إدلب – تفاصيل برس (خاص)
تُعتبر أزمة التعليم في ريف إدلب الجنوبي جزءاً من التحديات الأوسع التي يعاني منها هذا الريف، حيث أدت سنوات الحرب إلى تدمير البنية التحتية التعليمية، بما في ذلك المدارس والمراكز التعليمية، وتوجد في تلك المنطقة مئات المدارس التي خرجت عن الخدمة كلياً أو جزئياً نتيجة استخدام قوات نظام الأسد لها لأغراض عسكرية.
كما ساهم النزوح الجماعي وتكدس السكان في بعض المناطق في زيادة الضغط على المدارس التي لا تزال تعمل، مما يجعل من إعادة تأهيل المدارس المتضررة ضرورة ملحّة لتخفيف العبء عن البنية التحتية الحالية، وضمان حصول جميع الأطفال على فرص تعليمية متكافئة.
مدير مدرسة تلمنس ساري الرحمون، قال لـ”تفاصيل برس”: “بعد خمس سنوات من التهجير القسري الذي فرضته الحرب، وبعد انتصار الثورة السورية، بدأت بلدة تلمنس تستعيد نبض الحياة، وعاد أهلها تدريجياً إلى ركام منازلهم، رغم كل ما خلّفته الحرب من دمار وخسائر”.
وأضاف: “كانت تلمنس تضم 13 مدرسة، لكن الواقع اليوم مختلف، ست مدارس دُمرت كلياً، وست أُصيبت بدمار جزئي، ولم تسلم سوى مدرسة واحدة من الدمار، وهي ثانوية تلمنس، والتي استخدمتها قوات النظام سابقاً كمقر عسكري، وهي اليوم المدرسة الوحيدة التي فتحت أبوابها مجدداً لاستقبال الطلاب”.
وتابع: “يبلغ عدد الطلاب المسجلين حالياً نحو 500 طالب، والأعداد تزداد يوماً بعد يوم مع عودة الأهالي، لكننا نواجه تحديات كبيرة، أبرزها قلة الدعم وبعد المدرسة عن بعض التجمعات السكنية، ما يصعّب وصول الطلاب، إضافة إلى نقص الوسائل التعليمية الأساسية واللوجستيات المطلوبة”.
ورغم هذه الظروف الصعبة، أكد الرحمون أن “العمل مستمر بإيمان وإصرار على تأمين بيئة تعليمية آمنة ومحفّزة لأبنائنا، لأن التعليم هو الأمل الحقيقي لبناء مستقبل هذه البلدة من جديد”.
بدوره قال محمود الحاج عثمان، إداري في مدرسة تلمنس: “تم استحداث المدرسة بإمكانات محلية بسيطة نتيجة الحاجة الملحّة في القرية، حيث توافدت إليها مئات العائلات العائدة من أماكن نزوحها لإصلاح ما يمكن إصلاحه في بلدتهم ومنازلهم”.
وأضاف: “لا يزال البناء والأثاث المدرسي غير كافٍ لدعم العملية التعليمية بالشكل المطلوب، وهناك الكثير من الأساسيات المفقودة، نحاول بشتى الوسائل تأمين ما يلزم واستيعاب الأعداد الكبيرة من التلاميذ، والتي تزايدت في الفترة التي تلت العيد، إذ كان لإحداث المدرسة أثرٌ محفّز لعودة الكثيرين، ممن كانوا ينتظرون انتهاء العام الدراسي للعودة”.
بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على سقوط نظام الأسد، لا تزال عودة النازحين داخلياً خجولة ودون سقف التوقعات، إذ تحكم هذه العودة عوامل اقتصادية وأمنية تتعلق بالسكن والخدمات والتعليم والاستقرار الأمني.
وتسود حالة من عدم اليقين لدى مئات الآلاف من النازحين السوريين بشأن جدوى العودة الحالية، ولا سيما أن نسبة كبيرة منهم فقدوا منازلهم في الحرب التي أنهكت سوريا على مدار 14 عاماً، كما يشكّل تأمين المدارس للتعليم التحدي الأبرز أمام عودتهم.
