عبد الرحمن رياض – تفاصيل برس (خاص)
تشهد مناطق الجنوب السوري، وتحديداً ريف دمشق والسويداء، تصاعداً متسارعاً في التوترات الأمنية والسياسية، حيث تزامنت الاشتباكات في مدينة جرمانا مع توقيع الحكومة السورية عقد استثمار طويل الأمد لميناء اللاذقية مع شركة فرنسية، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول العلاقة بين الإنجازات الحكومية والتصعيد الأمني في مناطق النفوذ الهشة. جاءت هذه الأحداث ضمن سياق إقليمي ودولي معقد، تحاول فيه أطراف داخلية وخارجية إعادة تموضعها السياسي والعسكري، في ظل تنازع المرجعيات الدرزية ووجود مؤشرات على تدخل إسرائيلي مباشر في الميدان.
سياق الأحداث
اندلعت مواجهات في مدينة جرمانا بين عناصر محلية محسوبة على اللجان الشعبية ومجموعة خارجة عن القانون، ما استدعى تدخلاً مباشراً من قوى الأمن العام التي تمكنت من احتواء الموقف وفتح مسار تفاوضي تمخض عنه عقد اجتماعي مؤقت. بالتزامن، اندلعت اشتباكات في صحنايا بين مجموعات مسلحة محلية وقوات الأمن العام، أدت إلى سقوط أكثر من 11 قتيلاً وعشرات الجرحى.
الحدث المفصلي تمثل في التدخل الإسرائيلي عبر شن ضربات تحذيرية على مواقع تابعة لوزارة الدفاع والأمن العام، يُعتقد أنها جاءت لصالح مرجعيات دينية درزية تقود تحركات سياسية وأمنية في المنطقة، وعلى رأسها الشيخ يحيى الهجري. وقد فُسرت هذه الضربات على أنها رسالة دعم صريحة لمشروع الحماية الذاتية الذي يسعى أنصار الهجري إلى فرضه في السويداء.
ديناميكيات التحرك في السويداء
في ضوء هذه التطورات، تحرك رتل مسلح من دمشق باتجاه السويداء رافقهم ليث البلعوس، بدعم من فصائل درزية مناصرة للثورة، بهدف عقد تفاهم مع الدولة يفضي إلى تمكين أبناء المحافظة من حماية مناطقهم ذاتياً ضمن إطار الأمن العام. وتم تسليم مجموعات محلية أسلحة وعتاداً ضمن تفاهمات مؤقتة لتحييد خطر الجماعات الموالية للهجري.
بالتوازي، شهدت مناطق الداخل الإسرائيلي تحركات احتجاجية من قبل الدروز الإسرائيليين، في محاولة للضغط على حكومة نتنياهو لتأمين الحماية لدروز سوريا، ما وضع تل أبيب أمام معادلة حساسة تجمع بين حسابات الأمن الإقليمي وتوازنات الجبهة الداخلية.
التحديات أمام الحكومة السورية الجديدة
- ضبط الهشاشة الأمنية في الجنوب عبر فرض استقرار دائم في جرمانا وصحنايا.
- احتواء تيار الهجري دون تمكينه مؤسساتياً، خاصة أن عدداً من أنصاره منخرطون في فصائل ذات سجل أمني مثير للجدل.
- تحييد الورقة الدرزية من يد إسرائيل دون الدخول في مسار تنازلات استراتيجية، كالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان أو القبول بتطبيع جزئي دون مقابل.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول:
تعزيز التدخل الإسرائيلي وتشكيل منطقة نفوذ جديدة جنوب سوريا
يتضمن استمرار القصف الإسرائيلي لمواقع الجيش السوري والتمركز في مناطق فض الاشتباك بجبل الشيخ، ما يخلق واقعاً أمنياً جديداً يمتد حتى تخوم ريف دمشق. هذا السيناريو يعزز رواية الحماية الإسرائيلية لدروز السويداء ويمنح الهجري نفوذاً سياسياً، ما يهدد وحدة القرار المركزي السوري ويعقد ملف التفاوض مع “قسد”.
السيناريو الثاني:
ضغط دولي لإنهاء الدعم الإسرائيلي للفصائل الدرزية
قد تؤدي ضغوط أمريكية وعربية (تركية، قطرية، مغربية، وسعودية) إلى وقف الدعم الإسرائيلي، ضمن استراتيجية احتواء الفوضى ومنع عودة تنظيمات متطرفة في الجنوب.
هذا السيناريو يتناغم مع الرغبة الدولية في استقرار سوريا وإعادة دمجها في النظام الإقليمي والدولي.
السيناريو الثالث:
تآكل شعبية تيار الهجري وصعود مرجعيات جديدة
يتوقع أن تتزايد شعبية الشخصيات المنبثقة عن الحراك الثوري مثل ليث البلعوس وراجي الحجار، مقابل تراجع الهجري والمرجعيات التقليدية. تسعى الحكومة إلى تمكين هذه المرجعيات الجديدة لضمان ولاء محلي يحبط أي تدخل خارجي ويعزز الأمن الذاتي ضمن بنية الدولة.
السيناريو المستبعد:
تحالف المرجعيات التقليدية بدعم خارجي لفرض مشروع اللامركزية
تحالف المرجعيات المدعومة من إسرائيل و”قسد” وفصائل النظام السابقة لفرض فيدرالية أمر غير مرجح في السياق الحالي، لافتقاره للقبول الشعبي والدولي، ويُعد تهديداً مباشراً لوحدة الدولة السورية.
خلاصات وتوصيات
- ضرورة تعزيز مقاربة التمكين المحلي الأمني المنضبط مؤسساتياً، لضمان استقرار دائم في السويداء.
- التحرك دبلوماسياً لتحييد النفوذ الإسرائيلي الرمزي والسياسي في الملف الدرزي.
- دعم المرجعيات الجديدة ذات الامتداد الشعبي في الجنوب السوري مع إعادة هيكلة الحضور الأمني بما يضمن عدم تكرار الفوضى.
- توظيف اللحظة الإقليمية الراهنة للدفع باتجاه حل سياسي شامل يضمن مركزية القرار ويحمي وحدة الدولة.