مصطفى النعيمي – تفاصيل برس
أعلن سلاح الجو الروسي يوم الأحد 21 يونيو/ تموز الجاري عن رصده تحليق أجسام جوية في سماء المياه الإقليمية ببحر بارنتس إضافة إلى تهديدات عبر هدفًا جويًا جماعيًا يقترب من حدوده.
مما استدعى سلاح الجو الروسي إلى توجيه مقاتلات اعتراضية من طراز ميج 29 وميج 31 العاملة ضمن قوات الدفاع الجوي المناوبة للتصدي للقاذفات الاستراتيجية الأمريكية التي اقتربت من حدوده في المياه الإقليمية.
لكن اللافت في الأمر أن تحليق القاذفات الإستراتيجية الأمريكية كانت مذخره وفق الرواية الروسية بحسب موقع ” avia pro” في رسالة تهديد مباشرة لروسيا مما استدعاها للرد المباشر على انتهاك مجالها الجوي.
وكانت القاذفات الروسية “MiG-31BM” الاعتراضية طويلة المدى والمقاتلات متعددة المهام MiG-29K/KUB”” قد أجبرت حاملات الصواريخ الأمريكية إلى التراجع عن الحدود التقليدية التي تم التخطيط للإطلاق الرقمي عندها. ونتيجة للانخفاض في القوة، اضطرت القاذفات الاستراتيجية الأمريكية B-52H إلى التراجع إلى المناطق الشمالية الغربية من المجال الجوي المحايد فوق بحر “بارنتس” في القطب الشمالي.
وأكد الموقع على أنه قد رصدت رحلة لقاذفات استراتيجية من طراز B-52H تابعة لسلاح الجو الأمريكي للتدرب على تنفيذ ضربة صاروخية وجوية واسعة النطاق ضد أهم منشآت الأسطول الشمالي للبحرية الروسية إضافة إلى منشآت الطاقة التابعة لروسيا الاتحادية.
وشدد الموقع على أنه تم استخدام النماذج الرقمية لصواريخ كروز “AGM-86B/D” ومع ذلك، فإن رد فعل القوات الجوية الروسية في الوقت المناسب جعل من الممكن منع عمليات الإطلاق المشروطة هذه.
وقالت وزارة الدفاع الروسية ” مع اقتراب المقاتلات الروسية، عدلت القاذفات الاستراتيجية الأميركية مسار طيرانها ثم ابتعدت عن المياه الإقليمية الروسية في بحر بارنتس”.
ما هي اتفاقية السماء المفتوحة ما بعد الحرب العالمية الثانية؟
اتفاقية السماء المفتوحة (Open Skies Treaty) هي معاهدة دولية تهدف إلى تعزيز الشفافية وبناء الثقة بين الدول الموقعة من خلال السماح برحلات استطلاع غير مسلحة فوق أراضي بعضها البعض، وتم توقيع هذه الاتفاقية في 24 مارس 1992 ودخلت حيز التنفيذ في 1 يناير 2002، تمنح الاتفاقية الدول الأعضاء الحق في إجراء رحلات استطلاع جوية غير مسلحة فوق أراضي الدول الأخرى لجمع المعلومات حول الأنشطة العسكرية ومراقبة الامتثال للاتفاقيات الأخرى المتعلقة بنزع السلاح شريطة ألا تكون الرحلات الجوية مذخره.
وتتضمن الاتفاقية عدة بروتوكولات تحدد كيفية تنفيذ هذه الرحلات، بما في ذلك إخطار الدول المعنية مسبقًا، واستخدام أنواع محددة من الطائرات وأجهزة الاستشعار وتبادل المعلومات التي يتم جمعها بين جميع الأعضاء الموقعين، ويعتبر الهدف الأساسي من الاتفاقية هو تعزيز الشفافية وتقليل فرص النزاعات المسلحة من خلال زيادة الثقة بين الدول الأعضاء.
الجدير بالذكر بأنه قد تم توقيع الاتفاقية من قبل 34 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، وكثير من الدول الأوروبية، ومع ذلك فقد شهدت الاتفاقية بعض التحديات في السنوات الأخيرة، لا سيما في انسحاب بعض الدول الرئيسية والمؤثرة مثل الولايات المتحدة في عام 2020 وروسيا في عام 2021.
ما هي المخاطر الاستراتيجية من انسحاب روسيا والولايات المتحدة من اتفاقية السماء المفتوحة؟
1- انخفاض الشفافية والثقة المتبادلة: الاتفاقية كانت تهدف إلى بناء الثقة بين الدول من خلال السماح برحلات استطلاع غير مسلحة، وانسحاب الدولتين الرئيسيتين يقلل من الشفافية، مما قد يزيد من الشكوك والريبة بين الأطراف المختلفة.
