جمال مامو – تفاصيل برس – ملف أصدره تفاصيل برس بمناسبة اليوم الدولي للترجمة
دأب عدد كبير من الإعلاميين والباحثين الغربيين طيلة العقدين الأخيرين من القرن الماضي على تصنيف سوريا كبلد منغلق إعلامياً بسبب سياسات الحكومة السورية المتشددة و المتوجسة تجاه مؤسسات الإعلام الغربي وكل وكالات الأنباء الأجنبية التي لم تكن تستطيع إرسال مراسليها إلى سوريا إلا بعد جملة اشتراطات و تقييدات من قبل الحكومة السورية، على رأسها أن يكون الصحفي أو المراسل الممثل لهذه الوكالة الإعلامية مرضيا عنه من قبل أجهزة الأمن، أو أن يوافق المراسل، على الأقل، على مراقبة التقارير الإعلامية التي يكتبها و تمريرها مسبقا إلى جهات رقابية تحدد ما يجب و ما لا يجب أن يكتب.
وبالرغم من أن سوريا كانت في قلب الأحداث العاصفة في منطقة الشرق الأوسط منذ ستينيات القرن العشرين إلا أن ذلك لم يجعلها مرئية بشكل واضح أمام الإعلاميين والباحثين الغربيين حتى أن أحداث مدينة حماه الدامية في بداية الثمانينات وحملات القمع والقتل التي شنتها قوات الحكومة السورية آنذاك لم تحظى بأي اهتمام يذكر ذلك لأنها كانت مغيبة بشكل كبير عن أضواء الإعلام العالمي.
مع بداية فترة توريث السلطة في سوريا وإعلان العهد الجديد عن إجراءات انفتاحية نسبية والسماح للإنترنت بالدخول إلى البلاد بدأ المجتمع السوري الحي الذي يتميز أفراده بنشاطهم وشغفهم بتعلم اللغات الحية بالتواصل مع العالم وإعادة تشكيل صورة البلاد لدى المجتمع الدولي.
في هذا السياق أتذكر كيف كان السياح الغربيون الذين كانوا يعشقون زيارة الأماكن الأثرية في سوريا يتفاجؤون من قدرة كثير من السوريين على التواصل معهم بعدة لغات وبشكل احترافي.حين كان بعض من هؤلاء السياح يسألون من يلتقون بهم من السوريين عن سر اتقانهم لهذه اللغات كانت مفاجأتهم تكبر بعد سماعهم أن هناك أقسام متخصصة لتعلم اللغات الأجنبية في عدة كليات جامعية في سوريا.
ساهم هذا الازدياد المطرد في عدد من يتقنون اللغات الأجنبية في ازدهار حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى وبالعكس و أصبح كثير من الدارسين الغربيين قادرين على قراءة أشعار نزار قباني و روايات محمد الماغوط وغيره بلغاتهم.
مع زيادة حركة الترجمة وتوسيع هامش حرية وصول المعلومات بفضل الثورة التكنولوجية ظهرت دراسات اجتماعية وسياسية غربية عن سوريا بنيت على معلومات حصل عليها أصحابها من أبناء البلد أنفسهم، كما ساهم السوريون الذين يتقنون عدة لغات حية في التعريف بالمجتمع السوري وإشكاليات العلاقة مع السلطة التي تفجرت في بداية الشهر الثالث من عام 2011 حينما اندلعت أحداث الثورة السورية انطلاقا من مدينة درعا لتشمل باقي المدن السورية.
الثورة السورية ووسائل التواصل الاجتماعي: حين يتحول الفيسبوك إلى أداة ثورية
لم يكن أحد يتوقع ذلك. في عالم أصبح حالك الظلام، بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية واليأس، أمكن الإطاحة بديكتاتوريات عنيدة حين انتقل الربيع العربي إلى سوريا مع أحداث درعا، وبعد السماح للسوريين بالوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي بشكل رسمي في منتصف 2011 ، الفيسبوك تحديدا، تحولت المنصة الأخيرة إلى أهم مجال افتراضي للنشاط الثوري العام وصار من الضروري لدى كثير من الناشطين أن يوصلوا صورة ما يحدث في البلاد إلى الرأي العام العالمي لذلك انطلقت حملات عديدة لتأسيس صفحات ومواقع باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية وعدة لغات أخرى.
في هذا السياق لعبت الترجمة دورا مهما في نقل معاناة السوريين اليومية جراء الحرب التي شنتها قوات النظام عليهم ما جعل الرأي العام العالمي يطلق حملات تضامن ودعم واسعة مع السوريين.
