منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، شهد العالم تحولًا كبيرًا في ميزان القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، وكان لتدخل ميليشيا حزب الله أثر مؤثر على مسار الثورة السورية وآمال الشعب السوري في الحرية والتغيير. في البداية، حملت الثورة السورية مطالب شعبية مشروعة للحرية والكرامة، إلا أن تدخل حزب الله في الصراع إلى جانب النظام السوري كان بمثابة طعنة في ظهر الثورة، مما ساهم في تأجيج الصراع وتعميق المعاناة الإنسانية.
منذ تدخل ميليشيا الحزب في الحرب السورية، قام بنقل آلاف من مقاتليه إلى سوريا للدفاع عن نظام الأسد الذي كان على وشك السقوط. هذا التدخل لم يكن سوى امتداد لسياسة الحزب التي تضع أجنداته الإقليمية والطائفية فوق مصالح الشعوب، بما في ذلك الشعب السوري الذي خرج إلى الشوارع مطالبًا بحريته. حزب الله، الذي كان يقدم نفسه كحركة “مقاومة” ضد إسرائيل، إلا أنه ومنذ بدايته مجرد ميليشيا عميلة بيد مشغليه سعت في سوريا للحفاظ على نظام استبدادي ضد إرادة شعبه.
دور حزب الله في سوريا لم يقتصر فقط على القتال العسكري، بل شمل أيضًا المساهمة في تشويه الثورة السورية إعلاميًا وسياسيًا. حاول الحزب من خلال منصاته الإعلامية تصوير الثورة السورية على أنها مؤامرة خارجية تستهدف محور “المقاومة والممانعة”، وهو خطاب ساهم في تبرير التدخل العسكري الوحشي لقواته في سوريا. لكن الحقيقة الواضحة هي أن هذا التدخل كان دفاعًا عن نظام مجرم ضد شعبه، وليس دفاعًا عن أي مقاومة.
التداعيات الكارثية لهذا التدخل لا يمكن تجاهلها. فقد ساهم حزب الله بشكل كبير في تحويل مسار الثورة السورية من حركة سلمية تطالب بالحرية إلى صراع مسلح طويل الأمد، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين. إلى جانب ذلك، عزز التدخل الإيراني، الذي يمثل حزب الله أحد أذرعه العسكرية في المنطقة العربية، هيمنة الطائفية في المنطقة، ما أدى إلى تصاعد التوترات الطائفية وتعميق الانقسام بين المجتمعات.
كما أن تورط حزب الله في سوريا لا يمثل خيانة فقط للشعوب التي تطمح للتحرر من القمع والاستبداد، بل أيضًا للشعب اللبناني نفسه. فقد أدى هذا التدخل إلى استنزاف موارد الحزب وتوريط لبنان في صراعات إقليمية تهدد استقراره.
في الختام، يمكن القول إن الثورة السورية كشفت الوجه الحقيقي لحزب الله. بعدما كان يقدم نفسه كقوة مقاومة ضد الاحتلال، أظهر الحزب أنه لا يتردد في الوقوف إلى جانب الأنظمة القمعية وقتل شعوبها.
كما أن مقتل زعيمه حسن نصر الله في غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في لبنان كان له تأثير كبير على تماسك ميليشيا الحزب. هذه الضربة أدت إلى تزعزع بنيته الداخلية وساهمت في سحب عدد كبير من قواته من سوريا، مما يوضح أن حزب الله بدأ يفقد قوته ونفوذه الإقليمي.
سقوط مقاتليه وتراجع دوره يرمزان إلى انهيار صورته “كمقاومة”، وكشفت عن ضعفه وتورطه في صراعات لا تخدم سوى أجندات خارجية، تاركًا وراءه إرثًا من الدمار والتفرقة.