عبد الرحمن رياض – تفاصيل برس
في الأيام القليلة الماضية، شهدت الجامعات السورية حدثًا لافتًا تمثل في مغادرة عدد من طلاب محافظة السويداء مقاعدهم الدراسية وسكناتهم الجامعية، تحت ذريعة تعرضهم للتهديد بسبب انتمائهم الطائفي. وقد انتشرت صور توثق هذه المغادرة الجماعية، ما أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة الحدث وتوقيته ودلالاته السياسية والأمنية.
أمام هذا المشهد، برزت روايتان متناقضتان: الأولى تقول إن الصور المتداولة قديمة، تعود لأحداث شهدتها السويداء قبل نحو أسبوع، إلا أنها أُعيد نشرها اليوم بهدف خلق حالة من البلبلة والتشويش الإعلامي. أما الرواية الثانية، فتؤكد أن الصور حديثة وأنها تعكس واقعة جرت بالفعل في ذات اليوم، ما يثير تساؤلات جدية حول مدى هشاشة الثقة بين الأطراف التي عقدت الاتفاقات الأمنية الأخيرة، خاصة وأن الترويج لهذا الحدث جاء مترافقًا مع الحديث عن انتهاكات مزعومة ضد طلاب من أبناء المقاتلين الأجانب.
سواء كانت هذه الحادثة آنية أو من أرشيف قريب، فإن السياق الذي جاءت فيه لا يمكن تجاهله. فقد تزامن نشر هذه الصور مع زيارة أحمد الشرع إلى فرنسا، وهي زيارة تحمل أبعادًا دبلوماسية مهمة، وتهدف إلى تمتين العلاقات الإقليمية والدولية وبحث فرص التقدم السياسي لسوريا في مرحلة ما بعد الحرب. وبالتالي، فإن تزامن هذه الحوادث مع أي تحرك سياسي أو دبلوماسي ناجح ليس محض صدفة، بل يبدو أنه نتاج سلوك ممنهج لتقويض كل خطوة إيجابية تُسجّل باسم الإدارة الجديدة.
اطلع على: محافظ السويداء يصدر بياناً حول التطورات الأخيرة: الاتفاق ساري
وهنا يبرز سؤال محوري: لماذا لا يمر أي إنجاز سياسي أو اقتصادي دون أن يتبعه مباشرة تحريض، تشويش، أو حادثة تهدف إلى زعزعة الاستقرار؟ الإجابة تكمن في وجود قوى خفية، لا تزال تمارس نشاطها التخريبي، مكوّنة من بقايا النظام السابق وبعض أصحاب المصالح الضيقة الذين يخشون أن تُسحب البساط من تحت أقدامهم.
هؤلاء الفلول، مستعينين بأذرعهم الإعلامية والانفصالية الممتدة من الجنوب إلى الساحل مرورًا بالجزيرة السورية، يسعون بشتى الوسائل إلى إشاعة خطاب الكراهية الطائفية وتغذية النزعات الانفصالية. لا يتورعون عن استغلال الفضاء الإلكتروني لزرع الفتن وبث الأكاذيب، ساعين إلى استدراج المترددين لإعادة إنتاج مشاريع التقسيم والتجزئة التي أفشلها الشعب السوري بدمائه وتضحياته.
قد يهمك: بإشراف المحافظة.. تأمين طريق دمشق السويداء
لكن من واجب الإدارة الجديدة، ومن واجبنا جميعًا كمجتمع، أن نكون على وعي تام بهذه المخططات. المطلوب اليوم هو الحزم، الحزم في تطبيق القانون على كل من يروّج للتحريض الطائفي أو ينشر الأكاذيب ويزرع الفتنة. قد يكون الحزم قاسيًا، لكنه ضروري لحماية ما تبقى من نسيجنا الوطني ومنجزاتنا السياسية.
لقد قدّم السوريون أكثر من مليون شهيد، وملايين اللاجئين، ومدنًا مدمرة، لا لكي يعودوا إلى الوراء، بل لبناء وطن واحد موحد، ينعم فيه الجميع بالعدالة والكرامة. ولن يقبلوا أن تذهب كل تلك التضحيات هباءً بسبب فلول تعيش على أوهام السلطة الماضية أو أحلام الانفصال المقيت.
سوريا اليوم بحاجة إلى العقل، إلى الوحدة، وإلى الحسم في مواجهة مشاريع الفتنة. فلتكن هذه الحادثة جرس إنذار، لا للتراجع، بل للمضي في طريق الدولة، القانون، والمحاسبة.