كريمة السعيد – ريف دمشق – تفاصيل برس
أيام عصيبة عاشتها مناطق جرمانا، وصحنايا والسويداء كان اختبار الانتماء الوطني فيها على المحك مقابل الاختبار لأي انتماء آخر خارج حدود الوطنية والوطن، بدأت التوترات المتسارعة التي شهدتها هذه المناطق في الأيام الثلاثة الماضية، على خلفية اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن العام ومجموعات مسلحة خارجة عن القانون.
وكانت الشرارة التي أشعلت فتيل المواجهات الأخيرة تسجيلاً صوتياً منسوب لأحد مشايخ العقل الدروز يحمل إساءة لشخص النبي محمد الأمر الذي أشعل مواجهات عنيفة في مدينة صحنايا على وجه التحديد بينما أغلقت مداخل جرمانا ورُصد تحرك ملحوظ لأرتال مسلحة في السويداء وإن كانت لم تصل لمشارف صحنايا.
كيف بدأت القصة؟
وفقاً للرواية الرسمية وعلى لسان عامر الشيخ محافظ ريف دمشق: “بدأ الحدث مع الهجوم على حاجز للأمن العام على مدخل جرمانا أسفر عن مقتل عنصرين تابعين للأمن العام على الفور.. وبسبب عدم معرفة مصدر النيران تطورت الاشتباكات ووقع 14 قتيلا من الطرفين” وفقاً لمحافظ ريف دمشق.
واستمرت هذه الاشتباكات منذ الهجوم على حاجز الأمن العام ولغاية مساء أمس وشهدت الاشتباكات تصعيداً وحشداً صباح اليوم، صعّدت تلك المجموعات اعتداءاتها، حيث هاجمت نقاطاً حواجز أمنية على أطراف المدينة، مما أدى إلى استشهاد ستة عشر عنصراً من قوات إدارة الأمن العام المكلّفة بحفظ الأمن.
وفي محاولة لاحتواء الموقف وحقن الدماء، تدخل عدة جهات لوقف عمليات إطلاق النار، إلا أن المجموعات نكثت بتعهدها مجدداً، وهاجمت نقطة أمنية جديدة، مما أدى إلى استشهاد خمسة عناصر إضافيين من قوات الأمن العام، ليبلغ إجمالي عدد الشهداء ستة عشر شهيدًا.
تعد هذه الأحداث امتداداً لتوترات مستمرة ناتجة عن تمرد ميليشيات مسلحة على أساس طائفي ومناطقي
لاحقاً تصاعدت أعمال العنف في صحنايا، حيث تسللت مجموعات مسلحة إلى الأراضي الزراعية واستهدفت المدنيين وقوات الأمن، مما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا، وفي تطور خطير أمس هاجمت تلك المجموعات نقاطاً أمنية تحديداً حواجز تابعة للأمن العام، مما أدى إلى استشهاد 16 عنصراً من قوات الأمن العام المكلّفة ببسط الاستقرار وإعادته للمنطقة.
كيف انتهت أم لم تنته؟ اجتماع لم يفضي إلى اتفاق واضح
نقلت وكالة الأنباء الرسمية سانا، أنه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي يقضي بوقف إطلاق النار في جرمانا وأشرفية صحنايا بريف دمشق، الاجتماع الذي حضره محافظي ريف دمشق، والسويداء، والقنيطرة، وعدد من الوجهاء والشخصيات الاجتماعية.
بينما تحدثت شبكات محلية عن تفاصيل الاجتماع الذي انتهى دون “التوصل لاتفاق واضح” باستثناء بعض النقاط العمومية، حسب تعبيرها.
وشملت النقاط المتفق عليها وقف إطلاق النار بشكل كامل في الأشرفية، تشكيل لجنة مشتركة بين وجهاء الأشرفية من جهة والسلطة من جهة أخرى، لبحث تداعيات الأحداث الأخيرة، وتنظيم آلية لانتساب شباب المدينة لاحقاً لجهاز الأمن العام.
ونقلت مصادر إعلام محلي ما تحدثت به الجهات الحكومة التي أشارت إلى “عصابات خارجة عن القانون” اعتدت على عناصر الأمن العام وقتلت 16عنصراً منهم في أشرفية صحنايا، وعن ضرورة ضبط السلاح وتنظيمه بيد الدولة في الأشرفية وصحنايا.
