حوار مع الشاعر والصحفي نور الدين الإسماعيل يغوص بذكريات ساهمت في تكوين هويته الأدبية
شغفه بالأدب وحبّه للشعر العربي، ولاحقاً انتسابه لكلية الآداب - قسم اللغة العربية، كانت ركائز أساسية جعلت منه شاعراً في وقت مبكّر من عمره، فراح يُلقي القصائد في الأمسيات الشعرية، ويكتب في بعض الصحف. إلى جانب عمله في تدريس اللغة العربية.
مع بداية الثورة السورية، بدأ ضيفنا "نور الدين الإسماعيل" يكتب للثورة والحرية، وألزمه واجبه الأخلاقي أن يُوثّق ما يحصل في سوريا عبر الصحافة عندما يعجز الشعر، أو في الاثنين معاً. فكتب في عديد المواقع الصحفية، واشتغل محرراً ولا يزال إلى جانب قرضه المستمر للشعر.
نور الدين الإسماعيل، ولد في مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، عام 1980، وتعلّم في مدارسها، الابتدائية، ثم أكملت المرحلتين الإعدادية والثانوية في ثانوية "ذي قار"، ثم درس اللغة العربية وآدابها في "جامعة تشرين" ثم جامعة حلب"، حيث تخرج فيها عام 2004.
موقع "تفاصيل برس" يُسلّط الضوء على الشاعر السوري نور الدين الإسماعيل من خلال الحوار الذي أجرته الصحفية مريم الإبراهيم:
كيف تصف لنا الشعر بشكل عام، وهل ترى فيه انعكاساً لواقعك الشخصي؟
قيل قديماً: "الشعر ديوان العرب"، لكنني أنظر إلى الشعر العربي على أنه هوية، هوية تقدم أمة، بتاريخها وماضيها وحتى حاضرها، بأوجاعها وهمومها، بانتصاراتها (على قلتها وندرتها) وبهزائمها وأحزانها وانكساراتها. بينما أرى الشعر من منظوري الشخصي على أنه فسحة تمنحني التعبير بطريقة مختلفة عما أفكر أو أشعر فيه، أترجم تلك المشاعر أو الأحاسيس في قصائدي.
"بعيونٍ تبحث في الماضي، يقف الشاعر" نور الدين أسماعيل" الذي ولد في كفرنبل، مدينة الصمت والأحلام، مستحضراً ذكرياته حينما بدأت أولى خطواته على درب الكلمات، تتداخل في ذهنه صور الطفولة، حيث كانت الأمطار تتساقط بغزارة على أزقة المدينة، لتصير الأرض لامعة كمرآة، تروي قصصاً لا تسمع إلا بآذان القلب، في كل قصيدة يكتبها، تنبعث رائحة الأرض الرطبة وتتشابك أصوات الرياح مع الوجع، فيعبر عن وطنه وحبه وكفاحه للحرية."
ما هي المهن أو التجارب الحياتية التي عملت بها؟
في حقيقة الأمر، عملت في الكثير من المهن، وتنقلت في الأعمال بين الحرة والوظيفية، ففي مرحلة الدراسة الثانوية عملت في الأعمال الحرة "البيتون"، وفي المرحلة الجامعية عملت في "الدهان" حتى حصلت على الشهادة الجامعية ونلت الدرجة الثالثة في الامتحان التحريري على مستوى محافظة إدلب في مسابقة التوظيف الصادرة عن وزارة التربية 2005 – 2006، ثم عُينتُ مدرساً للغة العربية في ثانوية حاس عام 2006، واستمرت رحلتي مع التدريس الثانوي في تلك البلدة التي أحببت أهلها حتى بداية العام الدراسي 2016، ثم عدت للتدريس في مدينتي كفرنبل لعام واحد، قبل أن أترك مهنة التدريس، وحتى الآن.
كانت أولى تجاربي مع الصحافة عبر مجلة "عالم الاختراع والتكنولوجيا" عام 2006، حيث أعددت فيها الصفحة الأدبية والنوادر، إلا أنني انطلقت في الكتابة الصحفية عام 2014، ببعض المقالات لعدد من المواقع المحلية، إلى جانب عملي في التدريس، ثم تفرغت لاحقاً للعمل الصحفي، ومازلت مستمراً فيه حتى اليوم، محرراً وكاتباً في موقع راديو "روزنة".
