رزق العبي – ذي ميديا أونلاين
اعتماد سوريا على تهريب الكبتاجون يواجه تحديات جديدة؛ فالصراع المستمر والمشتعل مع حزب الله، يهدد بتقويض الإيرادات الحيوية لنظام الأسد
إن تجارة المخدرات غير المشروعة في سوريا، والتي تشكل ركيزة اقتصادية أساسية لنظام الرئيس بشار الأسد، أصبحت مهددة في ظل الصراع الدائر بين إسرائيل وحزب الله الذي يعطل إنتاج وتهريب الكبتاجون، وهو منشّط محظور يحظى بشعبية كبيرة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ومن الممكن أن يؤدي إضعاف حزب الله، الحليف الرئيسي والشريك الميّسر لصناعة المخدرات، إلى عواقب اقتصادية وخيمة على النظام السوري.
دور الكبتاجون في الاقتصاد السوري
لقد أصبح الكبتاجون، وهو الاسم التجاري للمنشط الصناعي (فينيثيلين)، مصدراً رئيسياً للإيرادات في سوريا. وتعد البلاد حالياً أكبر منتج للكبتاجون في العالم، حيث بلغت قيمة تجارة المخدرات السورية ما يقرب من ثلاثة أضعاف قيمة تجارة المخدرات لعصابات المخدرات المكسيكية مجتمعةً، وفقاً للصحفي الاقتصادي السوري سمير طويل.
وقال الطويل لميديا لاين: “لقد استنزفت الحرب في سوريا العديد من الموارد الاقتصادية، مما دفع النظام إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة. وأصبحت المخدرات بجميع أنواعها المورد الاقتصادي الأكثر أهمية للنظام السوري وحزب الله على مدى السنوات العشر الماضية”.
العقوبات والشخصيات الرئيسية في تجارة المخدرات
في مارس/آذار من العام الماضي، فرضت المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على أفراد يشتبه في تورطهم في تجارة الكبتاجون، بما في ذلك اثنان من أبناء عم الأسد. ويُعتقد أن النظام السوري، إلى جانب حزب الله ــ المجموعة اللبنانية المتشابكة بشكل وثيق مع النظام ــ يعتمدان على مبيعات المخدرات لتمويل العمليات العسكرية.
وبحسب المملكة المتحدة، يكسب الأسد نحو 60 مليار دولار سنوياً من عائدات تجارة المخدرات. وخلال إعلانها عن العقوبات، أكدت المملكة المتحدة أن النظام السوري “يلعب دوراً محورياً في تجارة المخدرات، حيث تنطلق شحنات بقيمة مليارات الدولارات معاقل النظام التي يسيطر عليها مثل ميناء اللاذقية”.
الفرقة المدرعة الرابعة وتدخل حزب الله
تخضع تجارة المخدرات في سوريا لإشراف مسؤولين رفيعي المستوى ووحدات عسكرية، أبرزها الفرقة الرابعة المدرعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس، ونائبه غسان بلال. وكلاهما متورطان في تسهيل إنتاج المخدرات وتهريبها.
ففي عام 2021، أثناء محاكمة حسن محمد دقو، تاجر المخدرات السوري اللبناني المعروف باسم “ملك الكبتاجون”، ظهرت أدلة على محادثات بين دقو وبلال حول تهريب المخدرات عبر الحدود السورية اللبنانية. وكشف مصدر في الفرقة الرابعة المدرعة، طلب عدم ذكر اسمه، أن أغلب العسكريين متورطون في تجارة المخدرات، وقال المصدر إن “سلطات عليا توفر الغطاء الأمني للمتورطين، مقابل الولاء المطلق للنظام السوري”.
عمليات حزب الله في مجال المخدرات على مستوى العالم
إن تورط حزب الله في الاتجار بالمخدرات لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط. ففي عام 2002، كشف اعتقال المواطن اللبناني أسعد بركات في البرازيل بتهمة التهرب الضريبي عن دوره في جمع الأموال لحزب الله من خلال الاتجار بالمخدرات في أميركا اللاتينية. وشملت الاعتقالات اللاحقة نمر زعيتر في عام 2008 لمحاولته تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة، وحمزة بركات في عام 2013 لتأسيس شبكة احتيال وتهريب.
وقد ألقي القبض على عشرات آخرين بتهم مماثلة، مما يسلط الضوء على شبكة حزب الله العالمية للتمويل من خلال وسائل غير مشروعة.
الدعم المالي الإيراني لحزب الله
يعتمد حزب الله منذ فترة طويلة على الدعم المالي والعسكري من إيران. ففي الثمانينيات، قدمت إيران 100 مليون دولار سنويًا، وارتفعت إلى 200 مليون دولار بحلول عام 2005 و300 مليون دولار من عام 2006 إلى عام 2009. وعلى الرغم من التقلبات بسبب العقوبات وأسعار النفط، فقد شهدت السنوات الأخيرة استقرار دعم إيران عند حوالي 700 مليون دولار سنويًا، خاصة بعد رفع العقوبات خلال رئاستي باراك أوباما وجو بايدن.
