دمشق – تفاصيل برس
في زيارة وصفت بـ”غير المسبوقة” منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصل وفد من الكونغرس الأميركي إلى العاصمة السورية دمشق، في تحرك يشير إلى مرحلة جديدة من العلاقات الأميركية مع سوريا، وإعادة قراءة لمكانة دمشق في الإقليم.
وتأتي هذه الزيارة، التي جرت يوم الجمعة، في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، وبعد أول زيارة دبلوماسية رفيعة من مسؤولين في الخارجية الأميركية أواخر العام الماضي. ويرى مراقبون أن واشنطن بدأت تتعاطى بشكل واقعي مع التغيرات التي شهدتها سوريا، خاصة بعد بروز قيادة سياسية جديدة ممثلة بالرئيس أحمد الشرع، والذي يسعى إلى إعادة بناء علاقات خارجية قائمة على الانفتاح والاحترام المتبادل.
رمزية الزيارة وتوقيتها
ضم الوفد الأميركي عضوَي الكونغرس كوري ميلز ومارلين ستوتزمان، يرافقهم أعضاء من التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار. وقد تضمنت الزيارة جولات ميدانية في مناطق شهدت دماراً واسعاً خلال سنوات الحرب، من أبرزها حي جوبر شمال شرقي دمشق، إضافة إلى جدول يشمل زيارة سجن صيدنايا ولقاءات مع قيادات دينية ومجتمعية.
ويأتي هذا التحرك السياسي بعد زيارة سابقة في ديسمبر/كانون الأول الماضي لمسؤولين كبار من وزارة الخارجية الأميركية، من بينهم باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، والتي التقت الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، بعد أسابيع فقط من سقوط النظام السابق.
وقال عضو في التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار إنّ توقيت الزيارة هنا لا يقل أهمية عن رمزية الزيارة، حيث تتزامن مع محاولات متقدمة لإعادة تأهيل سوريا على المستوى العربي، وعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. كما تأتي وسط جدل داخلي أميركي متزايد حول سياسة العقوبات المفروضة على الشعب السوري.
حديث عن العقوبات… وتحول في النبرة
عضو الكونغرس كوري ميلز، وفي تصريحات لوسائل الإعلام خلال زيارته إلى حي جوبر، أشار إلى أن رفع العقوبات عن سوريا “يتطلب الكثير من الخطوات”، لكنه أكد أن “واشنطن تريد أن ترى واقعا يسود فيه الاستقرار وحكومة سورية منتخبة بشكل ديمقراطي تمثل كل السوريين”.
كما لمّح ميلز إلى إمكانية عقد لقاء مستقبلي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب – المتوقع عودته إلى البيت الأبيض في حال فوزه في الانتخابات المقبلة – والرئيس أحمد الشرع، مؤكداً أن السياسة الأميركية “قائمة على الواقع والمصالح، ولا تستبعد خطوات غير مسبوقة كما جرى سابقاً مع كوريا الشمالية”.
من جانبها، عبّرت النائبة الجمهورية مارلين ستوتزمان عن تفاؤلها بسوريا الجديدة، قائلة إنها جاءت لترى “فرصة لبناء علاقة مع حكومة صديقة للغرب والمنطقة”. وأضافت، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية، أن “ما رأيته من دمار يُحزن، لكن المستقبل يحمل الأمل، خاصة مع الرغبة الشعبية والسياسية في التغيير وإعادة الإعمار”.
التحالف السوري الأميركي: تخفيف العقوبات أولاً
بدوره، قال مجد عبار، عضو التحالف السوري الأميركي لأجل السلام والازدهار، إن “التحالف يعمل جاهداً لتخفيف العقوبات عن سوريا وعلى الشعب السوري”، مشيراً إلى أن الوفد جاء للاطلاع على تأثير هذه الإجراءات على الحياة اليومية للسوريين.
وأكد عبار أن الوفد سيلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع وعدداً من المسؤولين، كما سيزور دير مار تقلا بالتزامن مع أعياد الفصح، في رسالة تؤكد على أهمية التنوع الديني والثقافي في البلاد، وتسلط الضوء على ما تبقى من النسيج الاجتماعي السوري رغم سنوات الحرب.
سوريا الجديدة: رؤية إقليمية ودور متوازن
منذ تسلم الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم، تبنّت سوريا سياسة خارجية مختلفة عن المرحلة السابقة، تركز على فتح قنوات التواصل مع جميع الأطراف الدولية، والعمل على استعادة موقع سوريا الجيوسياسي كلاعب إقليمي معتدل.
وكانت دمشق قد أعلنت في وقت سابق التزامها بالشرعية الدولية، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤون الجيران، وهي رسائل التقطها المراقبون كتحولات حقيقية في نهج السياسة السورية.
ويقول محللون إن هذه الزيارة، وإن لم تكن إعلاناً مباشراً عن عودة العلاقات، إلا أنها تحمل إشارات قوية إلى استعداد واشنطن لإعادة تقييم مقاربتها للملف السوري، بعيداً عن الانغلاق الذي طبع سنوات الصراع.
واقع ما بعد الحرب: تحديات وإعادة إعمار
أحد الأهداف الرئيسية للوفد، بحسب أحد أعضائه (سوري الجنسية تحفّظ على ذكر اسمه) فقد قال لـ ذي ميديا لاين إن الهدف هو تقييم حجم الدمار وتأثير العقوبات على إعادة الإعمار.
زيارة حي جوبر، أحد أكثر أحياء دمشق دمارًا، كشفت – بحسب أعضاء الوفد – عن حجم الكارثة الإنسانية والمعمارية، وهو ما دفع النائبة ستوتزمان إلى القول: “رأينا رسماً لطفل على جدار مهدوم، وفكرنا في الأطفال الذين فقدوا منازلهم. إنه أمر محزن، ولكن في المقابل، أشعر بالتفاؤل”.
وأشار المتحدث في تصريح لـ ذي ميديا لاين إلى أنه رغم عدم الإعلان رسميًا عن مساعدات أميركية محتملة، إلا أن توقيت الزيارة والوفد المشارك فيها قد يمهد الطريق أمام رفع جزئي أو مرحلي لبعض العقوبات، خاصة تلك التي تطال المواد الإنسانية والطبية، وعرقلة مشاريع إعادة الإعمار.
لقاء محتمل بين الشرع وترامب؟
وتطرق كوري ميلز إلى إمكانية لقاء يجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارة ترامب المرتقبة إلى المنطقة، معتبراً أن الرئيس الأميركي “يتحمّس للقاءات النوعية حين يرى جدوى استراتيجية”، في إشارة إلى سياسة ترامب القائمة على الصفقات وإعادة ضبط التحالفات.
ويرى مراقبون أن لقاء من هذا النوع – إن تم – سيشكل نقطة تحول كبرى في العلاقات السورية الأميركية، خاصة إذا أرفق بخطوات ملموسة نحو تسوية سياسية وتعاون إقليمي جديد، تتبوأ فيه دمشق موقعًا فاعلاً.
ويبدو أن زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى دمشق قد لا تكون سوى خطوة أولى في مسار طويل ومعقد، لكنها بالتأكيد تحمل دلالات استراتيجية على تبدل النظرة الأميركية لسوريا الجديدة. ومع بروز إدارة سياسية أكثر انفتاحًا واعتدالًا في دمشق، تلوح في الأفق فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين البلدين على أسس واقعية، بعيدًا عن شعارات الحرب والتدخل، وقريبًا من منطق التعاون، الاستقرار، والبناء.