العميد الركن مصطفى الشيخ يكتب.. الحرب في الشمال السوري المآلات والدلالات
كما عودت أصدقائي وقرائي والشعب السوري أن تكون كتاباتي في تناول أي موضوع بجوهرها تحمل الصدق والشفافية وأن نعطي أي طرف في هذا الصراع حقه ولو كان عدو أو صديق، فالشفافية والوضوح هي جزء اصيل من مبادئنا.
ما يحصل في الشمال السوري من معارك قد تكون مفاجئة لمن لا يدرك او يلم بجوهر التحولات التي تجرب في الشرق الإوسط خاصة والعالم عامة ، ولأول مرة منذ عام 2011 ولغاية صباح هذا اليوم كانت جميع المعارك ضد النظام وعلى كامل الجغرافيا السورية غير منسقة وغير منضبطة ، وكانت جميعها بالرغم من العدد الهائل من الشهداء والضحايا والإنجازات ،إلا أنها لم تؤتي اية ثمار سياسية وذهبت ادراج الرياح ، ذلك لأن هذه المعارك كانت تجري بدون تنسيق وبدون رأس سياسي قادر على توظيف النجاحات التي تحققت ، ناهيك عن الإختراقات والكثير الكثير من السلبيات ، والخلافات البينية بين الفصائل والتي استفاد منها النظام ايما فائدة ، وقد استنزفت تلك المعارك الزخم الشعبي على مدار أربعة عشر عاماً ، ولن افصل بالماضي المؤلم وتشققاته وسلبياته لأنها معلومة ومدركة من جميع الشرائح المجتمعية ، وايضاً على المستوى الإقليمي والدولي ، وكم نتمنى البدء بمراجعة نقدية وتغيير الشكل والمضمون ، والا ستكون بمثابة كارثة في المستقبل .
● أما اهم ما يميز المعارك اليوم في الشمال السوري أنها اختارت توقيت موفق بأعلى درجات التوفيق ، حيث الوضع الداخلي السوري مهيأ ، والوضع في الشمال السوري مهيأ ، والوضع الإقليمي مهيأ ، والوضع الدولي مهيأ ، والوضع التركي مهيأ ، والوضع الروسي مهيأ ، وحالة المليشيات الإيرانية في سوريا في اسوأ حال على مدار اربعة عشر عاماً ، وحالة ما تبقى من عناصر حزب الله في اسوأ حالاته منذ تأسيسه والذي يشهد لحظة انكسار لم تبقي منه إلا الرماد ، والجيش السوري اضعف من اي مليشيا في الساحة السورية ممزق منهار يأن من شدة الجوع وانقطاع السبل بأفراده عاترين الحظ والذين اعتقلهم النظام على الحواجز وساقهم بالقوة الى الخدمة العسكرية ، وبالتالي فإن فصائل الشمال ومعها هيئة تحرير الشام قادرة وبكل تأكيد أن تصل حمص خلال عدة ايام ولا عائق امامها على الإطلاق ،إلا الطيران الروسي ، لكن الروس اليوم غير الروس عام 2015 ، والتوقيت الذي تم اختياره لبدء المعارك في الشمال ليس من بناة افكار الفصائل وليس بقرار الفصائل بل بقرار تركي لا غبار عليه ، والآن لماذا اختارت تركيا هذا التوقيت للبدء في معارك بهذا العنف وهذا الزخم ؟ :
● تركيا اليوم وبعد فوز ترامب المتناغم مع تركيا كعضو في حلف الناتو اقوى من تركيا في عهد بايدن بما لا يقاس ،
● وتركيا اليوم في خندق واحد مع روسيا لإفشال المشروع الفرنسي الأوبامي القاضي بتقسيم المنطقة وتركيا ضمن دائرة الإستهداف التقسيمي ،
● وتركيا اليوم تريد أن تقطع الطريق عن محاولات بايدن ماكرون لإجراء مصالحة بين النظام وقسد ، بعكس تركيا التي تود التطبيع مع النظام للتحالف ضد قسد ، والذي كان يمنع التطبيع هو التيار الأوبامي الفرنسي ، تركيا اليوم اقوى في الداخل السوري من ايران التي تلعق جراحها وتتجه للخروج ، إن لم نقل لم يبقى منها الا رموز بسيطة بعد كل الضربات التي تلقتها من إسرائيل ،
● وتركيا اليوم عملياً تساعم وتساند اسرائيل في الساحة السورية بإضعاف النظام وبالتالي دعم توجه نتنياهو باخراج المليشيات الإيرانية من سوريا ،
● تركيا اليوم في خندق واحد مع بوتين لنيل شرف اخراج المليشيات الإيرانية تمهيداً لتحقيق اهداف تركيا في مناطق قسد بعد التلويح بالإنسحاب الأمريكي منها ،
● تركيا اليوم تخدم ادارة ترامب قبل وصوله كدفعة على الحساب تمهيداً لإنهاء الدور الفرنسي في سوريا الداعم والحامي للنظام والمحور الإيراني ،