كشفت عملية اغتيال رجل الأعمال السوري براء قاطرجي، التي نفذتها إسرائيل في 15 يوليو/تموز الماضي، عن تورطه في نقل أموال من إيران إلى حزب الله. وكانت الأموال تنقلها قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني عبر شحنات نفط ونقد إلى سوريا، وتباع لشركة تدعى “BS” يملكها قاطرجي، ثم يتم تحويل العائدات إلى حزب الله.
وقال مصطفى النعيمي، الخبير في الشؤون الإيرانية، لميديا لاين إن حزب الله لا يتلقى الدعم المالي فحسب، بل ويتلقى الدعم العسكري أيضًا من إيران، حيث يتلقى أعضاؤه تدريبات في إيران وسوريا. وأشار إلى أن حزب الله يواجه حاليًا انتكاسات كبيرة بسبب خسارة مقاتلين في الحرب مع إسرائيل وانقطاع الطرق المالية من إيران عبر سوريا.
جمعية القرض الحسن
ومن بين الأذرع المالية الرئيسية لحزب الله جمعية القرض الحسن، التي تأسست عام 1982 ولديها أكثر من 30 فرعاً في لبنان. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن هذه الجمعية، التي تعمل خارج إشراف البنك المركزي اللبناني، مدرجة على قائمة الإرهاب الإسرائيلية .
ووصف آدم سميث، المستشار الأول السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي، الجمعية بأنها “دولة داخل دولة ” في لبنان ومصدر رئيسي لتمويل حزب الله. وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على القرض الحسن في عام 2007 ووسعتها في عام 2021 لتشمل ستة موظفين حولوا أكثر من 500 مليون دولار عبر البنوك اللبنانية.
الإجراءات التشريعية الأمريكية ضد تجارة الكبتاجون
في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن على “قانون الكبتاجون”، معلنا أن تورط سوريا في تجارة المخدرات يشكل تهديدا للأمن القومي. ويستهدف القانون الشبكات المتورطة في إنتاج الكبتاجون والاتجار به المرتبطة بنظام الأسد. واستهدفت التشريعات اللاحقة على وجه التحديد أفراد عائلة الأسد، بما في ذلك ماهر الأسد وشخصيات من الفرقة المدرعة الرابعة.
تأثير الحرب بين إسرائيل وحزب الله على تجارة المخدرات
لقد أدى الصراع الأخير بين إسرائيل وحزب الله إلى تعطيل عمليات تهريب المخدرات بشكل كبير. وقد أعلنت الأردن والمملكة العربية السعودية عن انخفاض ملحوظ في عمليات ضبط المخدرات على حدودهما خلال الشهر الماضي مقارنة بالسنوات السابقة. وشهد الشهر الماضي ركوداً اقتصادياً في النظام السوري بسبب تراجع تهريب الكبتاجون، بسبب الحرب بين إسرائيل وحزب الله.
وأشار المحلل السياسي وائل الخالدي إلى أن تهريب المخدرات يشكل موضوعا رئيسيا في الاجتماعات بين المسؤولين الأردنيين والسوريين. وقال الخالدي لصحيفة ميديا لاين: “شهد الشهر الماضي ركودا اقتصاديا في النظام السوري بسبب تراجع تهريب الكبتاجون، بسبب الحرب بين إسرائيل وحزب الله”.
ولاحظ سكان دمشق نقصاً في إمدادات الكبتاجون، حيث عزا التجار هذا النقص إلى تورط حزب الله في الصراع. وقال أحمد م، أحد السكان المحليين، إن متعاطي المخدرات يواجهون صعوبة في الحصول على جرعاتهم بسبب انخفاض العرض.
نداءات للتحرك الدولي
ودعا الخالدي إلى بذل جهود دولية أقوى لمكافحة تجارة المخدرات القادمة من سوريا. وحذر من أن “تهريب المخدرات من سوريا إلى واشنطن ليس بالأمر الصعب. فشبكات التهريب مدربة تدريباً عالياً وتعمل لصالح حزب الله والأسد”.
ويؤكد أن التساهل مع سوريا، بما في ذلك إعادة دمجها في جامعة الدول العربية وعقد صفقات تجارية تحت ستار المساعدات الإنسانية، سهّل تجارة المخدرات، وخاصة عبر ميناء اللاذقية. وقال الخالدي إن أجيالاً بأكملها تضيع بسبب المخدرات، سواء من خلال الإدمان أو الاتجار.
الوسوم