فواز العطية – تفاصيل برس
في الفجر من عام 2014 كان الموت ينتظر أولئك الذين عبروا الحدود السورية العراقية على أمل رؤية أقاربهم في أحد البلدات العراقية بالقرب من الحدود وذلك بعد سماعهم خبر انسحاب القوات العراقية من تلك المناطق.
لكنهم لم يعلموا أن الموت كان في انتظارهم على الطرف الآخر من الخط الفاصل بين سوريا والعراق، على يد ميليشيات طائفية تحمل معها الموت في عيونها وتوزع الأرواح كما لو كانت مجرد أرقام على ورقة.
كانت تلك اللحظة بداية مجزرة تم ارتكابها بلا ضمير ثم تحولت إلى جريمة حرب لم يتم محاسبة مرتكبيها وها نحن اليوم نقدم هذا التقرير كوثيقة لإظهار الفظائع التي وقعت على أمل أن يتوقف الظلم وتصل العدالة أخيرًا لأولئك الذين دفعوا ثمن الحروب الدموية بمصير مجهول.
اللحظة الأولى: بداية النهاية
في عام 2014، لم يكن خميس العبد الرزاق وأخيه وابن عمه يعتقدون أن قرارهم بالانتقال إلى الجانب العراقي لملاقاة أقاربهم سيكون بداية النهاية فقد عبروا الحدود في رحلة بدت بريئة وسعيدة في البداية دون أن يعلموا أن الموت كان في انتظارهم خلف تلك الحدود
كانوا مجرد مدنيين عاديين في داخلهم شوق لرؤية أبناء عمومتهم الذين لم يروهم منذ سنين بحكم الروابط العائلية والعشائرية في تلك المناطق
لكن الواقع كان أكثر قسوة مما تصوره هؤلاء الضحايا 27 شابًا سوريًا من مختلف المناطق سقطوا في كمين قاتل كانت الميليشيات الطائفية قد استباحت أرواحهم ثم بدأ مسلسل التعذيب والاختطاف والقتل الذي لا يمكن وصفه. في تلك اللحظة، تحول حلمهم إلى كابوس وأصبح الموت هو الحقيقة الوحيدة التي تقف أمامهم
عصّبوا أعيننا جرّونا على الأقدام إلى مكانٍ مجهول كأننا شبح من الظلام وأصبحنا ضحايا لقرار اتخذته يد الموت بدم بارد في تلك اللحظات
اعتقدنا أن الموت أقرب إلينا من الحياة وفعلاً حين سمعنا الجند يقولون، أوامر الإعدام صدرت، أصبحنا ننتظر لحظات الموت القادمة
بعد اثنا عشر يوم من التعذيب المتواصل كان الموت يطرق أبوابهم يروي خميس العبد الرزاق بشاعة ما حصل حيث تم وضع المختطفين ال 27 في غرفتين مهترئتين اوصدت الأبواب وساد الصمت لعدة دقائق ثم انهال الرصاص علينا من الخلف كالمطر تم استخدام المضادات الأرضية ٢٣ مم و أسلحة الرشاش المتوسط نتساقط واحداً تلو الآخر الدماء ملأت الجدران افقد الوعي قليلاً ثم أستيقظ سمعت أصوات انسحاب الجنود والياتهم بعد قليل صوت ينادي من الغرفة الأخرى هل هناك ناجون استجمعت انفاسي وقلت انا كان احد المعتقلين في الغرفة الأخرى الذي حال بينة وبين الموت حجرة بناء انقذته ومعه شخص اخر مصاب
لم تمض دقائق حتى أتى أهل القرية العراقية القريبة ليتم اسعافنا إلى أحد المشافي العراقية بحثت عن اخي وابن عمي بين الناجين آخر لحظة شاهدتهم وكانوا بين الاموات ثم فقدت الوعي لاجد نفسي بأحد المشافي اليوم وبعد ١١ عام اعيش وقد تركت تلك الميليشيات في جسمي وفي ذاكرتي مالا يمكن نسيانه علي أجد من يأخذ بحقي
الاختطاف الجماعي: من الجريمة إلى الإخفاء القسري
في خريف 2017، لم يكن الوضع في ريف البوكمال أقل مأساوية. فقد تعرضت عشرات العائلات للاختطاف الجماعي على يد ميليشيات عراقية طائفية تم سحبهم من منازلهم واختفى 200 شخص بطريقة قسرية، لا أحد يعرف مصيرهم حتى اليوم.