دفعت ويلات الحرب كثير من السوريين إلى مغادرة البلاد واللجوء إلى أوروبا حيث انطلق هؤلاء اللاجئين في مسيرة جديدة نحو تعلم لغات البلاد الجديدة ومن ثم المساهمة في إطلاق حملات الدعم والمساندة لأهاليهم الذين بقي عدد كبير منهم في البلد.
ساهمت هذه الظروف والمتغيرات في زيادة وعي العالم بما يحدث في سوريا غير أن تلك الصورة الإيجابية التي تشكلت عن نضال السوريين ضد سلطة غاشمة بدأت في التحول تدريجيا مع ظهور التنظيمات المتطرفة التي دفعت لكي تحتل واجهة المشهد في البلاد.
في سياق آخر مواز لمنصات التواصل الاجتماعي أطلقت بعض وسائل الإعلام المناهضة للنظام مواقع باللغات الإنكليزية والفرنسية والتركية لتقوم بتعريف المجتمعات المضيفة بواقع القضية السورية وتطوراتها من خلال ترجمة المقالات والفيديوهات، كما ساهم ظهور بعض الناشطين على قنوات تلفزيونية غربية وحديثهم عن مفاصل ونقاط معينة في اضاءة كثير من الزوايا الغامضة لدى الرأي العام العالمي.
هل نحتاج إلى أن يرانا العالم بعيونه ولغته:
مع دخول القضية السورية عامها الثالث عشر وزيادة عدد السوريين الذين تعلموا عشرات اللغات الحية بسبب لجوئهم إلى بلدان مختلفة، تتوسع الحاجة الى الترجمة من تلك اللغات الأجنبية الى العربية ومن العربية إلى تلك اللغات لأن السوريين باتوا أمام تحديات جديدة تتعلق باندماجهم مع المجتمعات المضيفة مع ما يعنيه ذلك من ضرورة تعريف الآخرين بثقافتنا وقضيتنا ومشاكلنا ومن يتابع صفحات وسائل التواصل الاجتماعي يرى بوضوح كيف ساهم السوريون في المجتمعات المضيفة بتقديم العون والمساعدة وايصال المعلومات عن حقيقة ما يجري بلادهم التي باتت ترزح تحت سيطرة عدة قوى احتلال بغيضة لا شك أنها جميعا إلى زوال.
دأب عدد كبير من الإعلاميين والباحثين الغربيين طيلة العقدين الأخيرين من القرن الماضي على تصنيف سوريا كبلد منغلق اعلاميا بسبب سياسات الحكومة السورية المتشددة و المتوجسة تجاه مؤسسات الإعلام الغربي وكل وكالات الأنباء الأجنبية التي لم تكن تستطيع إرسال مراسليها إلى سوريا إلا بعد جملة اشتراطات و تقييدات من قبل الحكومة السورية، على رأسها أن يكون الصحفي أو المراسل الممثل لهذه الوكالة الإعلامية مرضيا عنه من قبل أجهزة الأمن، أو أن يوافق المراسل، على الأقل، على مراقبة التقارير الاعلامية التي يكتبها و تمريرها مسبقا إلى جهات رقابية تحدد ما يجب و ما لا يجب أن يكتب.
وبالرغم من أن سوريا كانت في قلب الأحداث العاصفة في منطقة الشرق الأوسط منذ ستينيات القرن العشرين إلا أن ذلك لم يجعلها مرئية بشكل واضح أمام الإعلاميين والباحثين الغربيين حتى أن أحداث مدينة حماه الدامية في بداية الثمانينات وحملات القمع والقتل التي شنتها قوات الحكومة السورية آنذاك لم تحظى بأي اهتمام يذكر ذلك لأنها كانت مغيبة بشكل كبير عن أضواء الإعلام العالمي.
مع بداية فترة توريث السلطة في سوريا وإعلان العهد الجديد عن إجراءات انفتاحية نسبية والسماح للإنترنت بالدخول إلى البلاد بدأ المجتمع السوري الحي الذي يتميز أفراده بنشاطهم وشغفهم بتعلم اللغات الحية بالتواصل مع العالم وإعادة تشكيل صورة البلاد لدى المجتمع الدولي.
في هذا السياق أتذكر كيف كان السياح الغربيون الذين كانوا يعشقون زيارة الأماكن الأثرية في سوريا يتفاجئون من قدرة كثير من السوريين على التواصل معهم بعدة لغات وبشكل احترافي.حين كان بعض من هؤلاء السياح يسألون من يلتقون بهم من السوريين عن سر اتقانهم لهذه اللغات كانت مفاجأتهم تكبر بعد سماعهم أن هناك أقسام متخصصة لتعلم اللغات الأجنبية في عدة كليات جامعية في سوريا.
