فوضى الإعلام والانتهاكات الأخلاقية تؤديان إلى العبث بالأدلة في سوريا

فوضى الإعلام والانتهاكات الأخلاقية تؤديان إلى العبث بالأدلة في سوريا
مصدر الصورة: تفاصيل برس
رزق العبي عن موقع The Media Line

منذ لحظة إعلان سقوط النظام السوري وفرار الرئيس السابق بشار الأسد، بدأت القصص الإخبارية تتدفق من البلاد التي كانت أشبه بمعتقل كبير، يحتوي على عشرات السجون والأفرع الأمنية.

هذه القصص الصحفية لم تكُن تُطرح بشكل منضبط وفق ما يرى الكثير من العاملين في الشأن الإعلامي، بسبب حالة الفوضى في التعامل مع الوثائق والأوراق داخل السجون والأفرع الأمنية التي دخلتها وسائل الإعلام وعبثت بالأوراق لغرض الحصول على سبق صحفي.

ونقلت وسائل الإعلام العربية الكثير من المعلومات استناداً إلى الأوراق والوثائق التي حصلت عليها من الأفرع الأمنية وهي أوراق تُدين ضباطاً وعناصر سابقين بجرائم حرب في البلاد، ثمّ اختفت تلك الأوراق، ما يشكّل ضياعاً للأدلة التي من الممكن أن تؤدي إلى محاسبة الجناة عن جرائمهم بحقّ المدنيين في البلاد.

السياسي والصحفي السوري وائل الخالدي اعتبر في هذا الجانب أنه من غير القانوني دخول الصحفي إلى مؤسسة حكومية دون إذن من الإدارة الجديدة، ويكون عرضه للأوراق والوثائق بإشراف سلطات البلاد، حتى لا يكون الصحفي هنا يمارس دور "اللص" الذي يسرق الأوراق، وهو ما حدث فعلاً.

وقال إبراهيم حسين مدير المركز السوري للحريات الصحفية: في أوقات الفوضى على الصحفي مراعاة المعايير المهنية والأخلاقية لضمان سلامته الشخصية أولاً، وكي تكون تغطيته للأحداث موضوعية وهادفة لتحقيق الصالح العام.

وأشار في حديث لـ ذي ميديا لاين إلى أنه "بخصوص موضوع الأدلة على الصحفي أن يكون على دراية بالقوانين المحلية والدولية المتعلقة بالتعامل مع الأدلة الجنائية. وثمة إجراءات عليه الانتباه لها من قبيل حماية الأدلة فعليه عدم التلاعب بها وتجنب لمسها أو تغيير موضعها إلا إذا كان ذلك ضروريًا لإنقاذها.

إلى ذلك أكد محمد الصطوف وهو عضو في رابطة الصحفيين أنّ على الصحفي "التأكد من أن الوثائق التي يجمعها أصلية وغير مزورة وفي هذا الصدد يمكن أن يستعين بخبراء للتحقق من صحة تلك الوثائق مع الإشارة إلى أهمية الحفاظ على سرية المعلومات التي قد تؤثر على التحقيقات أو سلامة الشهود.


كذلك، حصلت هناك خروقات عديدة في سياق الانتهاك أخلاقيات المهنة، من خلال اللقاء مع المعتقلين السابقين، وشرح ظروف اعتقالهم، الأمر الذي ترك صدمة عميقة في نفوس السوريين، ممن لم يعثر على مفقودين لديه كانوا في سجون الأسد.

وصل الأمر بإحدى القنوات العربية (الجزيرة) إلى جلب معتقل سابق إلى زنزانته في درعا، والطلب منه تمثيل ظروف اعتقاله، وهو ما اعتبره مراقبون بأنهم يُمثل انتهاكاً لأخلاقيات المهنية، حيث تحوّل الصحفي إلى مُحقق.

وأشار "الصطوف" في هذا السياق إلى أنه "من الناحية الأخلاقية يجب على الصحفي أن يحترم الخصوصية فلا ينشر صوراً مروعة أو تنتهك خصوصية الضحايا وعائلاتهم وعليه الحرص على أن تكون تغطيته متوازنة بين تقديم الحقائق واحترام كرامة الضحايا".