بالانتقال إلى بلدة الغدفة بريف إدلب، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 15 ألف نسمة، هُجّروا منها منذ ست سنوات ولم يستطيعوا العودة إليها بسبب دمارها، أوضح خليل الأحمد لـ”تفاصيل برس”: “زرت بلدتي بعد ست سنوات من التهجير لأجدها مدمرة، لكن العائق الأكبر بالنسبة لي هو المدارس التي تحولت إلى ركام جراء القصف، ولا يمكن أن تستقبل طلابها إذا عادوا إليها”.
وأضاف: “لدي أربعة أطفال مسجلين في المدارس، وإذا فكرت بالعودة إلى منزلي فسأحرمهم من التعليم، وهذا يستوجب سرعة إعادة ترميم المدارس وتأهيلها لتكون الخطوة الأولى التي تشجع الأهالي على العودة إلى قراهم”.
وأشار إلى “ضرورة افتتاح مدرسة في كل قرية أو بلدة حتى تكون الركيزة الأساسية لعودة أبنائها إليها”.
أما محمود الإبراهيم، المهجَّر من بلدة الغدفة إلى مدينة كفرتخاريم، فقد قال: “ذهبت لزيارة قريتي مرة واحدة بعد سقوط النظام، وشاهدت الدمار الكبير فيها، وكان أول ما خطر في ذهني هو المدارس، حيث إن وضعها لا يتصوره عقل، وهي بحاجة لإعادة إعمار من نقطة الصفر، فلا أسقف ولا جدران، ولا أبواب ولا نوافذ”.
وأضاف: “يوجد في بلدتي الغدفة سبع مدارس، جميعها مدمرة وتحتاج إلى ميزانيات ضخمة لإعادة بنائها وافتتاحها من جديد، وهذا ما جعلني أشعر باليأس والخذلان من فكرة العودة”.
وللوقوف على الحالة التعليمية في محافظة إدلب، تفقد وزير التربية والتعليم محمد تركو، عدداً من المدارس المدمّرة في ريف إدلب الجنوبي، وكانت هذه الزيارة هي الأولى له إلى المنطقة.
واطّلع على واقع هذه المدارس من حيث البناء وحجم الأضرار التي لحقت بها نتيجة قصف النظام البائد، بهدف البدء بتنفيذ خطة إعادة الإعمار لتسهيل عودة الطلاب وأهاليهم إلى مدارسهم ومناطقهم التي هُجّروا منها.
كما زار الوزير برفقة محافظ إدلب محمد عبد الرحمن ووفد من منظمة اليونيسف، عدداً من مدارس المخيمات بريف إدلب الشمالي، والتي تضم طلاب المدارس المدمرة في الريف الجنوبي، واطّلع على الواقع التعليمي فيها، واجتمع مع الكوادر التعليمية لمناقشة سير العملية التعليمية والخطط الدراسية والمعوقات والتحديات التي تواجههم.
وأكد الوزير تركو خلال هذه الزيارة أن “عودة الطلاب إلى قراهم تمثل أولوية قصوى للوزارة، ونسعى جاهدين ليكونوا في مدارسهم بعد إعادة تأهيلها بأقرب وقت ممكن، لأن عودة الأهالي مرهونة بجاهزية تلك المدارس”.
وشدد على “حق كل طالب في الحصول على أفضل مستوى تعليمي، وهو هدف أساسي للوزارة في هذه المرحلة”.
وأوضح أن هذه الخطوة تأتي ضمن إطار العمل الحكومي لتخديم تلك المناطق وإعادة تأهيلها لاستقبال أهلها، لافتاً إلى أن المدارس تُعدّ من أهم الركائز في المناطق التي دمرها النظام البائد، وأن عودة الطلاب إلى مدارسهم واستئناف تعليمهم باتت مسؤولية تقع على عاتق الوزارة في الفترة المقبلة.
ويُجبر استمرار حالة الدمار وفقدان الخدمات في معظم مدن وبلدات وقرى ريف إدلب الجنوبي، التي ينحدر منها النازحون القاطنون في المخيمات، الآلاف منهم على البقاء في مخيماتهم، ريثما تتوفر مقومات الحياة الأساسية وعلى رأسها التعليم.