مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، ليس مجرد خبر عابر بالنسبة للسوريين. فهو أكثر من زعيم سياسي أو قائد عسكري، بل رمز لمعاناة سنوات طويلة من التدخل والهيمنة الإيرانية على سوريا عبر ذراعها الطولى في المنطقة.
إن إعلان إسرائيل عن مقتله أثار موجة من الفرح بين الكثير من السوريين، ليس فقط بسبب انتهاء حياة رجل يمثل سلطة القمع والدمار، ولكن لأنه، في نظرهم، يمثل سقوط جزء من المنظومة التي ساهمت في تدمير وطنهم وإراقة دماء أبنائهم.
كان حسن نصر الله بالنسبة للكثير من السوريين الوجه الأبرز لتدخل حزب الله في سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011. تدخله العسكري العلني بجانب نظام الأسد، ومساهمته في سحق أحلام السوريين بالحرية، جعلته رمزًا للقمع والوحشية.
فرح السوريون ليس من منطلق شماتة في الموت، بل لأن مقتله يُعد خطوة نحو نهاية مشروعه الإقليمي الذي زرع الفوضى والدمار في بلادهم.
منذ بداية الثورة، كان لحزب الله دور رئيسي في ترسيخ سلطة النظام السوري ومساندته عسكرياً في معارك شرسة ضد المعارضة والشعب السوري.
لم تكن المعركة بالنسبة لنصر الله مجرد معركة سياسية، بل معركة وجودية بأبعاد طائفية ومصالح استراتيجية مرتبطة بإيران. لذلك، جاء مقتل نصر الله كضربة لأركان هذا التحالف الذي تسبب في تمزيق سوريا.
الفرح بمقتل نصر الله ليس فقط لأنه غريم عسكري، بل لأنه كان أحد الأعمدة التي وقفت في وجه أي تسوية سياسية أو نهاية للصراع الذي أرهق الشعب السوري.
ليلة البارحة، عمت مشاعر الفرح أوساط السوريين بمجرد انتشار خبر مقتل حسن نصر الله، لتغمر دموع الفرح وجوه كثير منهم، خاصة من فقدوا أحباءهم نتيجة تدخله العسكري ودعمه لنظام الأسد.
كانت المشاعر متأججة، ليس فقط في الأحاديث بين الأصدقاء والعائلات، بل في الشوارع أيضًا، حيث شوهد الناس يوزعون الحلوى ويعبرون عن فرحتهم العارمة بهذا الحدث المفاجئ.
لم تقتصر الاحتفالات على الكلمات والدموع؛ فقد سمعت أصوات العيارات النارية في بعض المناطق، في مشهد يعكس مدى الارتياح والشعور بالانتصار المعنوي الذي شعر به السوريون.
هذه اللحظات لم تكن مجرد تعبير عن الفرح بموت رجل، بل كانت انفجارًا لشحنة هائلة من الألم المكبوت والغضب المتراكم على مدار سنوات.
نصر الله بالنسبة لهؤلاء لم يكن مجرد زعيم، بل رمز لكل ما عانوه من قهر وظلم ودماء سالت بلا توقف.
توزيع الحلوى وإطلاق الرصاص في الهواء كانت طريقتهم في القول بأنهم يرون في رحيله بداية لنهاية عهد من المعاناة، ونقطة تحول قد تفتح باب الأمل في مستقبل أفضل، بعيداً عن هيمنة القوى التي شاركت في تدمير وطنهم.
بالرغم من الفرح العارم الذي شعر به السوريون بعد مقتل حسن نصر الله، فإن هذا الفرح لا يُعبر بأي شكل من الأشكال عن تأييد لإسرائيل أو نسيان لجرائمها بحق الشعب الفلسطيني والمنطقة.
نحن كسوريين، نرى في مقتل نصر الله خطوة مهمة نحو التخلص من أحد أعمدة النظام الذي ساهم في تدمير بلادنا، ولكن هذا لا يعني تغيير موقفنا الثابت من إسرائيل ككيان احتلالي ارتكب وما زال يرتكب الجرائم بحق شعبنا الفلسطيني.
نحن نفرح لمقتل نصر الله ولو كان على يد الشيطان نفسه، لأنه كان جزءًا من معاناتنا وشريكًا في قتل أحلام السوريين وحريتهم.
ولكن عداءنا لإسرائيل هو أمر راسخ، لا يتغير بمقتل رجل أو زوال زعيم. الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، من قصف للأراضي السورية واحتلال للجولان ودعمها للاحتلال المستمر للفلسطينيين، تظل محفورة في ذاكرة كل سوري.
فرحنا هنا نابع من رغبتنا في التخلص من كل أعداء الحرية، سواء كانوا من حلفاء النظام السوري أو أي قوة أخرى تسعى لإذلال الشعب السوري.
ولكن هذا الفرح لا يلغي موقفنا تجاه الظلم أينما كان، ولا يجعلنا نغض الطرف عن المواقف التاريخية تجاه إسرائيل، التي تظل عدواً لا يقل خطورة في نظرنا.
وفي لحظة كهذه، بين دموع الفرح وأصوات الرصاص، نعلم جيدًا أن مقتل نصر الله هو مجرد فصل في حكاية طويلة من الألم والصراع. قد يسقط الطغاة واحدًا تلو الآخر، ولكن جراحنا لا تندمل بسهولة، وعدالة السماء لا تأتي دائمًا من حيث نتوقع.
ومع ذلك، نحن مستمرون، نتمسك بأمل أن يأتي يوم تنكسر فيه جميع القيود، ويعود الحق لأصحابه، مهما طال الانتظار.