2- زيادة التوترات العسكرية في ظل غياب آلية للمراقبة المفتوحة، قد تزيد الدول من استعداداتها العسكرية بشكل غير معلن، مما يؤدي إلى زيادة التوترات واحتمال اندلاع نزاعات نتيجة لسوء التقدير أو الفهم الخاطئ للتكتيكات العسكرية اللاحقة.
3- التأثير السلبي على الأمن الأوروبي وكانت الاتفاقية وسيلة هامة لضمان الأمن والاستقرار في أوروبا، وأن انسحاب الولايات المتحدة وروسيا قد يضعف هذه الضمانات ويزيد من مخاوف الدول الأوروبية بشأن الأمن الإقليمي.
4- تفاقم سباق التسلح في ظل غياب آلية للرقابة والمراقبة، وقد تتجه الدول إلى زيادة تسلحها لتعويض النقص في المعلومات الاستخباراتية، مما يؤدي إلى سباق تسلح جديد يزيد من مخاطر النزاعات.
5- تقويض اتفاقيات نزع السلاح الأخرى وانسحاب الدولتين يمكن أن يؤدي إلى تقويض الثقة في اتفاقيات نزع السلاح الأخرى، وقد يؤثر على الالتزام بها مما يضعف النظام الدولي للحد من الأسلحة.
6- إضعاف التعاون الدولي في الاتفاقية التي كانت رمزًا للتعاون الدولي في مجال الأمن، وانسحاب الدولتين قد يضعف الجهود المستقبلية للتعاون في قضايا الأمن ونزع السلاح.
ماهي خيارات واشنطن للتعامل مع التهديدات المحتملة ما بعد الانسحاب؟
يمكن لواشنطن العمل مع حلفائها وشركائها الدوليين لزيادة الضغط على الدول التي تهدد الاتفاقية للالتزام بها، من خلال الدبلوماسية والضغط الدولي المباشر إضافة إلى التلويح بالعقوبات الاقتصادية والتنسيق المباشر مع المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة.
وفي حال انهيار الاتفاقية فإن واشنطن لديها القدرة على إبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول الأخرى لتعزيز الشفافية بعيدا عن الموقف الروسي وتداعياته في المدى المنظور، من خلال الاستثمار الطارئ في برنامج تطوير المعدات التكنولوجية للمراقبة والولايات المتحدة لديها القدرات اللازمة لتعويض الفجوة التي قد تنشأ فيما لو انهارت الاتفاقية مما يتيح لها جمع المعلومات بشكل مستقل وأسرع حول قدرات الدول عموما والخصوم بشكل خاص.
ونتيجة لتلك العوامل فإن خيار واشنطن في حال تعثر الدبلوماسية يتمثل بإعادة النظر في خيار الانسحاب من عدمه كما في العام 2020 وذلك باستخدامه وسيلة ضغط على الدول الموقعة على الاتفاقية بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات، وهذه الخيارات سيتم تبنيها بعد التقييم الاستراتيجي للوضع الراهن والمصالح الوطنية العليا في الولايات المتحدة مع الأخذ بعين الاعتبار مراعاة التوازن بين تعزيز الأمن القومي والمحافظة على الاستقرار الدولي.
ماهي خيارات موسكو للتعامل مع التهديدات المحتملة ما بعد الانسحاب؟
1- قد تلجأ روسيا إلى الدبلوماسية للعمل على إعادة التفاوض مع الدول الأعضاء في الاتفاقية لإيجاد حلول وسطية لإعادة الالتزام بالاتفاقية وسيتخلله تقديم بعض التنازلات للحصول على ضمانات جديدة تعزز الثقة بين الأعضاء بشقيهم الشركاء والفرقاء.
2- بناء على المعطيات السابقة ولتعزيز التحالفات الإقليمية قد تضطر موسكو إلى تعزيز علاقاتها مع بعض الدول غير الأعضاء وإبرام اتفاقيات وتطوير آليات تعاون بديلة لتعزيز الأمن الروسي والحلفاء الجدد.
3- في ظل تلك الظروف الدولية شديدة الحساسية في اتخاذ القرار قد تطور روسيا تكنولوجيا المراقبة الجوية والفضائية لتعزيز الفجوة الناجمة عن انهيار الاتفاقية مما يتيح لها جمع المعلومات اللازمة بشكل مستقل وتشارك بعضها مع الحلفاء المحتملون.
4- أما في حال تعرض الأمن القومي الروسي للتهديد قد تلجأ موسكو إلى تعزيز وجودها العسكري وتحديث قدراتها الدفاعية في برامجها العسكرية كافة بما في ذلك أسلحة الردع الاستراتيجية.
وفي حال تعثر الوصول الى اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف مع الدول الموقعة ستسعى موسكو لإبرام اتفاقيه ثنائية مع الدول التي تصنفها حليفة أو شريكة من أجل تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات للضغط على الفرقاء في حال نشوب أي خلاف تكتيكيا كان أم استراتيجياً.