هيئة التحرير – تفاصيل برس
“رائد الفارس” هو اسم محفور في ذاكرة الشعب السوري، الشجاعة النادرة التي تمتع بها في مواجهة الظلم والاضطهاد الذي عاشته سوريا منذ بداية الثورة ضد نظام الأسد في 2011، وُلد الفارس في مدينة كفرنبل في عام 1972، وهي مدينة في ريف إدلب الجنوبي، أبنائها الذين رفضوا السكوت على الظلم، في تلك المدينة، نبتت فكرة أن الإنسان لا يمكنه البقاء صامتاً أمام القمع، وأن الكلمة الحرة هي أقوى سلاح يمكن أن يواجه الطغاة.
البداية الفارس في كفرنبل
كفرنبل، التي اعتُبرت من أبرز مراكز المقاومة الشعبية في سوريا، كانت بمثابة مرآة لثورة السوريين ضد الاستبداد، “رائد الفارس” كان صوتاً يعبر عن هموم الشعب السوري ومطالبه بالحرية والكرامة، في كفرنبل التي لطالما عرفت بمعاناتها من الاحتلالات المختلفة، كان ا”لفارس”يشق طريقه ليكون أحد أبرز الأصوات التي تتحدى نظام بشار الأسد، لكنه لم يكن يسير على درب المواجهة المسلحة أو العنف، بل كان سلاحه الأقوى هو “الكلمة”.
اشتهر “الفارس” بتصميمه اللافتات السياسية التي كانت تعبر عن سخطه على النظام السوري هذه اللافتات، التي غالباً ما كانت تحمل شعارات ساخرة أو مؤلمة، كانت تتضمن رسائل تحارب القمع وتفضح ممارسات النظام السوري، أسلوبه في الكتابة المميز الذي يمزج بين البلاغة والروح الساخرة، يشد انتباه الجميع ويثير الكثير من الجدل، كانت تلك اللافتات رسائل مناهضة و دعوات للحرية والديمقراطية، كلمات بسيطة لكنها قوية بما يكفي لتغيير الواقع الذي كان يحاول النظام فرضه بالقوة.
الفارس والإعلام تأسيس إذاعة فريش
في عام 2013، وبعد مرور أكثر من عامين على انطلاق الثورة، أسس رائد الفارس إذاعة “فريش” في مدينة إدلب، كانت هذه الإذاعة منبراً إعلامياً محلياً يهدف إلى إيصال صوت المعارضة السورية، وخاصة تلك التي كانت ترفض التعامل مع النظام السوري ومع المجموعات المتطرفة التي كانت تنشط في المنطقة كان هدف الفارس من وراء هذه الإذاعة هو تقديم بديل إعلامي عن الدعاية الرسمية للنظام السوري وفضح ما يجري من انتهاكات على الأرض.
إذاعة “فريش” أصبحت على الفور واحدة من أهم وسائل الإعلام التي يثق بها السوريون، إذ كانت تُعبر عن مواقف الشعب وتُسلط الضوء على معاناته من قِبل أطراف عدة، وقد حظيت هذه الإذاعة بشعبية واسعة لأنها كانت تطرح المواضيع بجرأة، وتتناول الأوضاع الأمنية والسياسية التي كانت تمر بها البلاد بموضوعية بعيدة عن التوجهات السائدة آنذاك، ورغم الصعوبات التي واجهتها الإذاعة نتيجة الحرب والقصف الذي استهدف المنطقة، إلا أن “رائد الفارس” ظل يديرها بعزيمة كبيرة وإصرار على إيصال الحقيقة، رغم المخاطر التي كانت تلاحقه.
محاولات الاغتيال والتهديدات
رغم الأثر الكبير الذي تركه الفارس في مشهد الثورة السورية، إلا أن طريقه لم يكن خالياً من الأزمات والتهديدات، ففي عام 2014، تعرض رائد الفارس لمحاولة اغتيال على يد مجهولين، لكنه نجا بأعجوبة هذه المحاولة كانت بمثابة إنذار له وللآخرين بأن أعداءه، سواء من النظام السوري أو غيرهم كانوا يسعون إلى إسكات صوته بأي ثمن، ورغم المخاطر التي كان يواجهها، إلا أن ذلك لم يثنه عن الاستمرار في نضاله، بل جعله أكثر إصراراً على مواصلة طريقه في فضح ممارسات النظام.
