القاهرة – تفاصيل برس – (خاص)
اجتمع يوم الأربعاء وزراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، في لحظة تاريخية تميّزت بعودة سوريا إلى مقعدها.
فلأول مرة منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في كانون الأول 2024 وإعادة قبول سوريا في الجامعة العربية في أيار 2023، شارك وزير الخارجية أسعد الشيباني في الاجتماع بين نظرائه العرب.
وجرى خلال اللقاء بحث التحضيرات للقمة العربية المقررة في بغداد في 17 أيار، والقضية الفلسطينية، والأزمات المستمرة في سوريا وليبيا واليمن والسودان، إضافة إلى ملف سدّ النهضة الإثيوبي.
عودة طال انتظارها
وجرى تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في تشرين الثاني 2011، على خلفية القمع الدموي للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية. وبعد أكثر من عقدٍ من العزلة، قررت الدول الأعضاء إعادة قبول دمشق في 7 أيار 2023، في خطوة جاءت نتيجة حساباتٍ إقليمية متذبذبة ورغبة في استقرار الدول المجاورة.
ومع ذلك، ظل التشكيك حاضراً لدى بعض الدول الأعضاء، واستمرت العقوبات الأميركية تعكس حرص الغرب على التحقّق من التزام الإدارة السورية الجديدة بالإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان.
بنود جدول الأعمال الرئيسية
ركّز الاجتماع في القاهرة بالدرجة الأولى على التحضيرات اللوجستية والاستراتيجية للقمة العربية المقبلة في بغداد، المقررة في 17 أيار.
واستعرض الوزراء مجموعات العمل، وترتيبات الأمن، والجلسات الموضوعية التي ستتناول إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب.
إضافة إلى ذلك، دارت مناقشات جوهرية حول القضية الفلسطينية، والدعوات لوقف إطلاق النار في غزة، واستراتيجيات التعامل مع التداعيات الإنسانية في اليمن والسودان.
كما بحث المجتمعون الخيارات الدبلوماسية لاحتواء التوترات الناجمة عن سدّ النهضة الإثيوبي وما ينطوي عليه من مخاطر على الاستقرار الإقليمي.
أصوات من المائدة
افتتح أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية، الاجتماع بإدانة الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية، مؤكداً “وقوف العرب صفاً واحداً ضد أي انتهاك للسيادة”.
من جهته، شدد أسعد الشيباني على حرص سوريا على الإسهام البنّاء في صنع القرار العربي؛ وقال في تصريح مقتضب للصحفيين: “تمثيلنا الكامل يشكل فصلاً جديداً للوحدة العربية والعمل المشترك”.
ردود فعل إقليمية وأميركية
رحّبت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، بعودة سوريا، معتبرةً أنها خطوة ضرورية لأمن الحدود ومشروعات إعادة الإعمار. على النقيض، أبقت الولايات المتحدة على موقفٍ حذر.
فقد جدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تأكيد دعم واشنطن لأهداف شركائها العرب في بناء الأمن والاستقرار، لكنه أكد أن العقوبات القائمة ستبقى مفعّلة “حتى تأخذ الإصلاحات السورية طابعاً حقيقياً”.
انعكاسات على السياسة الأميركية
أنّه يتجلّى لأصحاب القرار الأميركيين والجمهور في الولايات المتحدة عدد من الدلالات المهمة أبرزها:
التعاون ضد الإرهاب: وذلك بسبب قرب سوريا من العراق ولبنان الذي يجعل تعاونها مهماً لقطع خطوط التمويل والشبكات المتطرفة.
ضغط اللاجئين: لا تزال أعداد اللاجئين السوريين تتجاوز خمسة ملايين في دول الجوار؛ وقد يساهم التنسيق العربي في تخفيف الأعباء الإنسانية التي تؤثر في المصالح الأميركية بشكل غير مباشر.
التوازن الجيوسياسي: تشكّل روسيا وإيران حالياً الدعامة الرئيسية لنفوذ المعارضة لسوريا في الغرب؛ وقد يحدّ اندماج دمشق ضمن الأطر العربية من هذا النفوذ ويتيح مساحة للحوار الغربي.
“من خلال إعادة تفعيل الدور السوري عبر الجامعة العربية، بدل المسار الثنائي المباشر، يمكن للولايات المتحدة دعم الاستقرار الإقليمي من دون المصادقة الضمنية على سياسات النظام الداخلي”.
نظرة إلى المستقبل
مع مغادرة وزراء الخارجية القاهرة، تتجه الأنظار إلى بغداد، حيث سيلتقي رؤساء الدول في ظل التحديات المتراكمة في لبنان وتصاعد العنف الإسرائيلي–الفلسطيني.
وفي هذا السياق، ينظر السياسي السوري فراس الخالدي، إلى أنّ حضور سوريا في القمة سيشكّل اختباراً لمدى صلابة الإجماع العربي، ويكشف مدى استعداد دمشق لتحويل هذا الزخم الدبلوماسي إلى خطوات ملموسة في مجالي إعادة الإعمار والحوار السياسي.
فإذا استمرت دمشق في الالتزام بالإصلاح، فقد يتراجع الحذر الغربي تدريجياً. أما إذا تراجعت عن وعودها، فستعود العزلة لتضرب بوصلتها من جديد.
ويرى فراس الخالدي، السياسي السوري ورئيس منصة القاهرة في المعارضة السورية أنّ عودة سوريا للانخراط في الوسط العربي يعتبر مهماً في هذه الفترة بالتحديد.
وقال “الخالدي” في تصريح إن أهمية حضور الوفد السوري ونوعية المشاركة تمت على سويّة عالية، حيث إنّ تلك المشاركة تأتي لفتح آفاق جديدة مع الدول العربية، كما أنها مهمة كي تستعيد سوريا مكانتها.
وشدد “الخالدي” على أنّ المساهمة العربية يجب أن تكون أكثر فاعلية في رفع العقوبات عن سوريا، كي تنهض من جديد، بالإضافة إلى التعاون مع دول الجوار لمنع تسلل الإرهابيين من إيران إلى سوريا.
بهذا تكون إعادة انخراط سوريا في جامعة الدول العربية نهاية فصل من العزلة، وبداية مرحلة محفوفة بالتحديات نحو تطبيع يعيد صياغة ملامح المشهد العربي والإقليمي.