هند أحمد – تفاصيل برس
في ظل التدهور الاقتصادي المتواصل في سوريا، لم تعد المدارس فضاءً آمناً للتعليم فحسب، بل تحولت بالنسبة لكثير من الأطفال إلى ساحة صراع اجتماعي ونفسي، تتجلى فيها مظاهر التنمر بشكل متصاعد، خاصة بين الطلبة من ذوي الدخل المحدود.
تقول ميرنا، طالبة في الصف الأول الإعدادي، وهي تخفي وجهها خلف حقيبة مدرسية باهتة: “أشعر أحياناً أنهم لا يرونني، بل يرون ملابسي فقط”. يعكس هذا التصريح الموجز حجم المعاناة اليومية التي يواجهها آلاف الطلبة السوريين، ممن باتوا ضحايا للتنمر بسبب عجز عائلاتهم عن تأمين مستلزمات دراستهم الأساسية.
يقول أحد أصحاب المتاجر في دمشق: “دخل إليّ رجل خمسيني يبحث عن حقيبة ذات لون حيادي تصلح لطفليه، لأنه لا يستطيع شراء حقيبتين”. مشهد يلخص واقع آلاف العائلات السورية التي تعيش تحت خط الفقر، وتصارع لتأمين الحد الأدنى من احتياجات أطفالها الدراسية.
مدارس بلا عدالة اجتماعية
لا يقتصر التنمر على السخرية من المظهر، بل يتجاوز ذلك إلى التهميش والعزل والإيذاء النفسي والجسدي. فالطلبة الذين يرتدون أحذية ممزقة أو ملابس ورثوها عن إخوتهم الكبار، غالبًا ما يكونون عرضة للتنمر من زملائهم، مما يجعل البيئة التعليمية طاردة وغير مشجعة.
ويشير تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى أن التنمر المدرسي يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي، ويساهم في تراجع الأداء الأكاديمي ويزيد من معدلات الاكتئاب والعزلة بين الطلبة.
أنواع متعددة… وضرر واحد
يأخذ التنمر أشكالاً متعددة، منها البدني كالضرب والإيذاء، واللفظي مثل الشتائم والسخرية، والنفسي من خلال الإقصاء والتلاعب، وأخيراً التنمر الإلكتروني الذي يتزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية.
وفي بلد تتزايد فيه معدلات الفقر والعنف الأسري، يصبح الأطفال فريسة سهلة لاكتساب سلوكيات عدوانية. ويُجمع اختصاصيون على أن معظم المتنمرين هم أنفسهم ضحايا لبيئات منزلية مضطربة أو لتجارب سابقة من العنف أو التهميش.
العوامل المؤججة للتنمر
بحسب خبراء علم الاجتماع، يعود تفشي ظاهرة التنمر في المجتمع السوري إلى مجموعة من العوامل المركبة، منها:
العنف المنزلي والتربية القائمة على القسوة.
غياب الرقابة المدرسية والتوجيه التربوي الفعال.
التأثير السلبي للإعلام وألعاب الفيديو العنيفة.
الشعور بالنقص أو الغيرة أو السعي للفت الانتباه.
انعدام الثقة بالنفس أو ضعف الأمن العاطفي والنفسي.
الآثار النفسية والاجتماعية
ينعكس التنمر بشكل مدمر على الضحايا، فيعانون من فقدان الثقة بالنفس، وتدهور في التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى مشكلات نفسية قد تصل إلى الاكتئاب أو حتى التفكير في الانتحار. كما يُعدّ هؤلاء الأطفال أكثر عرضة في المستقبل للوقوع في مشاكل سلوكية أو تعاطي المخدرات.
المجتمع المدرسي في مواجهة التنمر
يلعب الأخصائي الاجتماعي دوراً محورياً في رصد حالات التنمر والتدخل المبكر لعلاجها. فوجود هذا الكادر المتخصص في المدارس يساهم في الحد من الظاهرة عبر تقديم الدعم النفسي والتربوي للطلبة، وتوعية المعلمين بكيفية التعامل مع الحالات.
وتؤكد الدراسات أن إشراك الطلاب في ورش توعوية وأنشطة تعزز الثقة بالنفس والمهارات الاجتماعية هو أحد أنجع الوسائل في الحد من انتشار التنمر.
حلول مطروحة لمواجهة الظاهرة
لمكافحة التنمر داخل المدارس السورية، يقترح المختصون مجموعة من الإجراءات الوقائية والعلاجية، من أبرزها:
تشجيع الطلاب على الإبلاغ عن حوادث التنمر.
تعزيز مفهوم الاحترام والمساواة داخل البيئة المدرسية.
تنظيم حملات توعوية دورية.
إدخال برامج تربوية لتنمية الذكاء العاطفي والاجتماعي
تدريب المعلمين على رصد سلوكيات التنمر ومعالجتها.
توفير دعم نفسي للضحايا والمتنمرين على حد سواء.
معركة تتطلب تضافر الجهود
في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، تبدو مواجهة ظاهرة التنمر في المدارس السورية معركة معقدة تتطلب تعاون الأهل والمعلمين والمؤسسات التعليمية والحكومية. فالتنمر ليس سلوكًا فرديًا فقط، بل انعكاس لتشوهات مجتمعية أعمق.
ولا يمكن تحقيق بيئة تعليمية آمنة وصحية ما لم تُوضع استراتيجيات شاملة للحد من هذه الظاهرة، تبدأ من المنزل ولا تنتهي عند باب المدرسة. فالطفل الذي يتعرض للتنمر اليوم، قد يصبح غدًا إما متنمّرًا آخر… أو ضحية جديدة في حلقة لا تنتهي.