هلا نعسان آغا – تفاصيل برس (خاص)
يشهد سوق عقارات في سوريا ارتفاعاً متواصلاً في أسعار الوحدات السكنية، مما يُشكل تحدياً كبيراً أمام المواطنين الراغبين بامتلاك منازل تلبي احتياجاتهم.
فمثلاً في أحياء مثل أبو رمانة والمزة (في دمشق)، لم تعد الشقق تباع بالليرة السورية، بل بالدولار. بعضها تجاوز سعره 30 مليار ليرة، أي ما يعادل 3.3 مليون دولار، وهو سعر يفوق نظيره في مدن تركية كبرى مثل إسطنبول.
أما الإيجارات، فقد تضاعفت ثلاث مرات في أقل من عام، مما دفع عائلات إلى التنقل بين المناطق الأرخص، والتي غالبًا ما تفتقر إلى أبسط الخدمات.
الأسباب الكامنة وراء الارتفاع
وراء هذه الأزمة أسباب معقدة، يأتي في مقدمتها تدمير مئات الآلاف من الوحدات السكنية خلال سنوات الحرب، مما خلق فجوة كبيرة بين العرض والطلب.
ومع عودة النازحين واللاجئين، ازدحمت المدن الكبرى بمن يبحثون عن سكن آمن، بينما تعاني دوائر التسجيل العقاري من شلل كامل، مما جعل الصفقات تتم في ظل غموض قانوني يزيد من مخاطر الاحتيال.
عدا عن دور المضاربين، الذين حولوا القطاع العقاري إلى سوق سوداء، يحددون الأسعار وفقًا لمزاجهم، خاصة بعد أن فقدت الليرة السورية قيمتها، وأصبح الدولار هو المعيار الوحيد للبيع والشراء.
ولا شك أن هذا الارتفاع قد حمل معه تداعيات عديدة، ففي الجانب الاجتماعي، أدى هذا الارتفاع إلى أزمة سكن حادة، حيث عجزت العديد من العائلات “خاصة ذوي الدخل المحدود” عن تحمل تكاليف الإيجار أو الشراء، مما دفع بعضهم إلى العيش في أحياء عشوائية أو حتى الهجرة مجدداً.
ولم تقتصر الآثار على السكان المحليين فحسب، بل شكلت أسعار السكن المرتفعة عائقاً كبيراً أمام عودة اللاجئين، الذين وجدوا أن شراء منزل في سوريا أصبح أغلى من مدن مثل إسطنبول أو أنقرة.
أما عن التداعيات الاقتصادية فكانت أوسع، حيث انعكس ذلك على تكاليف المعيشة، مما زاد من الأعباء على المواطنين في ظل غياب فرص العمل.
كما خلَّفت الأحداث الأخيرة التي أعقبت سقوط نظام الأسد واقعاً تشوبه الفوضى، فبسبب تعطيل الدوائر الرسمية، انتشرت عمليات بيع وشراء غير موثقة، يعرّض المشترون فيها أنفسهم لخطر الاحتيال.
وكانت النتائج مأساوية على الأسر، حيث اضطرت عائلات كثيرة إلى بيع ممتلكاتها فقط لتأمين إيجار شهرين أو ثلاثة، بينما تخلى شباب عن فكرة الزواج بسبب استحالة شراء منزل.
حتى المناطق الآمنة لم تسلم من التداعيات، فانتشرت فيها الأحياء العشوائية، التي تحولت إلى ملاذ أخير لمن فقدوا الأمل في سوق عقاري متوحش.
محمد، عاد من ألمانيا لقضاء عدة أشهر في دمشق بعد غربة لسنوات طويلة، لم يتمكّن من العثور على منزل بالأمر السهل، حيث أكّد لـ “تفاصيل برس” أنه دفع حوالي 400 دولار أمريكي حتى وجد شقة في حي ركن الدين، وهو مبلغ يراه محمد كبيراً قياساً بالدخل الشهري للسوريين في سوريا.
أيضاً محمود، اضطر لدفع 6000 دولار أمريكي ليستأجر منزلاً في الجسر الأبيض بدمشق لمدة سنة كاملة، حيث أصرّ مالك المنزل على الدفع السنوي.
حلول مقترحة!
تتطلب معالجة أزمة الإسكان تظافر جهود جميع الأطراف من خلال عدة إجراءات متكاملة، أهمها:
أولاً، إعادة تفعيل الدوائر العقارية و استئناف عمل محاكم ومكاتب التسجيل العقاري لضمان شفافية المعاملات وحماية حقوق المشترين.
إلى جانب ذلك، لا بد من تنظيم السوق عبر سياسات حكومية مثل تحديد سقف للإيجارات ودعم القروض السكنية بفوائد منخفضة، خاصة للعائدين من النزوح.
بالتوازي مع ذلك، يجب إعادة العقارات المسلوبة لأصحابها الشرعيين لزيادة المعروض في السوق.
كما يُعد تشجيع الاستثمار في الإسكان من خلال جذب استثمارات محلية وأجنبية لإطلاق مشاريع إسكانية جديدة، خاصة في المناطق المتضررة، خطوةً حيوية.
إضافة إلى ما سبق، لا غنى عن تحسين البنية التحتية، وذلك عبر توجيه جزء من مشاريع إعادة الإعمار نحو تطوير المناطق الريفية لتخفيف الضغط على المدن الكبرى.
أخيراً، يجب تثبيت سعر الصرف ومعالجة التذبذب النقدي عبر سياسات مصرفية تضمن استقرار الليرة، مما ينعكس إيجابًا على أسعار العقارات.
يرى المحرر الاقتصادي في تفاصيل برس أن أزمة ارتفاع أسعار العقارات في سوريا بعد التحرير هي نتاج تراكمات سنوات الحرب وسياسات النظام السابق، إلى جانب عوامل اقتصادية وأمنية معقدة. بينما تلوح في الأفق فرص للتعافي مع استقرار الأوضاع السياسية، إلا أن الحلول تتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا وشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان سكن آمن وبأسعار معقولة للمواطنين.