ساهم هذا الازدياد المطرد في عدد من يتقنون اللغات الأجنبية في ازدهار حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى وبالعكس و أصبح كثير من الدارسين الغربيين قادرين على قراءة أشعار نزار قباني و روايات محمد الماغوط وغيره بلغاتهم.
مع زيادة حركة الترجمة وتوسيع هامش حرية وصول المعلومات بفضل الثورة التكنولوجية ظهرت دراسات اجتماعية وسياسية غربية عن سوريا بنيت على معلومات حصل عليها أصحابها من أبناء البلد أنفسهم، كما ساهم السوريون الذين يتقنون عدة لغات حية في التعريف بالمجتمع السوري وإشكاليات العلاقة مع السلطة التي تفجرت في بداية الشهر الثالث من عام 2011 حينما اندلعت أحداث الثورة السورية انطلاقا من مدينة درعا لتشمل باقي المدن السورية.
الثورة السورية ووسائل التواصل الاجتماعي: حين يتحول الفيسبوك إلى أداة ثورية
لم يكن أحد يتوقع ذلك. في عالم أصبح حالك الظلام، بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية واليأس، أمكن الإطاحة ديكتاتوريات عنيدة حين انتقل الربيع العربي إلى سوريا مع أحداث درعا، وبعد السماح للسوريين بالوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي بشكل رسمي في منتصف 2011 ، الفيسبوك تحديدا، تحولت المنصة الأخيرة إلى أهم مجال افتراضي للنشاط الثوري العام وصار من الضروري لدى كثير من الناشطين أن يوصلوا صورة ما يحدث في البلاد إلى الرأي العام العالمي لذلك انطلقت حملات عديدة لتأسيس صفحات ومواقع باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية وعدة لغات أخرى.
في هذا السياق لعبت الترجمة دورا مهما في نقل معاناة السوريين اليومية جراء الحرب التي شنتها قوات النظام عليهم ما جعل الرأي العام العالمي يطلق حملات تضامن ودعم واسعة مع السوريين.
دفعت ويلات الحرب كثير من السوريين إلى مغادرة البلاد واللجوء إلى أوروبا حيث انطلق هؤلاء اللاجئين في مسيرة جديدة نحو تعلم لغات البلاد الجديدة ومن ثم المساهمة في إطلاق حملات الدعم والمساندة لأهاليهم الذين بقي عدد كبير منهم في البلد.
ساهمت هذه الظروف والمتغيرات في زيادة وعي العالم بما يحدث في سوريا غير أن تلك الصورة الايجابية التي تشكلت عن نضال السوريين ضد سلطة غاشمة بدأت في التحول تدريجيا مع ظهور التنظيمات المتطرفة التي دفعت لكي تحتل واجهة المشهد في البلاد.
في سياق آخر مواز لمنصات التواصل الاجتماعي أطلقت بعض وسائل الإعلام المناهضة للنظام مواقع باللغات الإنكليزية والفرنسية والتركية لتقوم بتعريف المجتمعات المضيفة بواقع القضية السورية وتطوراتها من خلال ترجمة المقالات والفيديوهات، كما ساهم ظهور بعض الناشطين على قنوات تلفزيونية غربية وحديثهم عن مفاصل ونقاط معينة في اضاءة كثير من الزوايا الغامضة لدى الرأي العام العالمي.
هل نحتاج إلى أن يرانا العالم بعيونه ولغته:
مع دخول القضية السورية عامها الثالث عشر وزيادة عدد السوريين الذين تعلموا عشرات اللغات الحية بسبب لجوئهم إلى بلدان مختلفة، تتوسع الحاجة الى الترجمة من تلك اللغات الأجنبية الى العربية ومن العربية إلى تلك اللغات لأن السوريين باتوا أمام تحديات جديدة تتعلق باندماجهم مع المجتمعات المضيفة مع ما يعنيه ذلك من ضرورة تعريف الآخرين بثقافتنا وقضيتنا ومشاكلنا ومن يتابع صفحات وسائل التواصل الاجتماعي يرى بوضوح كيف ساهم السوريون في المجتمعات المضيفة بتقديم العون والمساعدة وايصال المعلومات عن حقيقة ما يجري بلادهم التي باتت ترزح تحت سيطرة عدة قوى احتلال بغيضة لا شك أنها جميعا إلى زوال.