وكانت مدينة كفرنبل، التي شهدت العديد من التظاهرات السلمية ضد النظام، مكاناً حافلًا بالمخاطر بسبب الحصار والقصف المستمر، إلا أن أهل المدينة، كانوا يؤمنون أن الحرية لا تأتي دون ثمن، وأن العمل المدني والإعلامي يجب أن يستمر مهما كانت التحديات، في أحد المواقف الشهيرة، عندما تعرض “الفارس” لمحاولة اغتيال في 2014، خرج أهالي كفرنبل في تظاهرة تضامنية رافعين لافتة ضخمة مكتوب عليها: “فارس الحقيقة… شُلّت يد الغدر التي آذتك” كانت هذه التظاهرة تعبيراً عن تمسكهم بمبادئ الثورة ودعوة للجميع للوقوف ضد الإرهاب بكل أشكاله.
اغتياله 23 نوفمبر 2018
بتاريخ 23 نوفمبر 2018، وبعد مرور أربع سنوات على محاولات اغتياله، تعرض “رائد الفارس”لعملية اغتيال ناجحة على يد مجهولين في مدينة كفرنبل، كان “الفارس” قد انتهى للتو من أداء صلاة الجمعة مع صديقه “حمود جنيد”الذي كان أيضاً ناشطاً حقوقياً حين أطلق المجهولون النار عليهما، النيران التي أطلقت عليهما لم تفرق بين إنسان وآخر، إذ كانت تستهدف إسكات صوت الحق، وكان الرد عليها من قبل السوريين أن “الفارس” لم يمت في تلك اللحظة، بل كانت تلك اللحظة بداية خلود اسمه في تاريخ الثورة السورية.
لم يتبنى أحد مسؤولية اغتيال “رائد الفارس” ولا زالت قضية اغتياله مجهولة حتى اليوم.
ردود الأفعال على الاغتيال
خلف اغتيال “رائد الفارس” موجة من الغضب والاستنكار بين أوساط المعارضة والناشطين الحقوقيين في سوريا والعالم العربي، نعى العديد من الشخصيات المعروفة في مجال الإعلام والحقوق النشطاء الذين استشهدوا في سبيل قضايا الحرية والعدالة، الصحفي السوري “هادي العبدالله” نشر سلسلة من التغريدات على تويتر تنعى “رائد الفارس” وتدعو إلى وحدة الصف في مواجهة الإرهاب الذي يتعرض له النشطاء.
أما الصحفية “نور حداد” التي تعمل في قناة “التلفزيون العربي”، فقد نعت رائد عبر حسابها على تويتر قائلة: “رائد الفارس… شهيداً في كفرنبل، القتلة الجبناء يخشون الحرية.. اللعنة عليهم” وكانت هذه الكلمات تعبيراً عن مشاعر الحزن والغضب إزاء اغتيال “الفارس”.
الفارس لا يموت
رغم مرور السنوات على استشهاد “رائد الفارس” إلا أن اسمه سيظل حيا في ذاكرة الشعب السوري، لم يكن “الفارس” ناشط سياسي أو إعلاميفقط، كان رمزاً للحرية والشجاعة في مواجهة الطغاة، كانت اللافتات التي كان يكتب عليها رسائل الحرية والعدالة، رغم ما تعرض له من مخاطر، هي كلمات تهز الضمائر وتدعو إلى الأمل.
رائد الفارس قدوة لكل شخص آمن بأن التغيير يبدأ من الكلمة، وأن الحرية لا تموت مهما حاول الظلاميون طمسها “الحرية لا تموت”، كانت عبارته التي تنبض بالحياة، من خلال أفعاله ترك لنا “الفارس” الذي كان رمزاً للشجاعة والإيمان بعدالة القضية التي ناضل من أجلها، بينما استشهد جسده، فإن “روحه” ستظل حية في قلوب السوريين.
FacebookTwitterWhatsAppTelegramEmailShare