"رحلته التي امتدت إلى مدارج الجامعات، تنقل بين أعمال شاقة، بين "البيتون" و"الدهان"، ليعود إلى مقعد الجامعة وينهل من بحور اللغة وآدابها، وبدلاً من أن تثقله الحياة، كان الشعر يحرره، كان متنفسه، ونافذة تطل على عالم خفي يعيش في داخله، عالم يحمل أحزان الأمة وأفراحها، ألم الفراق ولذة الحب."
متى بدأت رحلتك مع الشعر، وهل كان هناك موقف أو حدث معين دفعك للكتابة؟
مازلت أذكر كيف ولدت القصيدة الأولى، حين كنت في الصف الثالث الابتدائي، في ليلة شتوية باردة، وأثناء وجود جدي في منزلنا وهو يستمتع بالاستماع لقصيدة للشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري، فقلت له بأنه بإمكاني كتابة مثلها، فكتبت نصاً كنت أظنه قصيدة، لكنها كانت تعني لي الكثير، إلا أنني لم أكتب الشعر الموزون بشكل تام إلا في عمر الـ15، ومنذ ذلك الحين وأنا أكتب الشعر العمودي، قبل أن أجرب في شعر التفعيلة، وذلك بعد دراستي الجامعية وتأثري ببعض النصوص الأدبية من شعر التفعيلة.
"الشعر" في عينيه هوية، انتماء، تلاحم مع شعبه ومع قضيته، كتب عن الثورة السورية، عن الشهداء، عن الآباء والأبناء الذين مزقتهم الحروب، عن الحياة في المخيمات، ونجده يوثق بالقصائد المأساة التي عاشها أهل بلده، وتظل قصائده نبضاً، تطفئ جراحاً وتخلق أملاً، كأنها جسد حرٍّ يعيد لملمة شظايا الواقع لتصبح نصوصاً تحمل الوجع والجمال معاً."
نعلم أنّك تُلقي الشعر، هل بدأت بكتابة الشعر والإلقاء سوياً؟
المرة الأولى التي وقفت فيها على منصة وألقيت فيها شعراً كانت عام 2001، عندما كنت في السنة الأولى من دراستي الجامعية، ومنذ ذلك الحين وأنا أشارك في أمسيات شعرية.
ما هي المواضيع أو القضايا التي تحب أن تتناولها في قصائدك؟
أكتب للمرأة والوطن، فكلاهما يبعث في الروح الإحساس بالانتماء، الإحساس بالسكينة، وكلاهما يعتبر مخزون الشاعر من المشاعر والأحاسيس التي هي أداته ودافعه للكتابة، وبدونهما يفقد كثيراً من الفضاءات التي يمكنه أن يحلّق فيها. فالشاعر بلا حب واشتياق ومشاعر وأحاسيس كطائر بلا أجنحة. ولدي بعض القصائد الساخرة التي تقوم على نقد الواقع بطريقة كوميدية.
"شاعرنا يرى نفسه طائر لا يملك إلا جناحيه، جناح من الحب وآخر من الشوق، جناح من انتماء يمثله الوطن، وجناح من سكينة يمنحها إياه حضن المرأة، يحمل بين طيات كلماته وطنه وحنينه، ويخبئ في حروفه صوت المرأة وحكاياتها، كأنما تفتح كل قصيدة له باباً إلى عالم من العذوبة والدهشة.
يكتب من أجل الكوميديا أيضاً، يسلط الضوء على الواقع بجرعة من السخرية، ليكشف تناقضات الحياة ومفارقاتها."
هل كان للثورة السورية نصيب مما خطه قلمك؟ وصدح به صوتك؟
منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 سخرت كتاباتي الأولى في دعمها وتأييدها، فكتبت عن المظاهرات، وكتبت عن مواجهة الأمن للمتظاهرين، واستفزت الجرائم والمجازر التي مورست ضد السوريين قريحتي، فكتبت للشهيد، وكتبت للمهجرين، وكان لسكان المخيمات نصيب مما كتبت.
