"أنطونيوس البشعلاني".. حكاية أول مغترب لبناني
تُعرف لبنان بأنها البلد الذي يعتبر عدد سكّانه أقل من عدد مغتربيه، حيث تشير الأرقام إلى أنّ ما يزيد عن 20 مليوناً من اللبنانيين، يقيمون حول العالم.
وقد تسبب الحروب والأوضاع الاقتصادي منذ عشرات السنين إلى هجرة الملايين من اللبنانيين، إلى الأمريكيتين وأوروبا ودول عربية أيضاً.
في هذا التقرير يستعرض موقع تفاصيل برس قصّة أول مغترب لبناني في التاريخ:
"أنطونيوس البشعلاني" أول مغترب من لبنان إلى العالم غامر بروحه ومعرفته إلى أراض لم يكن لبلده نصيب فيها بعد، ولد في بلدة صليما في المتن الأعلى عام 1827، نشأ وسط أسرة بسيطة حملت في قلبها الحزن الكبير لفقدان الأم وجميع الإخوة، وكان لذلك أثر على روحه المرهفة التي راحت تبحث عن ملاذ لها بين طيات العلم والتعلم.
عشق أنطونيوس البشعلاني العلم منذ صغره، وتوجه إلى دير الآباء الكبوشيين في صليما حيث نهل من علوم الدين والمعرفة التي شكلت بدايات وعيه وتطلعاته، لاحقاً، انتقل إلى بيروت، التي كانت آنذاك بوابة العالم والمركز الثقافي في الشرق، وعمل مترجماً لدى قنصل إيطاليا، مستفيدًا من شغفه باللغات ومهاراته التي صقلها بتواصله مع الثقافات المختلفة.
قرر أنطونيوس أن يشق طريقه نحو العالم، وفي عام 1854، رحل من وطنه لبنان إلى الولايات المتحدة، حيث حط رحاله في بوسطن ومنها انتقل إلى نيويورك واجه تحديات الحياة في عالم بعيد وغير مألوف، لكنه لم يضعف أمام الغربة، بتفانٍ وعزم، درس اللغة الإنجليزية وأتقنها، ليكون بذلك أول لبناني يعلم اللغة العربية للأميركيين، مما جعله سفيراً للغته وثقافته في المجتمع الغربي.
غير أن غربته كانت مليئة بالوحدة والألم، فقد أحاطت به ظلال الغربة العميقة التي انعكست في رسائله إلى عائلته، كان يعبر فيها عن شوقه وحزنه بكلمات تشهد على ألم روحه، أصابه داء السل الذي أنهك جسده الشاب، وفي التاسعة والعشرين، توفي أنطونيوس بعد سنوات قصيرة من الكفاح، ليُدفن بعيداً عن وطنه في مقبرة غرينوود في نيويورك.
كلماته الأخيرة تركت أثراً بليغاً إذ كتب: "القلب ذاب من المتاعب والعين تبكي لفراق الأحبة" في هذه الكلمات يُلامس القارئ مرارة الغربة والحنين، ورغبة البشعلاني في العودة إلى أحضان الوطن التي لم تتحقق، بهذا ترك أنطونيوس إرثاً ليس فقط كأول مغترب لبناني، وكان رمز للشجاعة والتضحية التي ميزت تجربة المغتربين اللبنانيين الأوائل، ممن قطعوا البحار وقهروا المجهول، يحملون معهم في قلوبهم حبهم لوطنهم وأملهم في بناء مستقبل جديد.