في الدول العظمى سبب انتشار جائحة كورونا شللاً لمناحي الحياة كافة من الاقتصاد إلى التعليم، فضلاً عن اضطراب القطاع الصحي بشكل كبير، نتيجة أعداد الإصابات الكبيرة، ولكن هذه الدول استطاعت وقف انتشار هذا المرض مبدئياً بعد أشهر من الحجر الصحي شبه الكامل، مع ما يمكن أن يسببه هذا الحجر من خسائر اقتصادية، ولكن الحفاظ على الأرواح أهم من الاقتصاد، كما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في أحد خطاباته.
فكيف هو الحال في سوريا الأسد، ذلك البلد الذي كان في عز قوته معتاشاً على المساعدات الخليجية، رغم كل ما قيل عن اكتفاءٍ ذاتي وغيرها من الشعارات التي كانت معدة للاستهلاك المحلي..
بلد يحكم بقوة الحديد والنار من عائلة الأسد منذ أكثر من نصف قرن، لم يتم تطبيق الحجر فيه بشكل فعلي، ولا يمكن تطبيقه بكل الأحوال، كون أغلب الشعب السوري يعيش مياومة، بمعنى أن الفرد إذا عمل يوماً بالكاد يجد ما يقيم أَوَدَه، وإذا لم يعمل قد يبيت فاغراً وهو وأولاده الأفواه.
الأسوأ أن هذا، هو أن البلد كان مرشحاً ليكون إحدى بؤر الفيروس المستجد، لأن سوريا لم تكن مفتوحة فعلياً إلا على العراق وإيران، وهذان البلدان المصدران للميليشيات الطائفية كانا ومازالا رازحين تحت وطأة هذا الفيروس الفتاك، وخصوصاً إيران التي دخلها الفيروس مبكراً.
تقول مصادر إيرانية رسمية إن تاجراً إيرانياً زار الصين، وعاد منها إلى مدينة قم في 19 من شهر شباط الماضي حاملاً للمرض، ومدينة قم هي أحد أهم المدن المقدسة عند الشيعة بعد مدينة النجف، في العراق، حيث تحوي مرقد الإمام الرضا، الإمام الثامن عند الإثنا عشرية، وبالتالي فهي مدينة يحج إليها سنويا نحو 20 مليون إيراني، و205 مليون سائح دولي. وأسبوعيا يتجول آلاف الزوار الشيعة في انحاء المدينة حيث يقبلون العديد من الأضرحة، في ظل دعوات رسمية لاستمرار الفعاليات الدينية حينها.
سوريا التي تسيطر على أجزاء كبيرة منها الميليشيات الإيرانية الدوغمائية، من الطبيعي أن تكون أعداد المصابين كبيرة، وهذا ما بات واقعاً اليوم، فلولا موت وإصابة المشاهير من رجال الدين والممثلين ودكاترة الجامعات لما علمنا بوجود هذا المرض، إذ كان النظام يعمل على التعتيم الكلي على انتشار هذا المرض، فلا معلومات حقيقية سوى بعض الأرقام التي تصدرها وزارة الصحة التابعة، بينما التواصل الشخصي مع أناس في الداخل يكشف أن الكثير من الناس الذين قضوا نتيجة كورونا لم يتم توثيقهم، ما يجعل من الأرقام الحقيقية مرعبة.
بالأمس أخبرني صديق أن خاله وخالته توفيا بسبب كورونا، ومثله كثير، ولكن لا يوجد إعلام يوضح هذه الحقائق، وكالعادة في ظل عجز حكومي حقيقي، لا بد من تعليق هذا الفشل على شماعة العقوبات الناتجة عن قانون قيصر، رغم أن الإدارة الأمريكية صرحت أكثر من مرة أن العقوبات لا تشمل الجانب الصحي.
بكل الأحوال الشعب السوري الذي ثار بغالبيته على هذه الطغمة الحاكمة، والذي قتل وسجن منه مئات الآلاف، وتشرد حوالي ثمانية ملايين خارج البلاد، وعدد قريب من هذا يشمله النزوح الداخلي، سواء في مخيمات الداخل أو بين المدن التي لم تتعرض لكم كبير من الدمار، بات في وضع اقتصادي لا يسر عدواً ولا صديقاً، خصوصاً في ظل الانخفاض الكبير لقيمة الليرة السورية، بعد الخلافات الحاصلة ضمن أفراد العائلة الحاكمة على الغنائم، بين صيرفي العائلة رامي مخلوف وزوجة بشار أسماء الأخرس، الأمر الذي حدا بالنظام للاستحواذ على عدد كبير من شركات واستثمارات مخلوف.
هذه الاضطرابات الاقتصادية، لم يدفع فاتورتها إلا المواطن البسيط الذي أصر على البقاء في أرض آبائه وأجداده على حساب لقمة عيشه وأمنه الصحي ومستقبل أولاده.
السوري الذي انقطعت به السبل في داخل بلاده، ولم يستطع الخروج من هذا الجحيم البشري، ذاق كل الويلات، فمات جوعاً نتيجة الغلاء الفاحش وانخفاض قيمة الليرة، ومات برداً بعد انقطاع المحروقات من الغاز والمازوت في ذروة برد الشتاء، ويموت كل يوم من الرعب الذي تشكله أفرع الأمن والميليشيات المرافقة لها، التي تعمل على إذلال ممنهج للأهالي، ويموت الآن من القيظ الخانق، بعد ارتفاع درجات الحرارة، وانقطاع الماء والكهرباء، وتفتك به الأمراض نتيجة ضعف الخدمات الصحية، وحصر المشافي الموجودة لتطبيب جرحى قوات النظام وميليشياته، والآن جائحة كورونا بدأت تحصد أرواح الناس بأعداد كبيرة، والسوري الذي رأى كل هذا بات ينظر إلى كورونا، قائلاً: أبنت الدهر عندي كل بنت.. فكيف وصلت أنت من الزحام.