التضليل الإعلامي على أساس قول نصف الحقيقة

التضليل الإعلامي على أساس قول نصف الحقيقة
مصدر الصورة: تفاصيل برس
رزق العبي - تفاصيل برس

تُمارس الأنظمة في مختلف دول العالم تضليلاً ممنهجاً، لا يستند إلى "الكذب" وهو الشكل الرسمي للتضليل، وإنما يستند إلى قول حقيقة منقوصة، كأن تقول دولة ما عن دولة أخرى إنها تحتكر وسائل الإعلام لصالحها، وهذا صحيح، لكنّها تتعامى في ذات الخبر عن أنها هي أيضاً تفعل ذلك.

وبات التضليل في هذا السياق، سلاحاً فعّالاً ازداد انتشاره منذ مطلع الربيع العربي، خصوصاً من جانب الأنظمة القمعية، ولا سيما النظام السوري. الأمر الذي استدعى الأمم المتحدة لتعرب عن قلقها من انتشار المعلومات المضللة والدعائية، ودعت إلى محاربتها، وهو ما يستدعي ضخّ ملايين الدولارات من أجل تدريب العاملين في الإعلام لعدم الوقوع في فخ الأخبار المضللة، وكذلك تثقيف المتلقّين وتنويرهم عن ضرورة أخذ الخبر من مصدره خوفاً من التضليل.

لكنّ الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية في هذا الجانب لم تحقق ما هو مأمول، وقد يراني البعض مبالغاً لو قلت إن التضليل ازداد مع تكريس فكرة محاربته. لأن محاربة التضليل تقوم على أساس عام ولا تغوص تلك المنظمات أو الجهات التي تحارب التضليل في منابع المنابر الإعلامية التي تُمارس التضليل، ولا الحكومات أيضاً. وإنما يقتصر الأمر على شرح المشروح وتعريف المُعرَّف.

وقد شكّل الغزو الروسي لأوكرانيا دليلاً دامغاً على أنّ وسائل الإعلام الروسية تمارس تضليلاً واضحاً في هذا السياق، ما استدعى قيام كبرى المنصّات لـ "فيسبوك وإكس ولاحقاً تلغرام، بحجب قنوات روسيا ومنابرها الإعلامية، وكذلك حذت الدول نحو ذلك، في حين تعامت كل هذه الدول والمنصّات أيضاً عما فعله الإعلام الروسي من تضليل في الثورة السورية التي تحوّلت إلى حرب، شيطنتها روسيا عبر إعلامها.

أتيت على ذكر روسيا من باب المثال، لا من باب الحصر، لأن روسيا لا تمارس تضليلاً على أساس الكذب، وإنما تمارسه على أساس نقص المعلومة، فتُقدِّم للجمهور ما تريد وتُخفي ما يضرّ بمصالحها.

أليس تضليلاً للمتابعين العرب ألّا يأتي موقع روسيا اليوم بالعربي، على ذكر أي خبر خاص بقتل المدنيين في سوريا على الرغم من كونه موقعاً يُحدّث مئات الأخبار يومياً، ويتطرّق إلى أصغر التفاصيل في الشؤون العربية في ذات الوقت، أليس هذا تضليلاً؟.

نحن نعيش أزمة أخلاق على المستوى الإعلامي، حيث يتحكّم بالإعلام في شكله العام أنظمة تديره بخبث، ثم يستقي منه العاملون حول العالم، وهنا يتدخّل الجهل ليقع الجميع في فِخاخ التضليل.. تضليل على أساس انتفاع الدول وطمس نصف الحقيقة.

علينا أن نتعامل بجدية أكثر مع محاربة التضليل، ونشير له بعينه، وإلى فاعله أيضاً، حتى يعرف الناس المعنى الأخبث للتضليل..

وسنبدأ في تفاصيل برس بتخصيص زاوية يومية تتناول هذا النوع من التضليل على أساس تحليل خبر يومي تم تداوله في وسيلة إعلام ما، وكيف يمكن من خلال تناقله تضليل الناس على أساس قول نصف الحقيقة. وهو الأخطر على الجمهور.

 

الوسوم