في مدخل مدينة كفرنبل، تلك المدينة الصغيرة الواقعة في محافظة إدلب السورية، يقف اسم رائد الفارس كذكرى لا تمحى وشاهد على رحلة الكفاح من أجل الحرية والكرامة. رائد فارس، الشاب الذي ترك دراسة الطب ليتفرغ إلى ميدان النضال السلمي، لم يكن مجرد فرد في ثورة عارمة، بل كان صوتًا هادرًا وسط أمواج الظلم، وواحدًا من أبرز الرموز التي صنعت روحًا جديدة لمدينة كفرنبل وجعلت منها أيقونة للثورة السورية.
بداية الحكاية: من دراسة الطب إلى ميدان الحرية
ولد رائد الفارس في مدينة كفرنبل، تلك البلدة المعروفة ببساطتها وحميميتها، لكنه لم يكن شابًا عاديًا. منذ صغره، أظهر شغفًا بالمعرفة وثورة داخلية على المألوف. التحق بكلية الطب ليحقق حلم العائلة والمجتمع، لكنه سرعان ما أدرك أن واجبه تجاه بلده أكبر من مقاعد الدراسة.
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، اختار رائد طريقًا مختلفًا. ترك قاعات المحاضرات ليلتحق بساحات الاحتجاجات، حاملًا رسالة السلمية والإبداع. ومنذ تلك اللحظة، أصبح واحدًا من أبرز النشطاء الذين نادوا بالحرية والعدالة مستخدمًا أدوات الكلمة والفن.
كفرنبل: من بلدة هادئة إلى منارة للثورة
بفضل جهود رائد الفارس وفريقه من النشطاء، تحولت كفرنبل إلى رمز عالمي للثورة السلمية. لم تكن اللافتات التي تحمل رسائل ساخرة وجريئة مجرد شعارات عابرة، بل كانت تعبيرًا عن روح مدينة عاشت عقودًا من القمع والكبت.
رائد لم يكتفِ بتنظيم المظاهرات، بل أنشأ إذاعة “راديو فرش” التي أصبحت منبرًا للثورة، تنقل صوت المقهورين وتنشر الوعي بين الناس. كانت الإذاعة تُبث رغم كل المخاطر، محاولة كسر حصار القمع ونشر الحقيقة في وقت سعت فيه آلة النظام إلى طمسها.
الإرث الذي تركه خلفه
لم يكن رحيل رائد الفارس مجرد خسارة شخصية لأهله وأصدقائه، بل كان جرحًا عميقًا في قلب الثورة السورية. في نوفمبر 2018، اغتيل رائد على أيدي مجهولين، مما أثار موجة حزن عارمة في كفرنبل وسوريا كلها.
ورغم أن رحيله كان صدمة كبيرة، إلا أن إرثه لا يزال حيًا. لا تزال لافتات كفرنبل، بإبداعها ولغتها الساخرة، مصدر إلهام للناشطين في الداخل والخارج. ولا تزال إذاعته، رغم التحديات، رمزًا للصمود في وجه الطغيان.
أثر رائد فارس في الثورة
ما جعل رائد الفارس مميزًا ليس فقط عمله النضالي، بل أيضًا طريقة تفكيره ونهجه. لقد أعطى الثورة السورية بُعدًا إنسانيًا وإبداعيًا بعيدًا عن العنف. كان يؤمن بأن الحرية تُبنى بالكلمة والصوت والصورة، لا بالسلاح وحده.
من خلال أنشطته، أظهر للعالم أن السوريين ليسوا مجرد ضحايا حرب، بل شعبٌ نابض بالحياة، قادر على التعبير عن نفسه بطرق مبتكرة. كان يرى أن الثورة ليست فقط ضد النظام، بل أيضًا ضد ثقافة القمع والخوف التي ترسخت لعقود.
كفرنبل بعد رائد فارس
بعد رحيله، تبدو كفرنبل كأنها فقدت شيئًا من روحها. ومع ذلك، لا يزال تأثيره حاضرًا في نفوس أبنائها. من خلال العمل المجتمعي والمبادرات المحلية، يسعى شباب كفرنبل إلى حمل شعلة رائد فارس ومواصلة رسالته.
بقاء الفكرة ورحيل الجسد
رائد الفارس لم يكن مجرد ناشط سياسي أو صحفي. كان نموذجًا للشاب السوري الذي حمل آمال بلاده على كتفيه وواجه رصاص الغدر بابتسامة التحدي.
سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة كفرنبل، كما سيظل رمزًا لكل من يؤمن بأن الحرية تستحق التضحية. رائد فارس، بضحكته الساخرة وكلماته القوية، غادر هذا العالم، لكنه ترك وراءه إرثًا لا يمحى من الشجاعة والكرامة.