● لن تلام تركيا اليوم بعد أن استنفدت كل الوسائل للتطبيع مع الأسد مقابل رفض وتعند الأسد الذي رفض طلب بوتين بالتطبيع مع تركيا ،
وبالتالي فإن بوتين اليوم يدعس ببسطاره على بشار الأسد رداً على رفض بشار لطلب بوتين من خلال دعم التحرك التركي كهدية مسبقة يقدمها لترامب وإسرائيل لإخراجه من المستنقع الأوكراني ،
● تركيا اليوم مهيأة لتقلب المعادلة في سوريا وفق كل ما تقدم وتساهم وعلى ارض الواقع لنكون الرقم الأصعب والذي سيكون آخر مسمار يدق في نعش النظام وتقديمه كحطام لبوتين ليشيعه في عام 2025 وفق كل الدلائل والمؤشرات والتي توحي بأن يكون الحل في سوريا ،
تركيا اليوم تعمل في خندق واحد مع التيار الإقليمي الذي يضم دول الخليج والاردن ومصر واسرائيل مع روسيا سواءً صرحت علناً أم لم تصرح ، ولكن السياق واضح كالشمس ،
● لن تلوم المعارضة التركية اردوغان بعد اليوم لأنه طلب مراراً وتكراراً وعلى رؤوس الأشهاد التطبيع مع بشار الأسد ، وبشار هو الرافض ، فأردوغان ضمن معارضته في الداخل التركي ،
● تركيا اليوم تضرب على الطاولة متكاتفة مع بوتين ونتنياهو وترامب للمساهمة في شرف اخراج ايران من سوريا والمنطقة ، وإكرام الميت الإسراع في دفنه ، ولا تفسير آخر على الإطلاق ، كل ذلك يخدم الأجندات التركية ، ويتقاطع مع الثورة في هدفين ، الأول إخراج ايران ، والثاني قصم ظهر النظام تمهيداً لإسقاطه بيد بوتين .
والقضية برمتها أن كل دولة تسعى لمصالحها اولاً ، وإن تقاطعت مع الآخرين فهذا باب وليكن ولا يضر ذلك ، أما على المقلب الآخر فعلى السوريين أن ينتبهوا لمصالحهم ويكونوا جزء من هذا التحول الجاري ، وأن يوثقوا حقوقهم وينتبهوا جيداً جيداً لأن لا تكون تضحياتهم فقط لخدمة الآخرين ،ولا يمنع ابداً تبادل المصالح .
●● أما ما هي ردود النظام المتوقعة ؟ لننتبه جميعاً أن من يحرك النظام بات معروفاً للجمبع ، فمن المتوقع وبنسبة عالية جداً أن يسعى للإنفصال بالساحل السوري إن استطاع في الفترة المتبقية لبايدن ، وهذا الخيار مطروح وبقوة ولننتبه جيداً ، وبنفس الوقت هذا الخيار من الصعب تحقيقة بسبب الوجود الروسي في سوريا ، ولهذا فإن النظام حالياً يدرك حقيقة التحولات الكبرى التي تتم في المنطقة ، ويدرك وأنا ادرك وعلى يقين بأن روسيا هي التي ستنهي النظام وبإخراج سياسي دبلوماسي بتوافق مع ادارة ترامب ، ولا تستطيع أي دولة أن تشيع النظام باستثناء روسيا حصراً ودون أن تسمح له بان يلعب لعبة الإنفصال والتقسيم ، ولا يمكن أن تنجح المرحلة الإنتقالية في سوريا دون الدول التالية : تركيا والاردن ومصر ودول الخليج العربي ،
ودعوني اعرج ولو تنويهاً للدور الذي تلعبه #المملكة_العربية_السعودية و #الإمارات_العربية في المرحلة الحالية والمستقبلية في المنطقة والذي يمتاز بوعي وادراك وفهم وتخطيط بارع ، وللمساهمة في التحولات العميقة التي تجري في الشرق الأوسط ، فقد استطاعت وببراعة أن تحيد ايران والحوثي من اي ضربات خلال الحرب ، وأرى من الإنصاف أن ارفع القبعة ثانية لهذه السياسة البارعة والحازقة والناجحة بكل المعايير ، واعتقد انكم تذكرون جيداً ما كتبته في هذا الإطار بعد قمة جدة الأولى التي تم فك الحظر عن بشار لحضورها ، وقد بينت حينئذٍ ما هي الدوافع التي بسببها اقدمت المملكة العربية السعودية لاستضافة بشار ، وايضاً دلالات التقارب السعودي الايراني وفق اتفاق رعته بكين ، ولم يرغب بالتوضيح اكثر عليه مراجعة المقالات التي كتبتها بعد قمة جدة الأولى ، فيها كل الأبعاد والتوقعات للحرب التي تحصل اليوم ،واظنكم تذكرتم ما كتبته وبدقة عما يحصل اليوم .
هناك من الكثير من المعطيات المهمة لم اتطرق لها واكتفيت بهذه الدلالات لكي لا اطيل أكثر .