لم تكن تلك المجزرة إلا بداية لمسلسل الإخفاء القسري الذي دام لفترة طويلة
كان كل من يعبر الحدود مع الميليشيات الطائفية في نظرهم “خطرًا”، حتى لو كان مجرد مدني. إذًا، في هذه الأرض القاحلة، كانت الحرية مرادفة للموت، وكان الأمل مرادفًا للغرق في جحيم لا يُعرف له نهاية.
أحد أقارب المفقودين “رغم جميع المحاولات، لم أتمكن من معرفة مصير ابني وابن شقيقي. كانت تلك اللحظات من العذاب غير قابلة للتحمل. لم أعد أملك سوى الصبر، وأملٌ ضعيف بأنني سأسمع ذات يوم عن مصيرهم، أو ربما أتلقى منهم رسالة، لكنني لم أسمع إلا صمتًا عميقًا يختنق بداخلي. لا أستطيع إلا أن أتسائل: هل كانوا أحياء؟ هل لقيوا حتفهم؟ أم أنهم ما زالوا في مكانٍ آخر لا نعلمه؟”
ولا تزال والدة شقيقين اختفيا في الهري على عتبة انتظار لم ينتهي بعد. انتظرت أمٌ سورية عودة أبنائها، لكن الحقيقة أنها كانت تنتظر الموت. كلما مرّت الأيام، غرق قلبها في بحور من الألم والقلق.
الميليشيات الطائفية: صورة القتل الممنهج
الميليشيات التي ارتكبت تلك الجرائم لم تكن فقط مجموعة من المقاتلين العاديين، بل كانت منظمات مدعومة من إيران، وقد استقدمت هذه الميليشيات من العراق لتقاتل في سوريا تحت راية الحشد الشعبي. وكأن الدم السوري لا قيمة له أمام مصالحهم الطائفية.
“كتائب حزب الله، حركة النجباء، عصائب أهل الحق” – كلها أسماء تُعرف بتورطها في عمليات قمع وقتل لا إنسانية تحت غطاء محاربة الإرهاب. ولكن الحقيقة، كانت أكثر مرارة: لم يكن الهدف محاربة أي تنظيمات إرهابية، بل كان الهدف هو السيطرة على الأرض، التهجير القسري، وتطهير عرقي.
كانت الميليشيات الطائفية تتبع استراتيجية قتل جماعي واعتقالات عشوائية، حيث كانت توزع الموت على الجميع دون استثناء. القاتل لم يكن يميز بين المقاتل والمدني، كان الجميع في نظرهم مجرد “أهداف”.
المجزرة: رصاصة واحدة لكل اسم
في أواخر عام 2017، كانت هناك مجزرة أخرى تضاف إلى سجل المآسي، حيث تم اقتياد 200 شخص إلى منطقة الحميضة في ريف البوكمال. وكان هؤلاء الضحايا بين الموت والحياة. 60 شخصًا فقط أُطلق سراحهم، لكن مصير 140 آخرين ما زال غامضًا، ولا يعرف أحد أين هم حتى الآن.
الروايات تتضارب، فبعض الشهادات تتحدث عن إعدامهم بالقرب من مخفر حرس الحدود العراقية، في حين تُشير أخرى إلى أنهم لا يزالون في سجون سرية داخل العراق.
أين الحقيقة؟ أين العدالة؟
الحقيقة الغائبة: الحقيقة التي يجب أن تُعرف، منذ ذلك الحين، ظل المجرمون طلقاء، بينما تظل الحقيقة غائبة. الميليشيات الطائفية تسيطر على الحدود السورية العراقية، ولا يزال يتم تمويلها عبر عمليات التهريب. وأينما تواجدوا.