محمد هنداوي – ملف يصدره تفاصيل برس بمناسبة اليوم الدولي للاعنف
يحتفل العالم في الثاني من أكتوبر من كل عام، باليوم العالمي للاعنف، هذا اليوم الذي يوافق يوم ولادة المهاتما غاندي زعيم حركة استقلال الهند ورائد فلسفة اللاعنف.
يوم يبدو أنه أبعد ما يكون عن واقع حياة السوريين، الذين أصبحوا يدورون في دوامة العنف، لتغزو قصص الجرائم بمختلف أشكالها مواقع التواصل الاجتماعي.
فمنذ استخدام نظام الأسد خيار العنف ضد الشعب السوري في 2011، أصبح العنف جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للسوريين، حيث كان العنف أداة رئيسية لقمع المعارضة والسيطرة على المجتمع.
إضافة إلى الممارسات الأمنية مثل الاعتقالات التعسفية، التعذيب، والاختفاء القسري التي باتت ممارسات شائعة، الأمر الذي أسس لبيئة من الخوف والرعب بين المواطنين، لم يقتصر هذا العنف على المعارضين السياسيين فقط بل امتد ليشمل المدنيين العاديين، مما أدى لحالة من القهر الجمعي في صفوف السوريين.
فساد الأجهزة الأمنية والقضاء يتسبب بحالة قهر يدفع نحو العنف
تؤكد تقارير أممية وأخرى أصدرتها منظمات حقوقية أن سوريا بلد بات العنف جزء أصيلاً من نسيجه، وترسل هذه التقارير إشارات نحو عمق هذه الأزمة التي جعلت سوريا واحدة من أقل الدول في العالم أماناً.
وقال باولو بينيرو رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا في الأمم المتحدة: إن “الوضع على الأرض أصبح أكثر تعقيدا في ظل انهيار الاقتصاد، والاعتماد المتزايد على تصنيع المخدرات والاتجار بها، وعدم رغبة الدولة وعدم قدرتها إلى حد ما على حماية سلامة وأمن شعبها”.
وقال باسل نمرة (مختص نفسي مجتمعي وفيزيائي) لـ موقع “تفاصيل برس”: إنه من الممكن تفسير ارتفاع حالة العنف في سوريا حالة العنف في سوريا بسبب الوضع العام، أي الانفلات الأمني الموجود في سوريا ووجود السلاح وانتشاره بمختلف طبقات المجتمع بشكل أصبح من السهولة لمعظم الناس اقتناء سلاح، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه سوريا.
ورأى “نمرة” أن زوال الطبقة الوسطى من المجتمع أدى إلى خلخة في بيئة المجتمع السوري، مؤدياً هذا الخلل إلى قسم المجتمع لطبقتين الأولى “طبقة فاحشة الثراء وطبقة الأكثرية الفقيرة جدا أو معدومة وهذا يحفز العنف بشكل كبير جدا على كافة مستوياته” على حد تعبيره.
وأكد المختص النفسي على “انعدام وجود ظرف يساعد على إيجاد الحلول للمجتمع لا بل الظرف الحالي يساعد على ازدياد العنف ويحفزه”.
وعن غياب حالة العدالة الاجتماعية تحدث “نمرة” عن غياب العدالة والضوابط الأمنية وصعوبة تحصيل حقوق المواطنين حيث يجد المواطن نفسه أمام ضرورة استخدام العنف في كثير من الحالات لجلب حقه.
وأضاف أن تردي الوضع الاقتصادي الذي أسفر عن ازدياد فساد السلطة القضائية، وهذا ما خلق فراغ يجبر المتخاصمين للجوء إلى العنف.
وعن دور نظام الأسد في خلق وتغذية العنف قال: “النظام مغيب تماما عن قمع أي عنف وإيجاد أي حدود وليس لديه أدنى حلول مجتمعية أو نفسية ولا يقدم للحالات التي تعرضت للعنف لا دعم قضائي ولا نفسي إلا أن يزيد الأمر سوء حتى هناك حالات سمعت بها قال بها القاضي للمشتكي لا استطيع أن أحكم لك بحقك اذهب ومشي حالك خذ حقك بيدك”.
وعن مساعي مؤسسات المجتمع المدني تحدث ضيفنا عن ندوات وورش وصفها بالجيدة قامت في بداية الثورة في سوريا بشكل عام، لتجميد العنف لكن تردي الوضع الاقتصادي حال دون حضور أي فئة لهذه الندوات والورشات سواء من الطبقة الغنية جداً أو المسحوقة الفقيرة التي تقول لك لماذا لا آخذ حقي بالعنف
التعقيدات الأمنية من عنف الدولة إلى عنف المكونات المجتمع السوري
رغم أن نظام الأسد هو الجهة الأعنف في سوريا والتي تمتلك أدواته، لكن هذا العنف لم يعد حكرا على النظام فقط بل نقله النظام كراعٍ أو مسبّب، ليشمل مختلف مكونات المجتمع، من العنف الطائفي والعرقي أصبح جزءًا من الحياة اليومية، حيث تتصارع الفصائل المختلفة على النفوذ والسيطرة، مما أدى إلى خلل في النسيج الاجتماعي وزيادة الانقسامات بين مكونات المجتمع السوري.