وحسب هذه المصادر شكك شيخ العقل أبو أسامة يوسف جربوع، هذه الرواية قائلاً في تصريحات متداولة: أن أحداث العنف بدأت باستهداف ممنهج لجرمانا ثم أشرفية صحنايا، وبعدها السويداء.
وتحدث جربوع عن “أزمة ثقة كبيرة بين الحكومة وبين أبناء الطائفة الدرزية”، مستنكراً الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها الطائفة في عدة مناطق، داعياً إلى وقفها بشكل فوري.
في المقابل طالب المسؤولون في الحكومة السورية بتسليم بعض الأشخاص إلى القضاء ومن بينهم قيادي في حركة رجال الكرامة، لكن قائد الحركة الشيخ أبو حسن يحيى الحجار رفض فكرة تسليم أي شخص، قائلاً “إن من يتوجب تسليمهم الى القضاء هم من نفذوا الاعتداءات العشوائية على السكان الآمنين في بيوتهم، بعد فبركة تسجيل صوتي كان حجة لإثارة الحوادث الأخيرة”. حسب ما نقلت الشبكة.
من جانبه صرح المتحدث باسم حركة رجال الكرامة باسم أبو فخر: أن الحركة متمسكة بالخيار الوطني، مشيراً إلى أزمة ثقة كبيرة بين الحكومة وأبناء الطائفة الدرزية، بينما شدد على أن السلاح الذي تحمله الحركة يهدف للدفاع عن النفس ولا يستهدف أي جهة”.
وصعّد باتجاه وصف القوات الحكومية بأنها “عاجزة” عن ضبط المنفلتين وفق تعبيره وأضاف “نحن متمسكون بالخيار الوطني”.
وتابع أن: “شيوخ الطائفة الدرزية يسعون لحل الأزمة ويتواصلون مع الجهات الحكومية وأن أغلبية الدروز لا يكترثون للدعوات الخارجية التي تريد تعميق الأزمة”، وأكد أن: “الدروز في جرمانا وصحنايا مع خيار الدولة ويرفضون التدخلات الخارجية”.
من جانبه قال المقدم “حسام الطحان” مدير مديرية أمن ريف دمشق في تصريحات صحفية متداولة: “على خلفية الأحداث التي شهدتها مدينة جرمانا خلال اليومين الماضيين، تم التوصل إلى اتفاق مع وجهاء المدينة يقضي بوقف إطلاق النار وتسليم جثامين الضحايا الذين قُتلوا داخل المدينة، وقد باشرت الجهات المختصة بتنفيذ بنود هذا الاتفاق فوراً.
نزع السلاح وأزمة ثقة متبادلة
مع نهاية ذلك اليوم الطويل تم عقد اجتماع بين وجهاء المناطق وعدد من المسؤولين الحكوميين في داريا (قرب صحنايا) في محاولة لاحتواء الوضع ورغم التوصل إلى اتفاق مبدئي يتضمن وقف إطلاق النار وتشكيل لجنة مشتركة، إلا أن الاجتماع انتهى دون تحقيق نتائج واضحة أو خطوات عملية لجهة نزع السلاح خارج نطاق الدولة.
مصادر محلية تأكد لـ “تفاصيل برس” عودة الحياة إلى طبيعتها في جرمانا والأشرفية
وفي تصريح لافت بين المتحدث باسم رجال الكرامة: “إن تسليم السلاح وحصره بيد الدولة يحتاج إلى مراحل لبناء الثقة وأن سلاحنا ليس موجها لأحد بل هو للدفاع عن أنفسنا”
تجادل الدولة أن السلاح لابد أن يكون في إطار الدولة بعيداً عن أي أساس طائفي وكانت قد أثبتت تأكيدها هذه الرغبة في وقت سابق عندما تم تفكيك اللواء الثامن بقيادة العودة رجل روسيا الأول في الجنوب إضافة لتسلمها سلاح الجيش الوطني سابقاً ما يعني أن الدولة ماضية في محاولاتها المستمرة لحصر السلاح من جميع التشكيلات و الفصائل، ولكن الميليشيات المسلحة في السويداء وجرمانا وصحنايا.
