العميد الركن مصطفى الشيخ يكتب.. دلالات وجود الأسد في موسكو والخروج من السلطة

العميد الركن مصطفى الشيخ يكتب.. دلالات وجود الأسد في موسكو والخروج من السلطة
مصدر الصورة: الإنترنت
العميد الركن مصطفى الشيخ - تفاصيل برس

قبل أن ادخل في صلب الموضوع الهام جداً ،أود أن اقر واعترف بأن ما اقدمه يحتمل نسبة من الخطأ لأننا بشر نخطئ ونصيب ، وما أكتبه من الناحية الإستراتيجية في الصراع الدولي عامة والشرق الأوسط خاصة هو الأساس في فهم التحولات الجيوسياسية التي تضرب الشرق الأوسط لإعادة انتاجه بلبوس مختلف عما عهدناه ، وهذه رؤيتي منذ عام 2013 ولم تخرج عنها قيد انملة ولم تتعارض مع سير الأحداث وتطورات الصراع حتى اليوم ، والجهل في الأستراتيجيات يجعل من الصعوبة بمكان فهم سياق الأحداث التكتيكية ، واعلم أن كتاباتي لغاية بداية حرب غزة كانت لدى الغالبية الساحقة لشعوب الشرق الاوسط عبارة توهمات ولا تمت للواقع بصلة معتقدين بنظرية المؤامرة وإطالة امد التخادم الأمريكي الإيراني لحد انه تجاوز الخطوط الحمراء الدولية والإقليمية وبات من المحال استقرار العالم عامة والشرق الأوسط خاصة لطالما الدور الإيراني موجود ، ولهذا فإن الدور الإيراني اليوم قيد الإنزواء والزوال ، وهذا اصبح واقعاً معاشاً مدركاً نعيش فصول تحطيمه بأم أعيننا . 

والكلمة المفتاحية في هذا المقال والتي تفكك المشهد اليوم على وقع معركة رد العدوان هي كلمة نتنياهو محذراً بشار بعدم اللعب بالنار في خطاب النصر الساحق على حزب الله الذي القاه قبيلزوقف اطلاق النار في لبنان ، والمؤشر الثاني والذي اصر واعلن أنه لن يوضحه هو التفرغ لايران بعد انهاء وقطع ذراع ايران الأقوى في الشرق الأوسط والذي يعتبر العمود الفقري لمشروع ولاية الفقيه ، وهذا اصبح من الماضي ، ولكن زيارة او بالأحرى استدعاء بشار لموسكو هذه المرة لن تكون كسابقاتها ، بل سيتمخض عنها احد أمرين : 
الأول : اعلان انسحابه من السلطة وتسليمها لقيادة جديدة من مخلفات النظام كرئيس مجلس الوزراء او غيره . 

الثاني : اعلان قبوله الرسمي البدء بتنفيذ القرار 2254 ، اي القبول بمرحلة انتقالية تقودها هيئة حكم انتقالي وفق مندرجات قرار مجلس الأمن 2254 . 

لماذا هذا الإستنتاج ؟ 

اولاً علينا أن نعترف وبوضوح وبضربة واحدة أن انهاء الدور الإيراني ومحورها ما كان ليكون دون اسرائيل ، وهي الوحيدة القادرة على إخراج ايران من المنطقة ومن دورها الوظيفي حرباً ، ولطالما إسرائيل هي صاحبة القرار الأول في الشرق الأوسط لأي تغير في النظم أو الأدوار فإن قرارها ملزماً للعالم ، والحقيقة كذلك ، وهذا ليس سراً بل هو معروف دولياً واقليمياً ومعترف به وفق قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، وناهيك عن الناحية القانونية فإن أمن ومصالح ووجود اسرائيل بالنسبة للغرب اولوية قصوى ، وهذا نعرفه جميعاً ولا يحتاج لتوضيح . 

