تفاصيل برس – قسم المتابعة الدولية
في تقرير أثار الكثير من الجدل والتحليل، زعمت صحيفة “إي تي” الهندية الإلكترونية وجود عناصر إسلامية متشددة من أصول تنتمي إلى جمهوريات آسيا الوسطى ينشطون حاليًا داخل أفغانستان، بعد أن لعبوا دورًا وصفته الصحيفة بـ”المؤثر” في إسقاط النظام السابق في دمشق، ما اعتبرته دوائر أمنية آسيوية تطورًا مقلقًا يهدد الاستقرار الإقليمي.
الإسلاميون الآسيويون… من سوريا إلى أفغانستان؟
بحسب ما نقلته الصحيفة الهندية، فإن تلك العناصر، والتي ينتمي العديد منها إلى طاجيكستان، أوزبكستان، وقيرغيزستان، باتت تنتشر في ولايات أفغانية مثل بدخشان وبغلان وهرات، في ظل غياب رقابة أمنية مركزية حازمة. ويُعتقد أن بعض هؤلاء العناصر خاضوا تجارب قتالية في سوريا، وارتبطوا بفصائل إسلامية شاركت في تغيير المعادلة السياسية هناك عقب سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في أواخر 2023.
وتعتبر الصحيفة أن هذا التمدد الميداني لجهاديين سابقين يحمل أبعادًا أمنية تتجاوز أفغانستان، ليصل إلى جمهوريات آسيا الوسطى، خصوصًا طاجيكستان وأوزبكستان، التي تقيم حدودًا طويلة ومعقدة مع أفغانستان، وتتشارك معها في البنية الإثنية والدينية.
القلق الإقليمي… و”شبح سوريا”
ويثير هذا الملف حساسية خاصة لدى عدد من الأنظمة الحاكمة في آسيا الوسطى، حيث تقوم نُظم علمانية هشّة على أنقاض التجربة السوفيتية، وتواجه منذ عقود تحديات من الحركات الإسلامية الراديكالية، وعلى رأسها “الحركة الإسلامية في أوزبكستان”، التي ارتبطت تاريخيًا بتنظيم القاعدة.
ووفق الصحيفة الهندية، فإن انتشار العناصر “العائدة” من سوريا يعزز من خطاب المتشددين الذين يسعون لتكرار سيناريو التغيير عبر القوة، وسط تقارير استخباراتية – لم يتم تأكيدها رسميًا – تفيد بتنامي النفوذ المتطرف في إقليم بلوشستان الباكستاني، وربما وجود دعم خفي من بعض الدوائر داخل الجيش الباكستاني.
في هذا السياق، تشير الصحيفة إلى حالة طاجيكستان كمثال حي على التوتر الأمني القائم، خاصة بعد أن نشر تنظيم داعش مقطع فيديو يهدد فيه الحكومة الطاجيكية، ما استدعى مناورات عسكرية مشتركة بين موسكو ودوشنبه لمكافحة الإرهاب.
الطاجيك في سوريا.. ثم آسيا الوسطى؟
من بين الأسماء التي أثارت الانتباه، تذكر الصحيفة شخصية “سيف الدين طاجيبوييف”، وهو مواطن طاجيكي يُقال إنه التحق بالجيش السوري التابع للحكومة الجديدة “برُتبة عقيد”، ويُرجّح أن يكون قد عُيّن رئيسًا لهيئة العمليات في وزارة الدفاع السورية، حسب تقرير سابق للصحيفة في يناير الماضي.
ورغم عدم وجود تأكيد رسمي من قبل السلطات السورية حول هذه الأنباء، إلا أن تداولها على نطاق واسع بين دوائر المتطرفين في آسيا الوسطى منحها بُعدًا رمزيًا، حيث اعتُبر طاجيبوييف “نموذجًا ناجحًا” لما يمكن أن تحققه تلك الحركات في حال حازت على الدعم والفرصة السياسية المناسبة.
الموقف الهندي: هواجس من الانفجار
من جهتها، تنظر الهند بقلق بالغ إلى هذه التطورات، خصوصًا في ظل تقارير استخباراتية داخلية تشير إلى أن منطقة الحدود الشمالية الغربية، والمصالح الهندية في آسيا الوسطى، قد تكون أهدافًا محتملة لعناصر متطرفة لها ارتباطات بسوريا.
ووفق الصحيفة، فإن المؤسسة الأمنية الهندية تراقب عن كثب ما يجري في المناطق الحدودية مع أوزبكستان وطاجيكستان، خصوصًا في ظل مؤشرات متزايدة عن محاولات اختراق إيديولوجي وعمليات تجنيد سرية تنشط بها حركات مثل “حزب التحرير”، والذي تشير تقارير إلى تغلغله في هياكل الحكم ببنغلاديش، وامتداد نشاطه نحو قيرغيزستان.
ولم يقتصر القلق الهندي على خطر التنظيمات العنيفة، بل يشمل أيضًا التهديدات غير المباشرة المتمثلة في ضعف سيطرة طالبان على الأطراف الجغرافية، ووجود مناطق رخوة تحوّلت إلى ملاذات آمنة للجماعات المتشددة.
صعود خطاب “التحرير” بعد سقوط دمشق
ترى بعض الجهات البحثية أن الصدمة الاستراتيجية التي أحدثها سقوط النظام السوري السابق، وصعود قوى إسلامية بديلة، خلقت نوعًا من “الإلهام الجهادي” لدى جماعات كانت تعاني من الاضمحلال والتفكك في آسيا الوسطى. ووفقًا لمصادر مطلعة تحدثت للصحيفة، فإن “نجاح تجربة الإسلاميين في سوريا شكّل محفزًا لإعادة إطلاق المشاريع الجهادية في أوزبكستان وطاجيكستان”.
وبالرغم من أن معظم هذه التقارير تبقى ضمن النطاق التحليلي، إلا أن تقاطعها مع تقارير غربية عن تحركات لداعش في ولايات أفغانية، وتزايد الوجود الجهادي العابر للحدود، يمنحها قدرًا من المصداقية، ويستدعي إعادة تقييم الواقع الأمني في المنطقة.
بين التأكيد والنفي
من اللافت في كل ما ورد من اتهامات وتكهنات، أن الحكومة السورية الجديدة لم تُصدر أي بيان رسمي أو تعليق على هذه المزاعم، وهو ما يترك الباب مفتوحًا أمام مزيد من التكهنات، ويطرح تساؤلات حول حقيقة ما يجري في كواليس العلاقة بين المسرح السوري والمشهد الأمني في آسيا الوسطى.
هل هي بالفعل موجة جهادية عائدة من الشام؟ أم مبالغات إعلامية في ظل الصراع الجيوسياسي على النفوذ في آسيا؟ تبقى الأسابيع القادمة كفيلة بكشف ملامح هذا التداخل المعقد بين تطورات دمشق وأفغانستان وحدود آسيا الوسطى.