بلال الخلف – تفاصيل برس
في المشهد السوري الراهن، كثيرون يتابعون التفاصيل اليومية بإرهاق وريبة. الجهود واضحة في أكثر من محافظة، مشاريع هنا وهناك، مبادرات وأعمال ومحاولات جادة للعودة إلى الحياة.
لكن وسط هذا الحراك المتفاوت، تبرز حلب وحماة كحالتين استثنائيتين، لا فقط بسبب حجم العمل، بل بسبب منطق العمل نفسه.
هاتان المدينتان لا تعودان للحياة فحسب، بل تصنعان حياة جديدة.
لا تمر ساعة دون ولادة مشروع، ورشة تعليمية، لقاء سياسي، حوار مجتمعي، أو عودة صناعيين كأنهم وجدوا أخيرًا مكانًا آمنًا ليبنوا فيه مستقبلهم.
ولكن لماذا هناك؟ لماذا بهذه السرعة وهذه الثقة؟
الجواب لا يكمن فقط في الموارد أو الإدارات، بل في غياب العوائق النفسية والاجتماعية.
في حلب وحماة، المجرمون إما في السجون أو هاربون، لا تسويات تُعقد على حساب دم الناس، ولا مشهد عبثي يُمنح فيه الفاسدون فرصة العودة بثوب الشرعية.
وهذا ما يجعل الناس أكثر جرأة على الفعل، وأكثر اندفاعًا نحو العمل، لأنهم لا يخشون أن تهدم إنجازاتهم فجأة بتوقيع تسوية مع أحد أعداء المجتمع.
على النقيض، في محافظات أخرى، يقف الناس مترددين، يتوجسون من المبادرة، لأنهم لا يعرفون ما إذا كان الغد سيحمل تسوية مع مجرمٍ ما، أو إعادة تدوير لفاسدٍ يملك من العلاقات ما يكفي ليعود بطلاً.
وهذا التوجس ليس تفصيلاً، بل هو ما يصنع الفارق بين مدينة تنهض وأخرى تراوح مكانها.
من هنا، فإن صعود حلب وحماة ليس فقط نتيجة خطط عمرانية أو دعم سياسي، بل نتيجة جو عام بات نظيفًا نسبيًا من العبث، وبيئة مجتمعية باتت تشعر أن المجرم لم يعد فوق القانون.
حماة تتحرك بهدوء لكنها بثبات، تضع لبنة فوق أخرى في صمت المنتصر.
وحلب تشتعل بالحياة، تنفض غبار الحرب وتؤسس لبنية اقتصادية ومجتمعية لا تشبه الماضي، بل تتجاوزه.
الرسالة واضحة: حين يُقصى المجرمون، وحين لا يُكافأ الفاسد، تستيقظ المدينة من غيبوبتها وتبدأ رحلتها نحو المستقبل.
وحين يحدث العكس، يبقى الناس أسرى الخوف، وتبقى المحافظات عالقة بين الندم والتردد.
في زمن عربي مُثقل بالخوف، حلب وحماة تسجلان سابقة: مدن تنمو لا لأن أحدًا وعدها، بل لأن مجرميها لم يُكافَأوا.