ليس مصادفة أن تبدأ معركة رد العدوان في الشمال السوري في اليوم الثاني بعد وقف اطلاق النار في لبنان ، وايضاً ليس مصادفة أن تتوقف الضربات الإسرائيلية على سوريا خلال معركة رد العدوان ، وليس مصادفة أن تسمع ادانات دولية وإقليمية جدية لمعركة رد العدوان ، وليس مصادفة أن تكون الضربات الجوية الروسية معظمها في الخلاء باستثناء موقعين ارتكبت فيها مجازر ضد المدنيين في ادلب اليوم والبارحة في دارة عزة ، وذلك لرفع العتب أمام النظام وحاضنته ليس إلا ، إذا هنا توافق دولي واقليمي على ما يجري في الشمال السوري ، ومن شبه المحال أن لا يكون توافق تركي روسي امريكي ، ولكن من اين لنا بهذا الإستنتاج ؟ من يظن أنه لغز محير ما يجري في الشمال فهو غير مدرك ما سبب هذه التحولات ، نحن نعلم أن بوتين على تواصل مع تل ابيب ، ومنذ شهر ارسل مندوب له لإسرائيل وحصل توافق على تحييد سوريا عن الحرب ،مقابل ابعاد الوجود الإيراني في سوريا ، وتتكفل روسيا بذلك ، ذلك أن قتل بشار قد يؤدي الى فوضى لا يمكن التنبؤ بها وقد تخرج عن السيطرة ، وبالتالي من مصلحة روسيا واسرائيل وتركيا والاردن أن لا تدخل سوريا في المجهول ، والسبب الجوهري من خوف دخول سوريا مرحلة الفوضى هو موقعها الجيوسياسي الذي سيكون مستقبلاً محط توافق دولي على مرور خطوط الطاقة وطريق الهند اوربا الذي سيمر ايضاً بإسرائيل ، وبالتالي فإن دخول سوريا مرحلة الفوضى أمر مرفوض ومحاط بعناية اقليمية ودولية قصوى لا يسمح بالعبث فيها ، ولطالما تكفلت روسيا بذلك فمن البديهي والطبيعي أن توكل المهمة لتركيا ، وللعلم فإن تركيا وبلسان الرئيس اردوغان اشار لهذا القلق حينما قال أن إسرائيل تود اجتياح دمشق ، وهذا الكلام ليس مجرد كلام يطلق على عواهنه ،بل تدرك تركيا واجهزتها الأمنية كما تدرك كل دول المنطقة أن اسرائيل مصرة على انهاء الوجود الإيراني على كامل اراضي الجمهورية العربية السورية ، وصرحت به مراراً وتكراراً ، ولكن اذا تحقق الهدف عن طريق روسيا وتركيا فيا حيا وهلا ، وفهذا افضل لإسرائيل بما لا يقاس من تدخلها في سوريا واسقاط الإسد وتتحمل مسؤولية قانونية وتكاليف هي بغنى عنها ، وخطوة ستكون مدانة وغليظة وستحرج اسرائيل أيما حرج من قبل دول المنطقة وايضاً دول العالم وخاصة أمريكا ، ودعوني اختصر القول أن القرار الدولي والإقليمي بالتغيير في سوريا يجب أن يكون تحت السيطرة الدولية وبدون عنف . 

