علي الجاسم – تفاصيل برس
تصريحات وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر الأخيرة، التي أعرب فيها عن رغبة “إسرائيل” في إقامة علاقات جيدة مع “النظام السوري الجديد”، تكشف عن قراءة إسرائيلية متقدمة لمآلات المشهد السوري، ورغبة واضحة في إعادة تموضع سياسي وأمني في الجوار الشمالي، لكن تحت عباءة “الاستقرار” و”حسن النية”.
إسرائيل، التي كانت لعقود أحد أبرز المستفيدين من بقاء النظام الحالي في دمشق ضعيفاً ومنهكاً، تسعى اليوم إلى تطبيع مقنّع مع ما قد تراه سلطة سورية قادمة أو متغيّرة، تُقدّم لها ضمانات أمنية وتبقي جبهة الجولان هادئة.
فحين يتحدث ساعر عن “مخاوف أمنية مفهومة”، فهو يبعث برسائل مزدوجة: أولها أن “تل أبيب” لا تزال ترى سوريا من منظور أمني بحت، وثانيها أنها مستعدة للتعامل مع أي سلطة هناك تضمن أمن حدودها، أياً كان شكلها أو مشروعها السياسي.
كما أن الإشارة إلى “التحركات المتعلقة بالأقليات” تعكس قلقاً إسرائيلياً متجدداً من تغيّرات ديموغرافية أو سياسية قد تعيد رسم المشهد السوري بما لا يخدم رؤيتها للمنطقة، خصوصاً في ظل التقاطعات الدولية والإقليمية المتسارعة على الأرض السورية.
لكن حين يتحدث ساعر عن “نوايا طيبة”، فإن المراقب يدرك تماماً أن السياسة الإسرائيلية لا تُبنى على النوايا، بل على توازنات دقيقة ومصالح استراتيجية. وإذا كانت إسرائيل اليوم مستعدة للانفتاح على “نظام جديد” في سوريا، فهي تفعل ذلك من منطلق براغماتي بحت: استباق التغييرات، وتثبيت المكاسب الأمنية، وربما السعي لشرعنة وجودها في الجولان المحتل عبر بوابة تفاهمات إقليمية.
إن الشعب السوري، الذي دفع ثمناً باهظاً من أجل حريته، يدرك جيداً أن إسرائيل لم تكن يوماً طرفاً محايداً، بل لطالما عملت على إطالة أمد الصراع وإبقاء سوريا رهينة الفوضى. وأي تقارب محتمل بين “تل أبيب” وأي سلطة حاكمة في دمشق يجب أن يُقرأ في هذا السياق: تقاطع مصالح، لا تقارب شعوب.