للبلاد، ففازت الكتلة الوطنية بأغلبية المقاعد وانتخب الأتاسي رئيسا للجنة الدستور المؤلف من 115 مادة.
إلا أن المفوض الفرنسي، بونسو، طلب، في 9 آب، حذف مواد ست من الدستور، تنص في مجملها على وحدة البلاد السورية دون اعتبار لأي تقسيم جرى عليها، وتحديد سلطات رئيس الجمهورية ومجلس نوابه فيما يخض العفو والمعاهدات الدولية وتعيين المجلس الوزاري ورجال القانون، وتنظيم الجيش وإعلان الأحكام العرفية، فلما رفض المجلس الإذعان للمطالب الفرنسية قوبل بقرار توقيفه ابتداءً من 11 آب 1928م.
ثم قرار آخر في أيار 1930م بإضافة المادة 116 والتي كانت بمثابة إلغاء المواد المعترض عليها ووضع شؤون الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية تحت منظار المعاهدات الفرنسية الدولية.
دارت بين بونسو والأتاسي مفاوضات عديدة بين عامي 1928 و1929م نقل فيها الأتاسي إلى بونسو رغبة الجمعية بإعلان وحدة البلاد، وبالرغم من تقديم الأتاسي إلى المفوض الفرنسي نصاً جديداً عن الوحدة في كانون الثاني 1929م لم يتم الاتفاق بينهما، وأعلن بونسو توقيف الجمعية إلى أمد غير محدد.
وبدأت الكتلة الوطنية تعقد اجتماعاتها لبحث التصعيد مع السلطات الفرنسية، فعقد المؤتمر الأول في حلب عام 1930، ثم عقد مؤتمر ثاني في عام 1931م، ثم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) في حمص عام 1932، وفي هذا المؤتمر تم الاتفاق على النظام الأساسي للحزب، وانتخب هاشم الأتاسي رئيساً مدى الحياة، وهنانو زعيماً، وسعدالله الجابري نائباً للرئيس، وشكري القوتلي وعبدالرحمن الكيالي وفارس الخوري أعضاءً، ثم عقد مؤتمر رابع في 16 شباط (فبراير) 1933 في حلب، وخامس في دمشق في 5 نيسان (إبريل) من العام ذاته.
صعود الأتاسي لسدة الحكم
سافر وفد الكتلة الوطنية لباريس لتنفيذ معاهدة الاستقلال، وبعد عودة الوفد تم انتخاب مجلس تشريعي، نجح الوطنيون فيها وانتخب هاشم بن خليل الأتاسي رئيسا للجمهورية عام 1936.
وشكلت وزارة وطنية مهمتها تنفيذ المعاهدة, وعندما راوغ الفرنسيون في تنفيذ المعاهدة استقال الأتاسي من رئاسة الجمهورية، مما جعل الفرنسيين يختارون بديلا عنه، واختاروا حينها الشيخ تاج الدين الحسين.
وبعد أقل من ثلاث أعوام من جلاء الفرنسيين عن سوريا، نفذ قائد الجيش حسني الزعيم أول انقلاب عسكري في سوريا، ضد الرئيس المنحب شكري القوتلي عام 1949.
ولكن جماعة من الضباط برئاسة سامي الحناوي في 14 آب من العام نفسه بالانقلاب على حسني الزعيم، وعُهد الحكم إلى وزارةٍ ائتلافية يرأسها هاشم الأتاسي، وقد وتولت هذهِ الوزارة إجراء انتخابات لمجلس تأسسي يضع دستور جديد للبلاد.
تم انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للدولة في 14 كانون الأول عام 1949، وأعيد انتخابه رئيساً للجمهورية في السابع من أيلول 1950، بعد إقرار الدستور الجديد.
وفي العام 1951 قام العقيد أديب الشيشكلي بانقلاب عسكري واعتقل رئيس الوزراء معروف الدواليبي فانسحب الأتاسي من رئاسة الجمهورية رافضاً الانقلاب
وأصبح منزله في حمص ملتقى للوطنيين لإسقاط حكم الشيشكلي.
وعاد هاشم الأتاسي بعد إسقاط الشيشكلي ليتابع رئاسته القانونية. وفي السادس من أيلول عام 1955 جرى أول احتفال بتسليم الرئاسة دستورياً إلى الرئيس المنتخب الجديد شكري القوتلي وكان ذلك المشهد من المشاهد النادرة في التاريخ السوري.
وبعد الإعلان عن الوحدة مع مصر اعتزل هاشم الأتاسي الحياة السياسية حتى وفاته في السادس من كانون الأول عام 1960 عن 87 عاماً تولى فيها رئاسة سوريا مرات عدة ورفض فيها الرئاسة مرات عدة دون أن تتلوث سيرته بأي انقلاب عسكري أو احتكار للسلطة أو أي استبداد.