الداخلية
وزارة الداخلية أكدت أن الاعتداءات على قوات الأمن تمثل انتهاكاً مباشرا” لمحاولات تحقيق السلم الأهلي، وشددت على مواصلة الجهود لاستعادة السيطرة وحماية أمن المواطنين وأكدت على أن العدالة ستأخذ مجراها وستتم محاسبة المتورطين.
وفي سياق متصل، وحرصاً من وزارة الداخلية على ترسيخ الأمن والاستقرار، باشرت قوات إدارة الأمن العام بالانتشار في محيط مدينتي صحنايا وأشرفية صحنايا لتأمين المنطقة ومنع وقوع أي أعمال عدائية”.
وأضاف المسؤول الأمني: “نؤكد لأهلنا في جميع أنحاء سوريا أن رجال إدارة الأمن العام يؤدون واجبهم الوطني في حماية أمن الوطن والمواطن، وأن أي اعتداء عليهم هو اعتداء على استقرار البلاد ومساعي السلم الأهلي.. ومن موقع مسؤوليتنا، نؤكد أننا لن نتوانى في ملاحقة كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن الوطن، وسنتخذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان عودة الأمن والاستقرار إلى المنطقة
الخارجية
وزارة الخارجية السورية أكدت في بيان رسمي لها: أن سورية ترفض التدخلات الخارجية وتؤكد السيادة الوطنية وأن الدعوات التي أطلقتها جماعات خارجة عن القانون لـ حماية دولية غير شرعية ومرفوضة بالكامل.
وشدد بيان الخارجية على ضرورة الالتزام بحماية جميع مكونات الشعب السوري دون استثناء موضحاً أن جميع القضايا الوطنية تُعالج عبر الآليات الدستورية والقانونية حصراً.
رفض البيان أي إملاءات أو تدخلات خارجية وأكد ن سيادة سوريا ليست موضع نقاش أو تفاوض.
تركيا
من جانبها أكدت وزارة الخارجية التركية في بيان صادر أمس رفضها التدخل الإسرائيلي في سوريا بالقول: “على إسرائيل أن توقف هجماتها على سوريا التي تضر بوحدة البلاد” ودعت الخارجية التركية دول المنطقة لدعم الاستقرار والأمن في سوريا. وأكدت استمرارها بدعم جهود السلام والتسوية بين جميع الأطياف التي تشكل المجتمع السوري.
مواقف إقليمية ودولية
لقد كانت الاحداث الأخيرة في ريف دمشق ذات طابع إقليمي عابر للحدود طابعاً إقليمياً مع تصريحات الجيش الإسرائيلي بضرورة التدخل لحماية الدروز في سوريا، تطور لاحقاً لتدخل مباشر إذ نفذت طلعة جوية لطيرن إسرائيلي حربي ضربتين جويتين في محيط صحنايا أمس مما أثار مخاوف من تدخلات خارجية تزيد من تعقيد المشهد، في المقابل أدانت وزارة الخارجية السورية هذه التدخلات، مؤكدة على السيادة الوطنية ورفض الحماية الدولية غير الشرعية.
ولكن مراقبين وصفوا هذا التدخل الإسرائيلي بمثابة محاولة فقط لحفظ ماء الوجه على حد تعبير مصدر مطلع لكون هذه الضربات وجهت لمحيط صحنايا ولم تخلف أضرار تذكر.
الوجه الإنساني للمأساة
يبقى التوتر الأمني عبئاً إضافياً على الحياة اليومية للسوريين في كل مكان ولعل تفاقم الأزمة الإنسانية والمعيشية في مختلف مناطق دمشق وريفها هي القاسم المشترك الذي تلتقي عنده معاناة السوريين جميعاً، حيث انعكست هذه الأحداث على ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية ونقص حاد فيها مع إغلاق للمحال التجارية في كل من جرمانا وصحنايا وشل الحركة التجارية تماماً.
أخيراً
شد وجذب متكرر في كل مرة ومحاولات حكومية حثيثة لإرساء السلم الأهلي ولكنها محاولات لم تكلل بالنجاح حتى الآن حيث لا تزال بنية السلم الأهلي في سوريا بنية هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة بينما لا تزال الأصابع على الزناد في كثير من مناطق ريف دمشق خارج نطاق الدولة إلى اليوم