ألفان وأربعة يوم كسر فيه الكورد حاجز الخوف لأول مرة، قال من قال إن بشار الأسد الطبيب الشاب ليس كأبيه، حماة لن تعود والقائد اليوم إنسان، يومها سقط تمثال لحافظ الأسد.
ألفان وعشرون، ستة عشر عاما على الانتفاضة الكوردية، وتسع على الثورة السورية فهل حقا كان بشار هو (القائد الإنسان)؟.
الخوض في تفاصيل ما آل إليه بلد دمر بآلة عسكرية فتاكة للقائد الإنسان، أصبح حديث ماض ولو أن شواهده مازالت ماثلة في عشرات بل مئات البلدات المدمرة والمهجر أهلها، ما صنعته يدا بشار يفوق الحجر إلى الإنسان، والحديث هنا عن العقد الاجتماعي لبلد يضم بين دفاته عشرات الإثنيات والأعراق والطوائف، حرب بشار وزمرته ومن قبله أبيه وزمرته كانت هنا.
حافظ الأسد:
في التاسع والعشرين من نيسان عام 1975 رحَّل حافظ الأسد قبيلة “الولدة” عن أراضيها في الرقة باتجاه القامشلي شمال الحسكة، والذين أطلق عليهم لاحقاً “أهل الغمر”، وهي الأراضي التي غمرت بفعل سد الفرات الذي أشرفت روسيا ممثلة بالاتحاد السوفيتي على بناءه آنذاك، الحقيقة أن جزءاً يسيراً من أراضي الولدة غمر بالماء، فلماذا يتم تهجير كل القبيلة خاصة إذا علمنا أن عددا من أفرادها المتواجدين شرق حلب تم تهجيرهم كذلك، بعد مصادرة أملاكهم لتوزع لاحقا على فلاحي المنطقة.
بعد اجتماع حافظ الأسد مع القبيلة التي وصفها يومها بالوطنية، تم توزيع أبناءها على امتداد ما سمي الخط العاشر الذي يمتد من مدينة رأس العين غربا حتى الحدود العراقية، تهجير قبيلة عربية قسراً عن أرضهاً ووضعها في محيط كردي كان البداية.
سوريا المفيدة:
المصطلح الذي أطلقه بشار الأسد عام 2015 وهو تطبيق معاد لـ “عرب الغمر”، وبشكل أوسع هذه المرة، بدأ باتفاق المدن الأربعة بإشراف قطري إيراني (كفريا – الفوعة – الزبداني – مضايا) والذي جاء استكمالا لعملية التهجير القسري التي طالت قبيلة “الولدة” أيام الأسد الأب، أفرغت على إثره بلدات في ريف دمشق كبيت سحم وببيلا ويلدا مروراً بمخيم اليرموك للاجئين الفلسطيين، اتفاق كان من أهم نتائجه تغيير الهوية الاجتماعية و السكانية عبر شريط لبنان الحدودي، امتداداً من الزبداني جنوباً حتى مدينة القصير التي يسيطر عليها حزب الله اللبناني شمالاً.
الساحل السوري:
خزان النظام البشري كما يطلق عليه، فَقد وبحسب أقل إحصائية 300 ألف من شبابه، جلهم إن لم نقل أكثرهم من أبناء الطائفة العلوية، والباقي من أبناء الطائفة الإسماعيلية، وبحسبة بسيطة فإن كل عائلة فقدت فرداً على الأقل في حرب أقنعهم الأسد أنها مصيرية، فكانت بالنسبة لهم وجودية، هنا شرخ الدم في المجتمع السوري كان الأكبر.
السويداء:
آثرت (بكليتها) أن تبقى على الحياد في حرب وصفت في أدبيات منظريها بـ (حرب السنة مع العلوية )، رفضت زج أبناءها في صفوف النظام، حياد لم يحمها إلا من الدم، فكان لوم من ثار أن سكوتها كان عوناً للنظام، وتجريم الطرف الآخر لها بتخليها عن (واجبها الوطني) بالدفاع عن سوريا (النظام)، تعاقب الآن بحصار اقتصادي ميليشياوي، تبقى أعلام الثورة المخبئة بين أحجارها السوداء تبض بأن روحاً ما للثورة ستولد من جديد.
مسيحيو سوريا:
لم ينفعهم السكوت، حوصروا وهجروا على طرفي الصراع، وقس عليهم باقي (الأقليات ).
الشمال السوري:
البقعة الغير مفيدة من سوريا (بحسب تصنيف الأسد سالف الذكر )، تضم اليوم كل (سني ) هجر عن بيته على امتداد سوريا من درعا والقنيطرة وصولاً إلى دير الزور، طُرِح سؤال في بداية عمليات التهجير من حمص، لماذا اختار المهجرون الشمال مع أن درعا كانت بيد المعارضة كذلك؟ الجواب جاء: إن النظام اشترط في كل عملية تفاوض أفضت إلى تهجير، أن تكون الوجهة نحو إدلب وشمال حلب، أمر بيت وخطط له مسبقاً وافقت عليه المعارضة بضغوط لم تفصح عن طبيعتها، لكن ما اتضح لاحقاً أن التفاهمات الدولية والإقليمة كانت مباركة له.
العقد الاجتماعي:
يقوم أي بلد على مصالح تربط مكونات المجتمع، خاصة المجتمعات الإثنية، فهي تعيش وتتعايش عليه، وفق تفاهمات معينة بعيدا عن دين أو معتقد أو قومية أي من مكوناتها، سوريا (التاريخ ) كانت أنموذجاً مختلفا، استطاع أن يُكَوِّن عبر آلاف السنين من التعايش منظومة روحية انتفت فيها المصلحة، كونت الحضارة (السورية)، حضارة انتهت يوم انقلب الأسد الأب على السلطة.
تسع سنوات مضت على بدء شرارة الثورة، استطاع النظام فيها تلطيخ هذا العقد بالكثير من الدماء، والسؤال يبقى معلقاً حتى تضع الحرب أوزارها: هل استطاع الأسد قطع العقد الاجتماعي السوري الذي صمد لآلاف السنين؟.