الأمر الآخر والمهم ايضاً وهو أن عائلة الأسد حصراً [وليس حاضنته من العلويين ] في ذهنها بعد 2011 اعلان انفصال الساحل السوري ، ونحن نذكر جيداً حينما قام النظام بنقل معظم القوى العسكرية ومستودعات الذخيرة والملفات الإدارية وارشيف الدولة للساحل السوري قبيل التدخل الروسي ، ومشروع التقسيم القديم الجديد في اذهان من اوصلوا آل الأسد للسلطة ، وليس هذا غريب او مستهجن ،بل الحقيقة هي كذلك ، ولو كان غير ذلك لما ادخلوا سوريا في هذا الدمار والجرائم بدءً من الكيماوي وصواريخ السكود والطيران وانتهاءً بالبراميل على الأبرياء في مشهد لم يحدث في التاريخ ، وايضاً تشهد على خيانة آل الأسد الوثائق المؤرشفة التي يطلبون من المستعمر الفرنسي الإنفصال عن سوريا ، ثم نحن نعرف أن النظام ذاته هو من يدفع بالأحزاب الكردية للمطالبة بالفدرلة تمهيداً للتقسيم لتكون لهم مبرراً وتحت شعار الفدرلة الإنفصال ، ومشروع التقسيم في سوريا ترفضة دول المنطقة واولهم تركيا واسرائيل والإردن ، ذلك أن التجربة اللبنانية ماثلة أمامنا كيف للدولة الطائفية أن تشكل عامل خطر وعدم استقرار لإسرائيل ، فإسرائيل تريد دولة متماسكة وقوية على حدودها للمحافظة على امنها واستقرار الشرق الأوسط الجديد الذي ينشده نتنياهو وعلناً وكلنا سمعناه يتكرر خلال الحرب على غزة ولبنان ، ومن اجل هذه الخطوة التي قد يقدم عليها بشار الأسد دفع بموسكو المتعهدة بالإنتقال السلمي للسلطة بعد طرد الوجود الإيراني بالتعاون مع الإتراك لإستدعائه لموسكو وعدم اعلانه الإنفصال ، ذلك أن روسيا وللعلم ليست بوارد حماية بشار او الإهتمام بمستقبله كنظام ، بل هي تبحث عن مصالحها ، وخاصة بعد الحرب الإسرائيلية لاجتثاث اطراف الأخطبوط الإيراني ، فروسيا اليوم بامس الحاجة لتقديم اي خدمة لإسرائيل وترامب تخدم انهاء الحرب الإوكرانية خاصة بعد خسارة اقليم كورسك والسماح لأوكرانيا ضرب العمق الروسي بالصواريخ الغربية ، ومن الجنون أن لا يقتنص الفرصة في سوريا ويزيل الوجود الإيراني ، ولكن عملية الإزالة هذه تحتاج الى اخراج فقط ، وهو مسرح حلب يشهد بذلك .
ثم اصبح من الواضح اليوم استماتة اردوغان للتطبيع والتي نالت كثير من الإحتقار من الكثيرين معتقدين أن اردوغان مستميت على التطبيع وعلى بشار المنصر ، وهذا غير صحيح ، بل العكس هو الصحيح ،ما تهدف اليه شيء آخر ينفذ فصوله اليوم ، وهذا الإصرار له بعدين لا ثالث لهما :

الأول : التنسيق مع امريكا باعتبارها ضمن حلف الأطلسي ومع روسيا وفق المعطيات التي ذكرناها عن التغيير السلمي في سوريا .
الثاني : عدم دخول سوريا بالفوضى ، وقدكان بشار الأسد يرفض ، وهذا الرفض من اهم اسبابة ودلالاته أن بشار الأسد غير مدرك لما يحصل في المنطقة ، وايضاً الدور الايراني الضاغط بعدم قبول بشار بالتطبيع مع تركيا ، أما اليوم فقد انقلبت المعادلة رأساً على عقب . 

ولهذا فإن ما يجري في الشمال ليست حرباً بمعناها الحقيقي بقدر ما هي عملية استلام وتسليم تتميز بوتيرة عالية وتتعلق فقط بقدر الفصائل على اجتياز قوات النظام وتطهيرها للمتبقي من فلول المليشيات المنهارة اصلاً وبقايا جيش الأسد المتهالك .

وما يؤكد ما ذهبنا اليه في المقال السابق ان الدور التركي اكبر من حدود منطقة التصعيد هو دخول مدينة حلب اليوم ، بل هو  ملئ الفراغ الذي ستحدثه خروج المليشيات الإيرانية من كل سوريا وبتوافق دولي والإقليمي ، وبالتالي فالإستنتاج الوحيد والمرجح أن يعلن بشار من موسكو قبول نقل السلطة بصيغة تحددها وتمليها عليه موسكو ، ولا معنى آخر لزيارته في هذه الفترة على الإطلاق ، بشار الأسد ونظامه وبدون تردد هو في غرفة المونتاج والإخراج الروسية المسؤولة والمتكفلة  القادرة الوحيدة حصراً بإخراج الأسد من السلطة ، ويسدل الستار على اسوأ نظام واسوأ مرحلة مرت بها سوريا عبر التاريخ …