هيئة التحرير – تفاصيل برس – ملف أصدره تفاصيل برس بمناسبة اليوم العالمي للموئل
يصادف اليوم 7 أكتوبر اليوم العالمي للموئل، ويأتي الاحتفال بهذا اليوم لعام 2024 تحت شعار “إشراك الشباب لخلق مستقبل حضري أفضل”، وفق ما أعلن موقع الأمم المتحدة الرسمي.
وبالتزامن مع هذا اليوم العالمي، أنجزت هيئة التحرير تقريراً عن دور الشباب في مولات إدلب، وهذا التطور الذي ظهر فجأة في مناطق مكتظّة بالسكّان والفقر في آنٍ معاً.
في شمال سوريا، حيث تختلط مشاهد الفقر واللجوء مع تحديات النزوح وانعدام الأمن الغذائي، تظهر لكَ “المولات” كجزء من مشهد اقتصادي، في مدن مثل إدلب ومعرة مصرين وسرمدا والدانا وريف حلب وغيرها، تنبثق هذه المراكز التجارية الضخمة وتبدو للوهلة الأولى كخطوة نحو التطور والرفاهية، لكنها في العمق تكشف عن واقع اقتصادي متأزم وفجوة اجتماعية متنامية.
أحد المفارقات الكبرى هو التباين بين المولات الفخمة التي تجذب القادرين على الشراء، وبين السكان الذين يعيشون في المخيمات والمستأجرين بباقي المناطق من النازحين، الذين يكافحون يومياً لتأمين الغذاء.
ما يزيد عن 3.7 مليون شخص في تلك المناطق يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وضمن هذا العدد، يوجد مليوني نازح يعيشون في ظروف قاسية، بعيدة كل البعد عن رفاهية التسوق في المولات.
حل مؤقت وضغط اقتصادي متزايد
رغم أن المولات قد توفر فرصة لبعض السكان للحصول على السلع الأساسية في مكان واحد، إلا أن تأثيرها على الأسواق المحلية يبدو جلياً، الأسواق التقليدية التي كانت تعتمد على الباعة المحليين تواجه الآن منافسة شديدة من هذه المراكز الضخمة، مما يزيد من تحديات البقاء على قيد الحياة للعديد من أصحاب المحلات الصغيرة، وفي ظل الانهيار الاقتصادي وتدهور مستوى المعيشة، يصبح التسوق في المولات امتيازاً لا يستطيع تحمله سوى القليل.
تطور اقتصادي “عروض مغرية وأسعار باهظة”
النظرة الشاملة على تأثير هذه المراكز على الاقتصاد المحلي، من جهة، توفر فرص عمل وقد تساهم في تنشيط حركة التجارة، لكن من جهة أخرى، تظهر المولات كمشهد يعكس حالة انفصال عن الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه معظم سكان المحرر.
لا يمثل ارتفاع أسعار السلع مجرد تحدٍ يومي للمستهلكين، بل يبرز كجزء من مشهد اقتصادي معقد تتلاعب فيه العوامل السياسية والمالية، الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، والتفاوت الكبير بين الأسعار في المحال الصغيرة والمولات، يجعل الكثير من الأسر غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية.
تقلب قيمة الليرة التركية أمام الدولار يفاقم من هذا الوضع، حيث يستغله بعض التجار كذريعة لرفع الأسعار بشكل غير مبرر، ما يؤدي إلى استغلال واضح للمستهلكين الذين يجدون أنفسهم عالقين في دوامة من الغلاء، المولات رغم أنها تقدم عروضاً تجذب شريحة من المستهلكين، إلا أنها تظل بعيدة عن متناول الفقراء الذين يواجهون ارتفاعاً مستمراً في الأسعار.
الفجوة الاقتصادية بين الطبقات
التفاوت الكبير بين الأسعار داخل المولات وبين المحال الصغيرة يعكس غياب التوازن بين الطبقات الاقتصادية في المجتمع، ففي حين أن المولات توفر لبعض الفئات فرصة الحصول على السلع بأسعار خاصة، يبقى الفقراء محاصرين بين الغلاء المستمر في المعيشة واستغلال التجار للأوضاع، هذا الخلل الاقتصادي يؤدي إلى تعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية ويضع الفقراء في مواجهة يومية مع سوق لا يرحم.
أين يتجه السوق في الشمال السوري؟
الأسواق التجارية في الشمال السوري تشهد فوضى اقتصادية مقلقة، يتفاقم فيها الغلاء ويستشري الاستغلال وسط أزمات إنسانية حادة، في ظل هذا الوضع، يتساءل الكثيرون عن دور الحكومات المحلية، سواء حكومة “الإنقاذ” أو “المؤقتة” في مواجهة هذا الغلاء الذي يخنق المستهلكين، خصوصاً مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي تمثل الأساس لحياة الملايين.