كذلك قال الصحفي السوري "أحمد عليان" لـ ذي ميديا لاين: كان مؤسفاً رؤية صحفي يأتي بمعتقل سابق، ويطلب منه الدخول إلى زنزانته وتمثيل ظروف اعتقاله، لتحقيق سبق صحفي، إنّ ما يحصل هو جنون إعلامي وفوضى غير مسبوقة.

واعتبر "عليان" أنّ غياب الضوابط المهنية التي يفتقر إليها العديد من الصحفيين ومؤسساتهم يؤدي بشكل متزايد إلى ارتكاب انتهاكات على الصعيد الأخلاقي، ويجب أن تتوقف مثل هذه الأفعال.


بطبيعة الحال، فوضى المعلومات المضللة هي أكبر تحدي يواجه السوريين، لأنها تؤدي إلى العنف والتحريض عليه، وخطاب الكراهية، وتشويه صورة الحقائق، من عقود.

ولأن ما حصل في سوريا، يعتبر على الصعيد الإعلامي هو الحدث الأبرز على مستوى الشرق الأوسط والعالم، فإن انتشار المعلومات المضللة أيضاً كان على نطاق واسع، ما قد ينعكس سلباً على نقل صورة حقيقية لجزء من الحدث أو الحدث كله.

وفي هذا الجانب قال أحمد بريمو، مدير منصة تأكد التي تعنى بملاحقة الأخبار المضللة: في موضوع المعتقلين والسجون يوجد معلومات مضللة يتم تداولها بحسن نية، هذا التداول قد يؤدي إلى عدم تصديق ما هو مؤكد منها، من شهادات وفيديوهات وصور، من الضروري جدا أن يكون هناك حذر، على الصعيد الإعلامي والصحفي، وعدم الوقوع في فخ لتضليل من قبل وسائل الإعلام الكبرى، التي تعتمد على المحتوى المتداول عبر السوشال ميديا ويبتعدون عن معايير العمل الصحفي وتقاطع المعلومات.

وتطرّق بريمو إلى حادثة التضليل التي مارستها "بي بي سي" عندما ضللت الجمهور بأن مراسلتها في دمشق ساهمت في إطلاق سراح معتقل سابق، ليتبين لاحقاً أنه عنصر أمن متورط في الجرائم.

وحمّل بريمو "المسؤولية" في الكثير من المواضيع إلى السلطة الجديدة، قائلاً في حديث لـ ذي ميديا لاين: هنا لا أطلب منها ممارسة دور رقابة وفرض قيود، نحن ننادي بحرية الإعلام والصحافة، ولكن يجب أن يكون هناك ضوابط للعمل الصحفي.

أما في موضوع العبث بالأدلة فهو موضوع غاية في الخطورة، ويؤدي بحسب "بريمو" إلى تضليل العدالة، لذى يجب أن يتم حفظ الأوراق كأداة ودليل لإدانة المتورطين، وليس لغرض السبق الصحفي.

ومنذ سقوط النظام السوري، يعيش الإعلام الرسمي السوري حالة شلل تامة، تدّعي السلطات الجديدة أن سببه غياب الكوادر الفاعلة التي يُمكنها إدارة "التلفزيون الرسمي" على الأقل.

وعلى الرغم من المطالب الشعبية اليومية التي تريد أن يتم ضخّ إعلامي وطني لمعرفة ما يحصل، إلّا أن التلفزيون السوري الرسمي لا يزال غائباً عن المشهد، ما يزيد حالة الضياع.

وفي وقت سابق، طلب رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، الإذن من السلطات الجديدة لبدء عمل ميداني.

وأعرب رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا عن مخاوف أممية من تلف وضياع الأدلة المتّصلة بالجرائم. مشيراً في الوقت نفسه إلى إنّ هناك في سوريا ما يكفي من الأدلة لإدانة هؤلاء الذين يجب أن تتم محاسبتهم ولكن الحفاظ عليها وفق الأمم المتحدة "يتطلّب الكثير من التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة".

واستُخدمت الأدلة التي تمّ جمعها عن بُعد من قِبَل الآلية الدولية المحايدة والمستقلّة في نحو 230 تحقيقاً خلال السنوات الأخيرة، تمّ إجراؤها في 16 ولاية قضائية، خصوصاً في بلجيكا وفرنسا والسويد وسلوفاكيا.

الوسوم