عادت دير الزور إلى واجهة الأحداث، عقب ورود معلومات تتحدث عن انسحاب عناصر روس من المدينة، وسط مخاوف شعبية من عودة تنظيم داعش الإرهابي إلى المدينة، وانشغال القوى المتصارعة على الأرض في موطئ قدم عند آبار النفط.
وبعد أن نقلت الشرطة الروسية مؤخراً عشرات العناصر المنضوية في “الفيلق الخامس” الذي يتلقى دعماً روسياً من دير الزور شرقي سوريا، إلى بلدة عين عيسى التي تجري فيها معارك لتحريرها من ميليشيات قسد. قُتل ما لا يقلّ عن 30 عنصرا من قوات النظام السوري وجرح 15 آخرين، في كمين نفذه تنظيم داعش في المنطقة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان وقتها، إن “الكمين استهدف ثلاث حافلات عسكرية على طريق حمص- دير الزور، كانت تقل عناصر موالية للنظام ومقاتلين من “الفرقة الرابعة”، لقضاء عطلة رأس السنة في منازلهم، مشيرا إلى أن بعض المصابين في حالة حرجة.
ومثّل الخبر وقتها أول ضربة للنظام السوري عقب المعلومات عن انسحاب روسي من المنطقة. وأشار المرصد إلى أن الهجوم الجديد يرفع من حصيلة خسائر النظام، خلال الفترة الممتدة من 24 مارس 2019 وحتى اليوم، حيث وصلت إلى 1214 قتيلا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنين من الروس على الأقل، بالإضافة لـ145 من الميليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية.
وطبقاً لما يجري في دير الزور من فوضى وفلتان أمني خلال الأيام الماضية، فإن أصابع اتهامٍ كثيرة تتوجّه نحو الروس، ودورهم فيما يحصل في دير الزور، خزان النفط السوري.
وعلى الرغم من الإشاعات حول تعزيز المجموعة العسكرية الروسية في سوريا ووصول جنود إضافيين، أفادت مصادر أخرى عكس ذلك.
وكانت بعض المصادر قد نشرت صوراً لعدد من القوافل التي تحمل معدات عسكرية وعسكرية تابعة لشركة فاغنر الروسية حصريّاً تتجه نحو اللاذقية من دير الزور. قد يشير هذا إلى أن روسيا بدأت في تخفيض الدعم العسكري لنظام الأسد.
ووفقًا لإحدى المصادر، يعود ذلك إلى حقيقة أن الجانب الروسي يخشى تفاقمًا خطيراً للوضع في سوريا بسبب تنامي نشاط تنظيم داعش والتعزيز الحتمي للدور الأمريكي في الشرق الأوسط في ظل حكومة بايدن.
فيما يرجح باحثون في الشأن السوري أن إعادة التموضع الأخير متفق عليه بين موسكو وطهران.
ويرى باحثون أن “روسيا تحاول أن تمسك العصا من النصف لتحقيق مصالحها في المنطقة، فهي لا تريد من إيران السيطرة على المنطقة والانفراد بها، كما لا تريد خسارتها لمصلحة الأمريكان، الذين يهددون ويضربون بشكل دائم أماكن نفوذ إيران في سوريا.
وبحسب تقديران باحثين، فإن روسيا ستحصل على مكاسب سياسية من وراء ذلك، بحيث تظهر بأنها ملتزمة بتنسيقها الأمني مع إسرائيل وتفاهماتها مع السعودية، اللتين لا يرضيهما تمدد إيران في الشرق الأوسط.
ويعزز وجهات نظر الباحثين أن إعادة التموضع الروسي الأخير المتمثل بقوات من شركة فاغنر الأمنية سبقه قبل أيام اجتماع بين جنرالات روس وقيادات من ميليشيا الحرس الثوري على الحدود السورية العراقية، كما نشرت العديد من المواقع والصفحات المحلية.
ويضاف إلى كل ذلك أن التحرك الروسي الجديد يأتي في ظل تخوف تعيشه إيران في المنطقة من ضربة غير متوقعة ومفاجئة لميليشياتها أو لمراكز حساسة أو شخصيات قيادية تابعة لها من قبل أمريكا في الأيام الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحسب تقرير موسع نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في وقت سابق.
وكانت صحيفة “جسر” قد نشرت تقريراً تحدث عن أنّ “عمليات تنظيم داعش اقتصرت منذ وقت غير بعيد على ظهور متخفٍ وسريع، وعمليات سريعة ومحدودة، تلوذ “الخلايا” بعدها بالفرار، إلا أن الظهور العلني الجديد للتنظيم بات يشكل مصدر قلق حقيقي لسكان محافظات الجزيرة السورية (الرقة، ودير الزور، والحسكة).
ليس هناك شك جدي في أنه بدون استثناء تعمل جميع التشكيلات المسلحة والشركات الأمنية الروسية، وعلى رأسها “فاغنر” في الدفاع عن المصالح التجارية للمواطنين والشركات الروسية المؤثرة.
تعتبر تصرفات روسيا في سوريا طبيعية وحتمية، فالروس ليسوا أكثر من شركات تجارية تعمل على إبرام الصفقات، خاصة في المناطق الغنية بالنفط والموارد الطبيعية الأخرى.
لكن خروج الروس من حقول النفط التي يحتلونها لا يعني إلا أن نظام الأسد قد خلق ظروفًا لهم عندما يكون من غير المربح مواصلة العمل في سوريا. ومع ذلك، في الوضع الحالي، يصعب تخيل أن إيران أو أي شخص آخر قادر على تعويض الأسد خسارة حليف في شخص روسيا.
فقد لعب الجيش الروسي دورًا حاسمًا ووحشيًا في تأمين انتصار الأسد على المعارضة السورية. وكان التدخل الروسي في سوريا مصحوبًا بقصف مكثف للأحياء المسالمة وجرائم حرب أخرى، وهو الذي كسر المقاومة المدنية لنظام الأسد لفترة.
أما بخصوص مخاوف الأهالي من عودة ظهور داعش شرقي سوريا، فإن إقامة حواجز تفتيش و مراقبة على مداخل بعض القرى، وبدء جباية الضرائب منها، ونشر منشورات على الجدران شرقي سوريا ، تثير مخاوف كبيرة.
وبحسب تقارير إخبارية محلية، “في منتصف كانون الأول، أبلغ عناصر تنظيم داعش أصحاب الحفارات النفطية في ريف دير الزور بضرورة دفع الزكاة بالدولار الأمريكي”.
على خلفية كل هذه المضاعفات في شمال شرقي سوريا، وخاصة في دير الزور، لا يزال مصير السكان يتأرجح بين مخاوفهم من عودة تنظيم داعش واشتباكات القوات المتصارعة.
ولن يؤدي انسحاب الجيش الروسي من هذه المنطقة إلا إلى تفاقم الوضع في المنطقة التي يسيطر عليها النظام.