“مؤشرات التغيير في الشرق الأوسط”، هذه العبارة قالها نتنياهو بعد اندلاع حرب غزة على الفور، واليوم يعيد نفس العبارة، وستتكرر هذه العبارة عند بداية القصف على المليشيات الإيرانية في سوريا في توقيت لا يعرفه سوى نتنياهو بالتحديد.
بدأت هذا المقال بهذا التصريح لأبين أن ما يحصل في غزة ولبنان وفي سوريا لاحقاً هو مخطط له مسبقا يتم تنفيذه اليوم، فإيران التي دفعت بحماس للهجوم على إسرائيل لتوقف مسيرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل كانت هي المسؤولة الأول عن لجوء إسرائيل للخيار العسكري المتبقي والوحيد أمامها.
وبات من الواضح أن إسرائيل لا تريد انهاء الحرب في غزة لإيجاد مبرر التوجه نحو حزب الله وانهاء وجوده، فالقضية ليست قضية انسحاب خلف الليطاني ابداً، القضية اكبر وأهم من هذا العنوان الدبلوماسي الذي يتيح لإسرائيل الدفاع عن نفسها أمام ما يسمى وحدة الساحات التي اطلقها محور المقاومة.
وكيف لهذا الشعار أن يخدم إسرائيل في توسيع نطاق عملياتها العسكرية وفق مبدأ “عزل الساحات” وفصلها والاستفراد بها وتمزيقها، ومحور إيران “المقاومة” الذي كان يصدر شعارات ولم يعي يوماً أنها ستكون سبباً للقضاء عليه، تلك هي حقيقة المحور الكاذب والمخادع والذي بات مكشوف لدى حاضنته الاجتماعية.
لكن على المحور الآخر استطاعت إسرائيل توظيف الشعار امام العالم وتستثمر فيه لتوسيع نطاق الحرب، والعالم اليوم لا يطالب بتوقف الحرب باستثناء فرنسا التي تمثل الأب الروحي لحزب الله والنظام السوري وايران.
ومعهم الرؤية الأوبامية بإدارة بايدن الذي بات يقف في نقطة حرجة جداً، فهو لا يستطيع أن يقف مع إسرائيل ولا يستطيع أن يقف ضد المحور بشكل علني.
والجدير بالذكر بأن نتنياهو حقق مكتسبات كبيرة في إطار رسم خارطة الصراع في المنطقة وفق رؤيته التوسعية لبناء شرق أوسط جديد في مواجهة خصومه، وحظي هذا التوجه بالدعم الروسي المبني على مرتكز تصفيد الأسد ومنعه من أي تحرك في ظل تطابق وتنافر الإرادات الدولية.
وبات لزاما على رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم حسم معركة غزة لأنهم لم يحققوا الأهداف التي رسمت لها على المستوى الاستراتيجي ومعضلة حماس باتت من الماضي وفق رؤيته ولفتح معركة في الشمال كان لزاما إيجاد الذرائع اللازمة لذلك واستثمر تصريحات “نصر الله” بأن “وقف اطلاق النار في جنوب لبنان متوقف على وقف اطلاق النار بغزة”.
لكن بالمقابل هل كان نصر الله جادا في ذلك، أعتقد جازما بأن كل المؤشرات تدلل على عدم جديته وأثبتت مشاغلته لإسرائيل ما جرى في “معارك العامود”، وانطلاقا من تلك الفجوة التي أحدثها والتي قدمت دون مقابل وكيف حولها نتنياهو كمبرر لتحالف دولي لضرب حزب الله وكيف دفع نصر الله ثمن تحريضه المبني على أساس الخداع الاستراتيجي.
وعندما توسعت المعارك في الجنوب اللبناني شاهدنا الانعطافة الإيرانية من خلال تصريحات الرئيس الإيراني “مسعود بزشيكيان” ووزير خارجيته في نيويورك والتي تمحورت بمضمونها حول تنصلهم عن دعم حزب الله والحوثيين وأنهم مستعدون لبدء محادثات نووية في نيويورك.
فبالتالي تنصلت إيران عن مبدأ وحدة الساحة وتعرت أمام حاضنتها الولائية وباتت التصريحات الإيرانية عكس ما تم تسويقه على مدار أربعون عاما لتحرير القدس.
لكن على الضفة المقابلة نتنياهو اختار التوقيت الحرج إيرانيا والمناسب من حيث المناخ الدولي لضرب حزب الله مستثمرا عامل الانتخابات الأمريكية ومنافسة المرشحين كنقطة ارتكاز لاستمرار زخم الدعم الدولي في حربه على حزب الله.
والانتخابات الأمريكية في ظل إدارة “جو بايدن” لن تسمح بتوقيع اتفاق نووي “أمريكي – فرنسي” مع طهران، والانعطافات الدولية لتدافع الإرادات نضجت وبات من البديهي بأن الحرب ستطال المحور الإيراني برمته، ومن المتوقع بأن الهدف بعد حزب الله أن يتم احداث خرق كبير ومروع في ايران تبريراً لضربها في عقر دارها وتدمير منشآتها النووية.
ويعتقد صانع القرار في تل أبيب بأن تكتيكاتهم المستخدمة من شأنها توريط إيران لخوض حرب ضد إسرائيل مستثمرا التموضع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وأن الهواجس الأمريكية في إدارة بايدن لم تتمكن من كبح الجموح الإسرائيلي المبرر دوليا في ردودها المتعاقبة على ضربات حزب الله لمستوطنات الجليل الأعلى جنوب لبنان.
وبناء على المناخ المتأزم في منطقة الشرق الأوسط وتلاقي الأهداف الخليجية والأردنية والمصرية وروسيا والصين بما فيها المتضرر المباشر إسرائيل، شكلت أرضية تخادميه فور فوز المرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري لإنهاء الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى النقيض من ذلك إن لم ينجح المرشح الرئاسي ترامب تكون إسرائيل قد شكلت واقعاً محال تغييره امام أي تموضع في الإدارة الامريكية القادمة، واعتقد باتت السياسة السعودية والاماراتية في توجهاتها الدقيقة والذكية في إدارة اخطر مرحلة في تاريخ الشرق الأوسط الجديد.
وبناء على المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط ستجدون أن شكل وجوهر الحكم في سوريا سوف يتغير لا محالة وأن ما تبقى في هذا العام يعتبر من اخطر المراحل التي يمر بها تشكيل الشرق الأوسط والعالم وسيحدد معالم التوجه العالمي بتشكيل عالم جديد مختلف عن السابق.