التبريرات المتكررة لتقلبات السوق وارتفاع الأسعار لم تعد كافية، فقد بات من الضروري اتخاذ إجراءات صارمة لضبط الأسعار ومنع استغلال الأزمات الاقتصادية من قبل بعض التجار، هنا يبرز دور الحكومات في فرض رقابة فعّالة على الأسواق، بتشكيل لجنات تموينية تراقب بشكل دوري، وتوفير حماية حق حماية للمستهلكين الذين يواجهون تحديات يومية في تأمين لقمة العيش.
المولات تسهم في خلق فرص عمل للشباب وتنشيط الاقتصاد المحلي، لكن هذه الفوائد الجزئية تتلاشى أمام مشكلة الغلاء المتصاعد، ما الفائدة من هذه الفرص إذا كانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتسع يومًا بعد يوم؟ إذا كانت الأسعار في هذه المراكز التجارية تفوق قدرة معظم السكان على الشراء، فإن الاستفادة الحقيقية تظل محصورة في أقلية قادرة على الوصول إلى تلك المولات، بينما يعاني البقية من تفاقم الغلاء والضغط الاقتصادي.
الحلول الجزئية والمبادرات المحدودة ليست كافية لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، ما يحتاجه السوق هو تدخل حكومي حقيقي لضبط الأسعار ومنع استغلال التجار للأزمات، يجب أن يتم التركيز على توفير الأمن الغذائي لكل أفراد المجتمع، وليس فقط لفئة محددة تستطيع الوصول إلى المولات أو تحمل تكاليف الحياة المرتفعة.
التحديات التي تواجه الأسواق في الشمال السوري تحتاج إلى استراتيجيات طويلة الأمد، قائمة على العدالة الاقتصادية وضمان توفر السلع الأساسية بأسعار معقولة للجميع.
بين بريق الحداثة وأزمة الفقر
عند النظر إلى المولات التي بدأت تبرز في المشهد التجاري للمناطق المحررة في الشمال السوري، قد يبدو للوهلة الأولى أنها تحمل في طياتها تطورًا اقتصاديًا يلمع ببريق الحداثة، من حيث الشكل، تبدو هذه المراكز التجارية الضخمة كمنارات للتقدم، توفر فرص عمل وتقدم رفاهية التسوق لبعض الفئات، ولكن هل يمكن لهذا البريق أن يخفي وراءه الحقيقة القاسية التي يعيشها الغالبية العظمى من السكان؟
رغم أن المولات قد تكون مصدرًا للدخل وتحريك عجلة الاقتصاد، إلا أنها في الواقع تساهم في تعميق الفجوة الاقتصادية بين الطبقات، فالمناطق المحررة، وعلى رأسها إدلب، لا تزال تعاني من أزمة فقر متفاقمة، وانعدام للأمن الغذائي، حيث يعيش ملايين السكان تحت خط الفقر، يعانون من آثار الحرب والجوع المولات هنا تمثل تناقضًا صارخًا، فهي في ظاهرها تقدم صورة مشرقة للاقتصاد، لكنها في جوهرها تعكس مشهدًا اقتصاديًا مضطربًا وغير متوازن.
تستمر معاناة الناس من الجوع، والبطالة، وانعدام الأمن إن بريق المولات قد يجذب الانتباه لفترة، لكنه لا يستطيع إخفاء جروح الجوع والحرب التي ما زالت مفتوحة، يجب أن ننظر إلى هذه المشاريع بعين ناقدة، وأن نبحث عن حلول حقيقية وجذرية تعالج جذور الأزمة الاقتصادية.
نحو مستقبلٍ أكثر إنصافًا للشمال السوري
بينما نستشرف المستقبل، يجب أن ننقل الحوار إلى مستوى أكثر شمولية، الحلول المستدامة لا تكمن فقط في المولات أو المشاريع الاقتصادية المستوردة التي قد تبدو جذابة من الخارج، ما يحتاجه المجتمع في الشمال السوري هو تبني سياسات اقتصادية تعزز العدالة، وتضمن توزيع الموارد بشكل متوازن، وتستهدف الفئات الأكثر تضررًا من الحرب والأزمات.
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تعكس احتياجات المنطقة الحقيقية، هو خطوة أولى نحو تحقيق هذا الهدف، كما يجب أن يكون هناك تركيز على توفير الأمن الغذائي، وإعادة بناء الاقتصاد على أسس أكثر عدالة وإنصافًا.
الأمل لا يكمن فقط في بريق المولات، بل في إعادة بناء اقتصاد شامل ومستدام يمنح الجميع، الفقراء والأغنياء على حد سواء، الفرصة للعيش بكرامة وأمان.