"يرى من كلماته أنه صوت الثورة ونبض المعاناة، يسخر كلماته لتكون سنداً للمظلومين ومرآةً تعكس وجع المهجرين وأحزان الشهداء، يحمل بقلبه المآسي التي مرت بها بلاده، ويجسدها بقصائد تتردد كأنفاسٍ تتحدى الصمت وتحتضن الآلام."
كيف يصف لك الشعر عالمك الداخلي، وهل يعتبر الشعر وسيلة للتعبير عن مشاعرك؟
كما أسلفت سابقاً، الشعر جناح الشاعر الذي يحلّق فيه في فضاءاته الخاصة، وتلك الفضاءات إنما هي ناتجة عما يحس به الشاعر ويعيشه، يترجم أحاسيسه عبره أبياته، يعبر بطريقته عن شعوره، يحاول أن يبلغ ذلك العالم الخفي الذي يغيب عن بقية الناس، فهو كالقصر المسحور المليء بالكنوز والمجوهرات، يتمتع الشاعر بانتقاء أجملها ليصوغها في أبياته ويقدمها للمتلقي.
" عالمه الداخلي "الشعر" هو القصر المسحور الذي يعجّ بالأسرار، مكان خصب بمشاعر تُلملم أوجاعه وأحلامه، وحين يفتح أبوابه، يلتقط من داخله أجمل الأحاسيس، كأنها لآلئ نادرة ينسجها بعناية، يسافر بأبياته إلى عوالم لا يدركها الكثير، يجسد ما يراه ويسمعه بروح عتيقة، تمنحه القدرة على ترجمة الهمس والمشاعر إلى كلمات تلامس القلوب"
ما هو شعورك عندما تكتب شعراً جديداً؟ هل هو تحرير للنفس أم محادثة مع الذات؟
غالباً ما أصف القصيدة بالمولود الجديد، ولا يقل ذلك فرحاً عن كتابة قصيدة جديدة خصوصاً عندما تنال إعجاب الجمهور، يرى الشاعر أن ذلك المولود بدأ ينمو ويكبر. والقصيدة يمكن أن تكون تحريراً للنفس من ضغوطها أو مشاكلها أو أزماتها، فيطلق الشاعر العنان لجناحي قريحته ويحلق كيف شاء، ولا بد من التنويه هنا إلى أن الشعر لا يمكن أن يقيد، فالشعر أدب، والأدب المقيد لا إبداع فيه، وكلما ارتفع سقف الشاعر والأديب، كلما زاد إبداعه أكثر. وربما تكون القصيدة حواراً مع الذات، تطفو أفكار الشاعر فيها على السطح، يبين تناقضاته الداخلية، وأزماته التي ربما لا يبوح بها بدون الشعر.
كم قصيدة صدرت لك؟..هل هناك روايات أو كتب نشرت لك..هل أنت بصدد انشاء كتاب أو رواية أو قصيدة جديدة؟
حتى الآن لم أنشر أي ديوان مطبوع، وليس لدي هذا الشعف أساساً، فأنا أكتب الشعر وأسجل القصائد بصوتي أضمنها في مقاطع فيديو أنشرها على حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، لأنني وجدت تأثير القصيدة بصوت كاتبها أكبر من قراءتها في سطور بلا روح.
في المقابل، لدي رواية غير مطبوعة، بينما أنا عاكف على إنهاء الرواية الثانية قريباً، وأطمح إلى طباعتها فور الانتهاء منها، وربما هنا تسألين لماذا هنا أنا راغب بالطباعة على عكس الشعر؟ لأن الرواية هي حياة كاملة في سطور، ولا يمكن أن تكون غير ذلك، في الوقت الذي يميز الشعر موسيقاه وصوره بصوت قائله.
كما كتبت القصة القصيرة الساخرة والناقدة، ونشرت منها الكثير في حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم أفكر بعد في جمعها وإعادة نشرها في مجموعات قصصية، لأنني لا أقدم نفسي قاصاً.
