كتاب "الصراع في سوريا.. حرب العقائد والجغرافيا" تعدد الاحتلالات وتنوع الأهداف

كتاب "الصراع في سوريا.. حرب العقائد والجغرافيا" تعدد الاحتلالات وتنوع الأهداف
ملكية الصورة: الإنترنت
تفاصيل برس - مصطفى عباس (باريس)

لطالما قيل إن سوريا أصبحت ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، سواء منها الكبرى أو الإقليمية، وكل دولة تنظر إلى الصراع من منظورها الخاص، فروسيا تريد موقعاً لها على المياه الدافئة في المتوسط يثبت أنها قوة عظمى تضاهي أمريكا، والأخيرة لا يهمها من كل الموضوع سوى السيطرة على آبار النفط شرق سوريا، وتركيا تريد من تدخلها بالدرجة الأولى منع قيام أي شكل من أشكال السلطة للأكراد، الذين أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي مسيطراً عندهم، وهذا الحزب تعتبره تركيا الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف دولياً كحزب إرهابي.

إيران التي باتت سيطرتها في سوريا ضعيفة بعد الدخول الروسي، لا تريد من كل هذا سوى المضي بعملية التشييع وتغيير مذهب السوريين لإتمام الهلال الشيعي، ووصل إيران بالبحر المتوسط عبر العراق، لذلك من الضروري، العمل ليس على التشييع السياسي، بل كذلك الديني، وهو ما تقوم به بهدوء وإصرار. 

السعودية والإمارات رغم عدم تدخلهما المباشر إلا أنهما تريدان محاربة إيران في سوريا، وكذلك الحد من النفوذ التركي.

هذه التداخلات الكبيرة بين الدول يرصدها كتاب " الصراع في سوريا.. حرب العقائد والجغرافيا" الذي صدر مؤخراً كباكورة للكاتب فراس علاوي عن دار "موزاييك" للدراسات والنشر.

عبر حوالي 400 صفحة يحاول الكاتب من وجهة نظره شرح هذه التداخلات المعقدة، التي تحتكم للسلاح تارة وللمصالح تارات، وفي كل فصولها يدفع الشعب السوري فاتورتها، سواء اتفق المحتلون والمتدخلون أو اختلفوا. بشيء من التحليل السياسي وشيء من الرأي، والاقتراب في بعض الأحيان من الدراسات الجيوبوليتيكية الممنهجة، ولكن لا يذكر الكاتب مصادر معلوماته دائماً.

نعم أصبحت سوريا ساحة صراع دولية، تتداخل فيها المصالح والنزاعات، لذلك من المهم معرفة هذه التداخلات من ناحية أسبابها وتفاعلاتها ومآلاتها، إذ يعتمد الكتاب على استنتاج أن الصراع لم يصل للحدة الكافية بين الأطراف (الدولية) التي تدفع الأطراف المتداخلة لإنهائه بإعلان انتصار أحد الأطراف المتصارعة على حساب الطرف الآخر (محلياً)، وأن الدول المتداخلة بالشأن السوري مهما كان توصيفها تلعب شد الحبل بينها دون الوصول لحرب أو قطيعة دائمة، وبذات الوقت لا تريد أن تخسر أياً من مصالحها التي دخلت من أجلها إلى سوريا.

الكتاب يقع في فصلين رئيسيين الأول عن سوريا حتى انطلاق الثورة في آذار ٢٠١١، ويتضمن مقدمة عن موقع سوريا الجيو سياسي ونبذة قصيرة عن التاريخ السياسي الحديث لسوريا بعد الإستقلال _لمحة عن وصول حافظ الأسد للسلطة.

وتاريخ التدخل الدولي في سوريا لمحة صغيرة الربيع العربي نماذجه وأسبابه (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الوضع الإقليمي والدولي قبيل انطلاق ثورات الربيع العربي، إضافة إلى التوسع الإيراني في محيطها الجغرافي بعيد انهيار العراق.

يشرح الكتاب عن الثورة السورية عواملها وأسبابها البعيدة تاريخ حكم عائلة الأسد وكيفية سيطرة حافظ الأسد على المجتمع السوري وتهيئة الظروف لوصول بشار الأسد للحكم (التوريث). 

سياسات بشار الأسد في العقد الأول من حكمه قبل الثورة السورية، وأسبابها المباشرة الخارجية والداخلية، ومحطاتها وتواريخها المفصلية، والعلاقات التي افرزتها، والقوى التي نتجت عنها أو أثرت بها سياسياً وعسكرياً.

في الفصل الثاني يتم التطرق لتدخل الدول سواء كانت الكبرى أو الإقليمية في الثورة السورية، وكذلك طريقة تعاطي المنظمات الدولية والإقليمية معها، حيث تمت دراسة تدخل الدول الأبرز على الساحة السورية وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والجمهورية التركية، وجمهورية إيران الإسلامية، ودولة إسرائيل، ودول الاتحاد الأوربي (الدول الرئيسة الفاعلة فرنسا، بريطانيا، ألمانيا).

إضافة إلى التدخل العربي بشكليه الإيجابي والسلبي، ولمحة عن الجامعة العربية دورها وأبرز محطات تعاملها مع الشأن السوري، ودور الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأبرز محطات تعاملها مع الشأن السوري، مثل لجنة المراقبين العرب، والمبعوثين الأمميين، والدور الإنساني، وقانون قيصر وتفاعلاته، فضلاً عن دور الصين المعطل في مجلس الأمن واسبابه.

في الخاتمة يلخص الكاتب ما تم الحديث عنه في صفحات الكتاب والنتائج التي تم التوصل إليها، ويتضمن الكتاب كذلك أربعة ملاحق صغيرة مكملة لمواضيع الكتاب نشرت من قبل كمواد رأي (لكاتب الكتاب نفسه) في مواقع إلكترونية مختلفة.

يأتي هذا الكتاب كإضافة مهمة لشرح اللاعبين الأساسيين والبدلاء (ذوي التدخل المباشر وغير المباشر) وأدوارهم على الساحة السورية، سيما وان الخيوط في بعض الأحيان تتداخل بشكل معقد، فلا نعرف من ضد من، ولا من يقاتل من لأجل من، في ظل عائلة حاكمة، همها البقاء في السلطة، دون أي حرج من كثرة الاحتلالات، وتنوع اللاعبين وأهدافهم، وبلا أي اكتراث بالمواطن السوري، الذي يموت من الخوف والذل والجوع والبرد والتشرد وأخيراً كورونا والمرض.