على الرغم من أن الشعبين الفلسطيني والسوري يشتركان في الكثير من الخصائص، سواء من حيث الدين (الإسلام السني)، أو العرق، أو حتى العادات والتقاليد التي تكاد تتطابق، إلا أن هذا التقارب الكبير لم ينعكس بشكل متساو على التعاطف العربي والإسلامي مع مأساة كل منهما. فالتعاطف مع القضية الفلسطينية يفوق بكثير التعاطف مع القضية السورية.
المقارنة بين المأساة السورية والفلسطينية بالأرقام
دعونا بدايةً وبلغة الأرقام نقارن بين المأساة السورية والمأساة الفلسطينية:
مساحة فلسطين التاريخية: 27,000 كيلومتر مربع.
مساحة سوريا: حوالي 185,000 كيلومتر مربع.
عدد سكان فلسطين: نحو 15 مليون نسمة.
عدد سكان سوريا: حوالي 23 مليون نسمة (حسب إحصائية 2010).
حجم الضحايا والدمار
من حيث عدد الضحايا، بلغ عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ نكبة 1948 قرابة 150 ألف شخص. في المقابل، قُتل ما يقرب من مليون سوري على يد النظام وحلفائه الإيرانيين وحزب الله والقوات الروسية منذ اندلاع الصراع السوري.
التهجير واللجوء
أما من حيث التهجير، فقد تم تهجير حوالي 7 ملايين فلسطيني منذ النكبة، في حين أن عدد اللاجئين والنازحين السوريين تجاوز 14 مليونًا، نصفهم تقريبًا نازحون داخل سوريا والنصف الآخر خارجها.
حجم الدمار
بالنسبة لحجم الدمار، شهدت سوريا تدمير عشرات المدن ومئات القرى على يد النظام وحلفائه، مما يفوق عدد المدن والقرى الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل منذ 1948 فإذا كنا نشاهد اليوم تدمير غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي، فإن النظام السوري والمليشيات الشيعية والروس قد سبقوهم في ذلك ودمروا مدنًا بأكملها في سوريا، فالمدن والقرى التي دمرها النظام وحلفائه تفوق عدد قرى ومدن كامل فلسطين التاريخية.
تفاوت التعاطف مع القضيتين: الأسباب والتساؤلات
بالرغم من هذه المقارنة الصادمة، لا نرى التعاطف مع الشعب السوري يقترب من مستوى الدعم والزخم الذي تحظى به القضية الفلسطينية. فما السبب؟ هل هو نفاق من قبل بعض الشعوب؟ أم أن هناك ازدواجية في المعايير؟ أم أن الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو؟
دور معاداة السامية في التعاطف مع القضية الفلسطينية
للإجابة على هذه التساؤلات، من المهم ملاحظة أن العداء التاريخي لليهود، والذي يُعزز بموروثات ونصوص إسلامية، يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل التعاطف مع القضية الفلسطينية. كما أن العداء تجاه اليهود ازداد منذ تأسيس “دولة إسرائيل”، وأصبح محورًا مهمًا في سياسات العديد من الأنظمة والجماعات والشعوب في العالم العربي.
ازدواجية المعايير والعداء لإسرائيل
هذا العداء لليهود أو لإسرائيل يفسر لماذا بعض الأنظمة والشعوب تميل للتعاطف مع كل من يعادي إسرائيل، بغض النظر عن أفعالهم الأخرى. إذ يُعتبر “محور المقاومة”، الذي يشمل النظام السوري وحلفاءه، جزءًا من هذه المعادلة. فعلى الرغم من المجازر التي ارتكبها النظام وحزب الله وإيران بحق الشعب السوري، إلا أن عداءهم اللفظي فقط لإسرائيل كافٍ لتبرير مواقفهم لدى بعض الجهات، وهذا يساهم في تقليل زخم الدعم للقضية السورية.
فعداء إسرائيل لوحده يكفي لارتكابك مجازر وحشية بشعب بأكمله ولاستباحتك بلدًا كاملًا بما يحوي لعشرات السنين، وأي صوت يخرج ضدك تتهمه بالعمالة لإسرائيل وتقضي عليه دون حسيب أو رقيب.
فقط عداؤك اللفظي لإسرائيل كاف لتبرير أي كارثة تتسبب بها حتى لو لم تقدم على فعل أي شيء ضد إسرائيل على أرض الواقع.
حاجتنا إلى معيار موحد لحقوق الإنسان
يبدو أن هناك خللًا في المعايير لدى شعوبنا، فالتعاطف الشديد مع الشعب الفلسطيني في محنته، على الرغم من أهميته وأحقيته، يجب أن يكون متوازنًا مع تعاطف مماثل مع الشعوب الأخرى التي تمر بظروف مشابهة أو حتى أشد قسوة. فحينما يصبح الإنسان وحقوقه هو المحور، وليس مجرد كراهية إسرائيل أو اليهود، ستكون المعايير أكثر إنصافًا وشمولية.
أهمية حقوق الإنسان في القضايا السياسية
إن تجاوز هذا الخلل يتطلب أن يكون الإنسان وحقوقه في قلب أي قضية، بغض النظر عن العدو الخارجي أو التحالفات السياسية. حينها فقط، لن يستطيع أي طاغية استغلال العداء لإسرائيل أو أي عدو آخر لتبرير أفعاله ضد شعبه.
* عبد الرحمن الناصر – طالب كلية علوم سياسية وعلاقات دولية – جامعة إسطنبول