"شاعرنا يرى في القصيدة مولوداً جديداً، ينبض من روحه وينمو بين كلماته، لا يكتمل إلا حين يسمع أصداء إعجاب الجمهور، فتزداد فرحته كأب يرى طفله يخطو خطواته الأولى، يكتب الشعر كمن يحرر نفسه من أعباء الدنيا، يطلق جناحي خياله في فضاء لا يعرف حدوداً، حيث يصبح الشعر عنده تمرداً لا يقيّده شيء، وإبداعاً لا يرتضي السقوف".
"يختار كلماته بعناية، مؤمناً أن الصوت يحيي القصيدة ويمنحها روحاً أعمق من مجرد الكلمات المكتوبة، رغم حبّه "للشعر" إلا أنه لا يطمح لنشر دواوين مطبوعة، "القصيدة" بالنسبة له رسالة حيّة تتجسد حين تُسمع "الرواية" عنده حياة تنبض بين السطور وتستحق أن تأخذ مكانها على صفحات كتاب، يتناول في قصصه القصيرة الساخرة هموم المجتمع بنقد رشيق وأسلوب فكاهي"
هل تأثرت بشعراء معينين أو فئات شعرية ساعدت في تكوين أسلوبك؟
لكل مرحلة تأثيرها، فبدايتي في الكتابة كانت تأثرا بالجواهري، ثم بشعراء العصر الجاهلي، وفي وقت متأخر أصبح لقصائد محمود درويش أثر كبير في نفسي.
برأيك ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الشعر في حياة الناس، وهل له رسالة تود إيصالها إلى قرائك؟
في السابق كانت قصيدة تشعل حرباً، أو تقود إلى سلم، وكان الشعراء يشعلون حماس المقاتلين بأبياتهم، لكن اليوم ليس للشعر تلك القيمة الكبيرة التي كانت عندما كان "ديوان العرب"، إلا أنه قد يؤثر بعض الشيء في نفوس الجماهير، لكن يبقى ذلك التأثير بسيطاً ودون المستوى المأمول.
خصوصاً بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي صار بإمكان أي شخص أن يقدم نفسه شاعراً، بدون أدوات الشعر الحقيقية من أوزان وموسيقى وصور، في ظل عدم قدرة نسبة كبيرة من الجمهور على التمييز بين الشاعر والمدعي، ما أفقده قيمة أخرى.
"شاعرنا هو ابن الكلاسيكية الشعرية، تأثر بالجواهري وشعراء العصر الجاهلي، وحمل في قلبه كلمات محمود درويش، يؤمن بدور الشعر العميق في حياة الناس، رغم أن قيمته تراجعت في زمن التواصل السريع، يرى في الشعر رسالة ومسؤولية، لكنه يأسف لانتشار من يدعون الشعر بدون عمق أو أصول، مما أفقده أحياناً قيمته الحقيقية".
ما دور الشعر في الثورة السورية وهل وثق الشعر مأساة السوريين وهجا القتلة؟
على الرغم من قلتها، إلا أن القصائد التي قيلت في الثورة السورية كانت بمثابة توثيق للجرائم والانتهاكات، إضافة إلى أنها أصبحت تأريخاً لحقبة من الزمن عاش فيها السوريون أقسى أيامهم في مواجهة آلة الموت التي وجهها النظام السوري وروسيا وإيران نحوهم.
" يرى في الشعر سلاحاً يوثق المأساة، وصوتاً للحقبة الأليمة التي عاشها السوريون، يؤمن أن القصائد، رغم قلة عددها، حملت وجع الثورة ووثقت جرائم النظام وحلفائه، لتكون شاهداً على تضحيات شعب واجه الموت بكرامة وإباء".
أخيراً..
أتوجه بالشكر الجزيل لموقع "تفاصيل برس" وفريق التحرير في الموقع، على هذه المساحة التي منحني إياها للحديث عن تجربتي المتواضعة في كتابة الشعر، من خلال هذا الحوار الذي يغوص بي في ذكرياتي التي ساهمت في تكوين هويتي الأدبية.