يبدو أنّ فوضى الشرق الأوسط ورائحة بارود حروبها التي تفوح منذ سنة على نطاق أوسع مما كنت عليه، جعلتنا ننتظر كسوريين “ما إذا كان الأسد سيتخلى عن إيران وحزب الله أم لا”، هو نفسه بشار الأسد الذي تعلّق منذ 2011 بأسفل بساطير المرتزقة من العراق وإيران وحزب الله وروسيا كي يساعدوه ضدّ السوريين، يصل به المطاف للتخيير بين التخلي وعدم التخلي.
هو نفسه الذي تسابقت دول عربية عدّة لإعادة العلاقات معه، بحجة إعادة سوريا للحضن العربي، وتخليه عن إيران. التي توغّلت في البلاد على شقين، ديني وعسكري منذ ما قبل الثورة السورية حتّى.
إنّها أضحوكة العصر، والسخرية التي نسوّق من خلالها بشار كرئيس بلد مثله مثل أي رئيس، له القرار في التخلي من عدمه، مع أنّ أصغر طفل في مخيمات إدلب يعرف يقيناً أنّ بشار الأسد لا يمتلك أصلاً جرأة القول: سأتخلى عن إيران.
قالت إيران وكذلك ميليشيا حزب الله مراراً بأنّ وجودها في سوريا كان السبب الرئيس في عدم سقوط بشار الأسد ونظامه، وهي التي حمته من سقوط محتّم على يد السوريين، ومنذ سقوط حلب، أصبحت العلاقة بين سوريا (ممثلة ببشار الأسد) وإيران ليست علاقة دولتين كباقي الدول، أو كما يتوهّم مؤيدو الأسد.
لقد حوّلت إيران سوريا إلى مزرعة، وأعطت الأسد دور “الكلب المُطيع” الذي لا يقوى حتّى على العواء، فكيف سيجرئ على التخلي عن مالك المزرعة؟
سوريا مقبلة على مرحلة دموية، فكلّ المعلومات تشير إلى تلقّي الأسد تعليمات واضحة بالالتزام الصمت عن كل ما يحصل في لبنان وفي سوريا، وحتى القصف الذي يبعد مئات الأمتار عن القصر الجمهوري، تماماً مثلما التزم الصمت تجاه ما تمارسه إسرائيل بحقّ الفلسطينيين في غزة.
لكنّ الموضوع في سوريا مختلف تماماً، لأن إيران لن تسمح للأسد التزام الصمت طويلاً، وهو ما يجعل الخلافات تتطور على عدّة أصعدة بينها وبينه، قد تبدأ على مستوى العناصر في مراكز التوزّع، وأهمها الفرقة الرابعة، التي بات أسدها ماهر “قطّاً من خشب” بعدما تلقّى تحذيراً من إسرائيل ولكن كان بالنار.
هذا هو بشار الذي قال سيّده حسن نصر الله ذات يوم إنه مستعد للقتال شخصياً في سوريا، متبعاً إياها بـ الأسد لتصبح “سوريا الأسد” على لسان حسن نصر الله كغزل سياسي له، تركه الأسد يواجه الموت وحيداً دون أي دعم لا سياسي ولا عسكري ولا حتى مالي.
إنها نهاية تليق بالأسد، ولا أتوقّعها على يد إسرائيل التي تراه “كلب حراسة”، لكن قد تكون نهايته على يد إيران، المتورطة أساساً بتقديم معلومات ساهمت في اغتيال حسن نصر الله، الذي سبقه إلى النهاية دون جنازة ولا تشيع.. موت رخيص يليق بالطغاة.