وأوضح الباحث في الدراسات الأمنية محمد أشقر لموقع “تفاصيل برس” أن سوريا تشظت بفعل استثمار كيانات خارجية دولتية أو غير دولتية لحالة الصراع التي أدت إلى صعود جماعات مسلحة تمرست على الحرب وتمترست في الجغرافية، وأيضا كان للعنف الطائفي في سوريا دورا في تفاقم حالة العنف.
وقال: “أشقر أن سوريا تشظت إلى مناطق سيطرة عدة على حدود أمنية لفاعلين متناحرين بولاءات مختلفة لدول متشاكسة، فنشطت لذلك الوسائل العسكرية بينهم دون تمكن طرف من الحسم العسكري ودون الوصول بعد إلى حالة اجهاد الحرب التي تلجئ إلى طاولة المفاوضات
وأضاف الباحث في الدراسات الأمنية أن حالات العنف لم تقتصر فقط على العنف السياسي بل تعدته إلى العنف الاجتماعي بما انطوى عليه من صراعات بين الكيانات الاجتماعية وأفعال العنف الفردي بمختلف تجلياتها. ومرد ذلك بطبيعة الحال الى الفراغات الأمنية الحاصلة على امتداد الجغرافية السورية فالفاعل ما دون الدولة لا يملك القدرة على الضبط الأمني الداخلي كالتي عند الدولة.
وبحسب “أشقر” فإن الدولة في الحالة السورية هي من أنتج العنف ابتداء وظلت طرفا في انتاجه إما كعنف سياسي ضد باقي الفاعلين أو كآلية عقابية للمجتمع الذي ثار عليها فكانت كل حالة عنف تصيب المجتمع السوري تخدم الهدف العقابي الذي سعت اليه وعملت على انتشاره.
كما أن قدرة الدولة السورية بنظامها الحاكم (نظام الأسد) على الضبط الأمني الداخلي تآكلت لعدة عوامل كان على رأسها تفويضها صلاحياتها الأمنية الى الميليشيات الموالية والحليفة.
المرأة عماد الأسرة ومعاناتها مع العنف
في تقريرها السنوي سجلت الشبكة السوري لحقوق الانسان مقتل ” 28926″ أنثى منذ آذار 2011 حتى تشرين الثاني 2023، بينهن 117 بسبب التعذيب، 11203 أنثى لا تزلن قيد الاعتقال/الاحتجاز، و11541 حادثة عنف جنسي استهدفت الإناث.
المرأة السورية تحملت عبئاً كبيراً من العنف المستشري في سوريا، النساء والفتيات تعرضن لأشكال متعددة من عنف نظام الأسد، وأيضاً كان لهم النصيب من العنف الأسري، والعنف الجنسي، والزواج القسري. عدا عن الظرف الاقتصادي الذي وضع المرأة في مواجهة تحديات لقمة العيش.
عن معاناة المرأة في سوريا تقول الإعلامية “أحلام طبرة” إن: “المرأة السورية تواجه تحديات جسيمة في ظل الأوضاع الراهنة، حيث تبرز كضحية رئيسية للعنف بأشكاله المختلفة. وقد أشارت الإعلامية “أحلام طبرة” إلى أن هذا الوضع يتفاقم بسبب غياب آليات الحماية والرعاية الفعالة، سواء في الماضي أو الحاضر. كما أن انهيار النظام القضائي وغياب المؤسسات الداعمة قد ترك المرأة دون ملاذ في حالات العنف الأسري.
وأوضحت طبرة أن تشتت العائلات السورية بين مناطق سيطرة مختلفة قد أدى إلى إضعاف شبكات الدعم الاجتماعي والأسري التقليدية، مما زاد من هشاشة وضع المرأة.
أما في ميدان العمل تحدثت “طبرة” عن تعرض النساء للتمييز والإقصاء في مختلف المجالات المهنية. مسلطةً الضوء بشكل خاص على معاناة الصحفيات في شمال سوريا، اللواتي يواجهن مضايقات متعددة من المجتمع وسلطات الأمر الواقع على حد سواء.
علاوة على ذلك، أشارت “طبرة” إلى تفاقم المشكلات القائمة، مستشهدة بارتفاع معدلات زواج القاصرات كنتيجة مباشرة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، والتي وصفتها بـ “العنف المعيشي”.
يكاد يكون العنف أول ما يرد على الذهن عند السَّماع بسوريا من غير أن يكون هذا الربط تعسفياً أو مبالغاً فيه. فحرب نظام الأسد على السوريين التي نعرف والتي غرقت فيها البلاد منذ ثلاثة عشر عاماً شهدت، ولا تزال، مستويات من العنف السياسي المزمن أفرز بطبيعة الحال حالات من انفلات الأمن استعر فيها أيضاً العنف الاجتماعي.